استرضاء الديكتاتور.. لماذا لم يدرج الاتحاد الأوروبي “الحرس الثوري” على قوائم الإرهاب؟

تم النشر: 2023/01/30 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/30 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي مع عناصر من "الحرس الثوري" - رويترز

مع استمرار تعرض الدكتاتورية الدينية الحاكمة المتسلطة على إيران للهزات، يحاول الغربيون فرض نوع آخر من الدكتاتورية على الشعب الإيراني!

لم يتوقف بُناة وأنصار سياسة الاسترضاء في الاتحاد الأوروبي عند هذا الحد، ففي إجراء مشين منعوا تصنيف الحرس الثوري الإيراني ككيان إرهابي في قائمة الإرهاب لهذا الاتحاد، الأمر الذي يتعارض مع رغبات الغالبية العظمى من النواب ممثلي الشعب في البرلمان الأوروبي، وقد شهدنا قبل ذلك أيضاً تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التي قالت: "الإيرانيون يريدون إصلاحات(!)"، وليس إسقاط الدكتاتورية الحاكمة، في إشارة إلى الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني!

في ثقافة المهادنين "النفعية" بديل جيد عن "الشرف" و"العدالة" و"حقوق الإنسان"، ولهذا السبب يغضون البصر  بسهولة عن جرائم "الإرهاب"، ولا يرون أن الحرس الثوري لدكتاتورية ولاية الفقيه الحاكم المسلط على إيران يستحق أن يصنف "إرهابياً"!

وواضحٌ للجميع أن سياسة "استرضاء الدكتاتور" ضارة جداً ومقيتة ومناهضة للحضارة الإنسانية والمجتمع البشري، ذلك لأنها بالتنسيق والتعاون مع الدكتاتورية تحاول منع المجتمع البشري من التحرك نحو التطور والرقي والتقدم، وإن معارضة الاتحاد الأوروبي ومنع تصنيف الحرس الثوري الإيراني كإرهابي هو مهادنة مع دكتاتورية تفتقر إلى الشرعية الشعبية، وأغرقت الأرض الإيرانية بأكملها (بالإضافة إلى العديد من دول المنطقة والعالم) بدماء شعبها على يد هذا الكيان  الإرهابي نفسه، ولم يكن من فراغٍ أو من قبيل الصدفة أن تُعرف الدكتاتورية الدينية الحاكمة المُسلطة على إيران في المجتمع الدولي بـ"أكبر بنك للإرهاب في العالم"، ومن أهم عوامل انعدام الأمن في المنطقة والعالم.

إن منع تصنيف وإدراج الحرس الثوري في قائمة الإرهاب من قبل الاتحاد الأوروبي لا يعد أمراً مقززاً للشعب الإيراني فحسب، بل إنه يتعارض مع العملية الحضارية والإنسانية للرأي العام لشعوب العالم والشعب الأوروبي على وجه الخصوص، وسيجعل الدكتاتورية الدينية الحاكمة لإيران أكثر وحشية وعنفاً وأكثر تعطشاً للدماء، ويُظهر هذا الإجراء بأن الدعم اللفظي للحكومات الأوروبية لانتفاضة الشعب الإيراني ضد الدكتاتورية ما هو إلا "مخادعة للعوام"، وأن وقوفهم إلى جانب الشعب الإيراني "صوري وشكلي"، وأن كون إخضاع قرار تصنيف الحرس الثوري كإرهابي منوطاً بالمحكمة؛ لأمرٌ "مثير للاشمئزاز" وغير سديد، ذلك لأنه في العديد من الحالات الأخرى قام هذا الاتحاد وهذه الحكومات بالتصنيفات ذاتها ضد "المعارضة الإيرانية" دون اللجوء إلى المحكمة ودون أدنى مبرر، وبالمناسبة، كانت المحاكم الأوروبية والغربية هي التي اختارت العدالة ضد الاسترضاء والمساومة، وأجبرت حكومات الاسترضاء على ذلك فقامت بإلغاء تصنيف المعارضة الإيرانية!

وما يزيد هنا من العار وأبعاده في هذا الإجراء الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي أنه يأتي بـ"التزامن العكسي" مع انتفاضة الشعب من أجل الإطاحة بالدكتاتورية الدينية المتحكمة المُسلطة على إيران، وبـ"التزامن المتماشي" مع المشروع الاستعماري الرجعي لإنقاذ دكتاتورية ولاية الفقيه، في حين أن الشعب المنتفض داخل إيران لم ولن يقبل بأقل من الإطاحة بالدكتاتور، وفي خارج إيران أيضاً لن ينخدعوا ولن يقبلوا بـ"الدعم اللفظي" و"الإدانة غير العملية والصورية للدكتاتور" و"العقوبات المقطرة"، ولن يقبلوا بأقل من التصنيف والحل والإبادة التامة للحرس الثوري بأكمله، ووزارة المخابرات سيئة السمعة والصيت، ونظام الولاية سفاك الدماء!

تثبت تجارب الشعب هذه الحقيقة عبر التاريخ.. تثبت أن الشعب سوف ينتصر على الدكتاتورية، وأن الدكتاتوريين سيُلقى بهم في مزابل التاريخ، وأن مصير الأشخاص والتيارات القائمة على المهادنة والاسترضاء وكانت في خدمة الدكتاتورية سيكون مصيراً مؤلماً للغاية! وأن الاستنتاج الأول من إجراء الاتحاد الأوروبي ليس سوى أن المهادنين يخافون من الثورة والتحول في إيران، ذلك لأنهم يبحثون عن مصالحهم في ظل بقاء الدكتاتورية ويرون موت سياستهم المشينة في إشراق واستقرار الحرية والديمقراطية.

يؤمن أهل الوعي السياسي ودوائر الخبراء المتعلقة بإيران أن مجموعة واسعة من المجتمع الدولي ارتكازاً على السجل الأسود لدكتاتورية الملالي على جانبي حدود إيران تريد تصنيف وحل الحرس الثوري، وقد صرحت السيدة مريم رجوي في هذا الصدد قائلة: "لم تكن أقل الجرائم ولا أكبرها هناك في إيران، ولم يكن الحرس الثوري مصدرها، ولم يكن هناك ترويج وتحريض على الحروب والجرائم الإرهابية الكبرى في المنطقة، ولم يكن الحرس الثوري العامل الأساسي المباشر أو المساند لها".

تريد الدكتاتورية الحاكمة في إيران التلميح إلى أنه لا يوجد "بديل ديمقراطي" في مواجهتها، وأن "إسقاطها" بمثابة العودة إلى "الدكتاتورية السابقة" أو "الفوضى".

لكن وقائع المشهد ترفض هذه الحيلة الفاضحة للدكتاتورية بشدة، وإن وحدة الشعب وتصميمه وعزمه على التغيير في إيران على الرغم من استمرار العنف والقهر ومضي عدة أشهر على استمرار انتفاضته الجارية حتى الإطاحة بالدكتاتورية لهي خير دليل على حقيقة أن هذه الانتفاضة قائمة من أجل إسقاط الدكتاتور، ولها قيادة منظمة وهادفة وواضحة، وأن المهادنين الغربيين يحاولون بلا هوادة إغاثة الدكتاتورية المتحكمة المتسلطة على إيران.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن مهابادي
كاتب ومحلل سياسي إيراني
تحميل المزيد