جاءت عملية القدس رداً على مجزرة جنين التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي قبلها بيوم واحد، واستشهد خلالها 9 فلسطينيين، بعد سلسلة من استفزازات الاحتلال في جنين والضفة المحتلة، يدل ذلك على أن لكل فعل رد فعل، وأن العنف يؤدي إلى عنف، والقتل يؤدي إلى قتل.
شنّت إسرائيل حملةً عقابيةً ضد الفلسطينيين في القدس، لتدفع عائلات منفّذي العملية وداعميها الثمن، بعد هجوم في المدينة قُتل خلاله 8 إسرائيليين، وأطلقت الشرطة الإسرائيلية وبلدية القدس حملةً لهدم 14 منزلاً بشكل سريع، بإيعاز من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووصلت القوات الإسرائيلية لهدم منزل يعود للمقدسي محمد مطر، ثم انتقلت إلى مناطق وأحياء أخرى في المدينة التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية بعد استنفار قوات الشرطة، ودفع كتائب من الجيش إليها.
واتّخذ المجلس الأمني والسياسي المصغر "الكابينت" قراراً نصّ على هدم منازل منفّذي العمليات، وسحب حقوق التأمين الوطني، وامتيازات أخرى من عائلاتهم وأي عائلات داعمة للعمليات، ودفع سحب الجنسية قدماً من أفراد هذه العائلات، إلى جانب تسريع إجراءات استصدار رخص حمل السلاح للمدنيين، واتخاذ سلسلة خطوات لتعزيز الاستيطان.
وأغلقت السلطات الإسرائيلية فعلاً منزل عائلة الشاب خيري علقم (21 عاماً)، في مدينة القدس، وقامت بختم المنزل من خلال أدوات حديدية بهدف منع الدخول إليه، كما تقرّر توسيع دور الجيش الإسرائيلي في المنطقة المحيطة بالقدس.
جميع هذه الإجراءات العقابية التي اتخذها الاحتلال الإسرائيلي لن توقف العنف والهجمات ضدها، بل ستزيد من روح الانتقام، حيث إن عمليات هدم المنازل، والاعتقالات، والعقوبات الجماعية، وإطلاق يد القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تفتح دوائر جديدة تزيد من العنف؛ حيث يقود الدم إلى دم، ويمثل ذلك تصعيداً خطيراً يصعب معرفة نهايته.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعلن خلال اجتماع حكومته الأسبوعي، أنه قرر هدم بيت عائلة منفذ عملية إطلاق النار في "نفيه يعقوب"، بناءً على قرارات لمحاربة الإرهاب من جهة، وتدفع منفذي الإرهاب وداعميهم ثمناً من جهة ثانية… إسرائيل التي تتحدث عن محاربة الإرهاب هي صانعته وراعيته، من خلال ما تقوم به من عمليات إجرامية بحق الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم، حيث يرتفع عدد شهداء فلسطين باستمرار دون أي تحرك دولي لوقف هذه الجرائم، التي تنتهك أبسط حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة الذي نصت عليه كل القوانين والمواثيق الدولية.
السلطة الفلسطينية حذّرت من مزيد من التصعيد، حيث أعلنت وزارة الخارجية أن قرارات المجلس الوزاري المصغر للحكومة الإسرائيلية بفرض عقوبات جماعية عنصرية، تحرض على مزيد من التصعيد والعنف، وأن القرارات الإسرائيلية من شأنها أن تصبّ الزيت على النار، تمهيداً لتفجير ساحة الصراع برمتها، محمّلةً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن تصعيد عدوانها وانتهاكاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
واعتبرت حركة حماس أن قرارات حكومة الاحتلال ضد منفّذي العمليات في القدس، تعكس عجزها المتزايد في مواجهة الشباب الثائر في الميدان، مشيرة إلى أن هذه القرارات تمثل عقاباً جماعياً ضد أهلنا في القدس، وتعبّر عن عقلية عنصرية إرهابية، مشدداً على أن كل هذه الخطوات والأساليب لن تُوقف مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة ضد الاحتلال.
جاءت عملية القدس في ظل تظاهر آلاف الإسرائيليين يومياً، وللأسبوع الرابع على التوالي، لمطالبتها بالتنحي مبكراً، مقابل رفع شعار الدم بالدم، للإمعان المُتعمّد في قتل الفلسطينيين، وتنفيذ سياسة العقاب الجماعي بحق سكان القدس المحتلة، وإطلاق عنان عنصرية المستوطنين بإحراق المنازل والمركبات الفلسطينية، ما يجر المشهد نحو دائرة العنف والصدام الدموي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
يتعرّض المواطن الفلسطيني لحصار أرضه والنهب والاستيطان، كما أنه ضحية لقتلٍ ومجازر وتهجير واعتقال يومي، وأصبح رفض وتنديد دول العالم لسياسات الاحتلال لا يجني ثماراً، ولا يغير شيئاً لدى حكومة الاحتلال تجاه فلسطين، وبات مجرد شعاراً، فمن المهم أن ينتج هذا الرفض عملاً حقيقياً يخدم القضية الفلسطينية.
وعند النظر إلى العام السابق 2022، نجد أنه كان العام الأكثر دموية وعنفاً في فلسطين، حيث وصل عدد الشهداء إلى 230 شهيداً، بينهم 171 في الضفة الغربية، و53 من غزة، و6 من فلسطينيي 48، و9335 إصابة و6500 حالة اعتقال، و833 مبنى فلسطينياً هدمها الاحتلال في الضفة الغربية، بما فيها مناطق شرقي القدس، و793 هجوماً للمستوطنين.
كما أعادت أصوات الاشتباكات والقذائف والإسعافات إلى الأذهان معركة 2002 في مخيم جنين، حين ارتقى 52 شهيداً في أزقّة المخيم، عندما قام الاحتلال بتجريف واستهداف القنابل للمنازل، واستهداف مركبات المواطنين، وقلبها رأساً على عقب، كأنه نيسان الأسود.
إسرائيل لا تدرك أن كلفة قتل الفلسطينيين عالية، إذ رغم أنها تقتل منذ سبعين عاماً، وقتلت أعداداً كبيرة جداً من المدنيين بوسائل مختلفة، من القصف إلى الاغتيال وغير ذلك، وكان آخرها القتل العشوائي في مخيم جنين، فإنها لم ترتَحْ أمنياً سوى فتراتٍ قصيرة، ومع كل جريمة قتل إسرائيلية يتم الرد عليها.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من التصعيد، في ظل قرار "الكابينت" بزيادة عمليات هدم المنازل، والاعتقالات، والعقوبات الجماعية، وتسليح المستوطنين، وتكثيف الاستيطان، وتعزيز انتشار القوات الإسرائيلية في القدس المحتلة، وأنحاء الضفة الغربية، وإطلاق يدها ضد الفلسطينيين، ما سيفتح دوائر جديدة تؤجّج دوامة عنف الاحتلال الدموي بحق الفلسطينيين، وتطمس أي أفق سياسي للحل. على حكومة الاحتلال أن تدرك أن معادلة قتل الفلسطيني ليست سهلة، وسيُقابَل ذلك بالردّ، وعليها أن تراجع حساباتها في ارتكاب جرائمها بحق الفلسطينيين، وأن المقاومة مهما تعرضت لاعتداءات متكررة لن تنتهي، بل تظل تنمو أكثر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.