154 سنة عمل متواصلة، هي المدة اللازمة لمن يتقاضى الحد الأدنى للأجور في المغرب (2800 درهم)، ليُحصِّل ما يوازي ارتفاع ثروة ملياردير مغربي خلال سنة واحدة. تلك إحدى أخطر خلاصات بحث منظمة "أوكسفام المغرب" حول اللامساواة، وانعدام تكافؤ الفرص في عام 2019.
لا داعي لكتابة ملاحظة أن البحث قديم، لأننا ببساطة، وبشهادة المندوبة السامية للتخطيط، عدنا لعام 2014 من حيث معدلات الفقر والبطالة، فقد كانت سنة كورونا اليتيمة كفيلة بإجلاس 80% من القوى العاملة في بيوتها، وهدم ما كانوا يعدوننا به 6 عقود ونيِّف.
ما بين التعليم وسوق العمل
في تفاصيل بحث منظمة "أوكسفام المغرب"، 42.8% من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عاماً في بطالة دائمة، بينهم 2 مليون لم يسبق لهم الدراسة ولا العمل!
كارثة تعود بنسبة كبيرة لانهيار النظام التعليمي وعدم قدرته، ليس فقط على مواكبة متطلبات سوق الشغل، بل كذلك عدم القدرة على صناعة إنسان كفء متوازن يستطيع صناعة حياة وإدارتها.
التعليم المغربي يلتهم أكثر من 21% من حجم ميزانية الدولة، إلا أنه بدرجة أو بأخرى، مُفلس، حيث تمني المناهج حس التقليد والطاعة العمياء على حساب الفكر الحر والنقد والإبداع، وكذلك يشوبه الفساد؛ واسألوا عن الصفقات المليارية لأكاديميات التعليم، وعن آلاف المدرسين والأطر المتفرغين نقابياً، وعن ريع الفائض.. وما خفي أعظم.
والمحصلة النهائية، معدل التمدرس في المغرب 4.4 سنوات! أقل مرتين من باقي الدول العربية.
وحتى عام 2014 كان 41.9% من نساء المغرب أُمِّيات، مقابل 22.1% للرجال. وبينما قضى العراق على المشكلة نهائياً سنة 1986، لا تزال 60.4% من نساء عالمنا القروي غير قادرات على قراءة أو كتابة جملة مفيدة؛ حديث الجهات الحاكمة عن إنصاف المرأة وتمكينها لا يتجاوز تزييناً للواجهة، كما هو الشأن مع باقي المجالات.
صحة المغاربة
في الصحة، تُخصص الرباط إحدى أقل الميزانيات حول العالم 6% للقطاع بأكمله، فيما تنصح منظمة الصحة العالمية بحد أدنى 12%. نملك 7 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، عدد الأطباء في القطاع الخاص يفوق نظيره في العام؛ 13 ألفاً و622 طبيباً مقابل 12 ألفاً و454 طبيباً. الأسر المغربية تتحمل تكاليف العلاجات -بشكل مباشر- بنسبة 51%، نظير معدل 36% في دول الشرق الأوسط.
بخصوص شبكات الماء الصالح للشرب، وفي دولة تطمح لاستثمار 12000 مليار سنتيم من أموال الفوسفات في إنتاج "الطاقة الخضراء"، لا تزال 36 من المناطق القروية غير مرتبطة بشبكات المياه الرئيسية، منها 60% في جهة "طنجة- تطوان- الحسيمة"، الممتلكة لميناء طنجة المتوسط الضخم، وشركات السيارات والطائرات، وغيرها، ما يبرهن أن من يخططون للتنمية لا يقطنون معنا.
فيما يخص جودة مياه الشرب لسنة 2022، نحتل المركز الـ12 عربياً والـ107 عالمياً، حسب مؤشر "وورلد بيليوشن ريفيو".
عنصرية الضرائب
نأتي لآخر معالم عدم المساواة وغياب العدل في بلدنا: الضرائب.
نظام غير عادل وغير فعّال، رغم مساهمته في أكثر من ربع الناتج المحلي. الضريبة عندنا طريقة لتمويل رواتب موظفي القطاع العام، وإهدار مال الشعب على مشاريع عملاقة دون مردود اقتصادي حقيقي، أكثر من كونها أداة رئيسية لإعادة توزيع الثروة بين الغني والمحروم.
80% من الشركات لا تدفع ضرائب لادعائها تسجيل عجز دائم، أكثر من 70% من الضرائب المباشرة تأتي من جيوب الموظفين والمستخدمين، 30% من الضرائب تأتي من ضريبة القيمة المضافة؛ غير عادلة يدفعها المعدوم كما الملياردير، العامل النشيط كما الجنين الكامن والميت الجثة!
ضريبة المغرب "عنصرية"! فهي منعدمة في المناطق التي تُخرَج عيناها (الصحراء)، مُبالغ فيها في الأوساط الأكثر مواطنة (باقي أرجاء الوطن). تتسارع كالبُراق في الأشطر الصغيرة من الدخل، وتتباطأ كالسلحفاة عند الاقتراب من رواتب الموظفين الكبار، لتنعدم عند الوصول لأصحاب المليارات والحيتان الكبيرة.
ورغم اعتراف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بوجود 225 ألف شركة وهمية تبيع الفواتير للتنصل من الدفع، فإن التهرب والاحتيال الضريبيين في بلادي غير مجرمين بالحبس!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.