صراع الأدمغة؛ حرب جديدة تُعد هي الأخطر من الناحية الأمنية؛ حيث تُدار بواسطة العقول البشرية بدرجة قد تتفوق فيها على القوة العسكرية، فهو صراع غير ملموس يُدار من خلف الظلال، ويعتمد نجاح تلك الحرب بناءً على الصبر وسياسة النفَس الطويل، إلى جانب توفر عُنصرَي السريّة والمفاجأة، بُغية الوصول إلى الأهداف المرجوّ تحقيقها.
صراع الأدمغة.. معركة وجود
يعيش الفلسطينيون حالة استثنائية في معركة صراع الأدمغة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي؛ حيث استطاعت من خلالها إفشال العديد من المخططات والعمليات الاستخباراتية التي تقوم بها الاستخبارات الإسرائيلية وأجهزة الأمن، في محاولات عديدة منها للنيل من المقاومة الفلسطينية ومنظومتها العسكرية والأمنية.
في إطار حربها مع إسرائيل، تمكنت كتائب القسام، الجناح المسلحة لحركة حماس، من السيطرة على طائرة إسرائيلية مُسيرة، وأعلنت أنها تعمل على تحليل المعلومات الحساسة والمهمة التي تتعلق بالجيش الإسرائيلي لمعرفة ما يخطط له، وهو ما يضع المقاومة الفلسطينية في تطور مستمر مع المعركة الأهم؛ وهي معركة صراع المعلومة، والمعلومة في وقت الحرب تُعد عصب المعركة، فقد سجل "القسام" نقطة نصر جديدة من خلال سيطرته على المُسيرة، وتفريغ وتحليل المعلومات التي تتضمنها.
براعة ونجاح المقاومة في صراع الأدمغة
تعمل المقاومة الفلسطينية جاهدةً من أجل الحصول على معلومات وأسرار تُمكنها من معرفة الطرق والأساليب والمهام الخاصة بوحدات الاستخبارات الإسرائيلية، إذ إنها استطاعت اختراق هواتف لضباط وجنود إسرائيليين وجنَّدت العديد منهم وأسقطتهم؛ بهدف الحصول على الكثير من البيانات والمعلومات الإسرائيلية.
إضافةً إلى ذلك، عَملت على اختراق قنوات فضائية إسرائيلية، ومنها القناتان العاشرة والثانية، وبثت من خلالها رسائل تحذيرية شديدة اللهجة لقيادة وأركان العدو الإسرائيلي.
إلى جانب ذلك، استطاعت الوصول إلى العديد من المواقع العسكرية والكاميرات وتسجيلات أجهزة المراقبة الخاصة بالعدو، كما أنها تمكنت من نشر الذعر وإثارة الفزع والبلبلة داخل المجتمع الإسرائيلي.
جميع المهارات والقُدرات آنفة الذكر أثرت بشكل كبير على الاحتلال، وهزت صورته، في المقابل أثبتت قوة وقدرة وبراعة المقاومة الفلسطينية على إدارتها لـ "صراع الأدمغة" مع العدو الإسرائيلي والوصول للكثير من المعلومات والحقائق المتعلقة به.
فشل إسرائيل في صراع الأدمغة
مما يُؤكد قدرة المقاومة الفلسطينية التأثير على الاحتلال الإسرائيلي في صراع الأدمغة؛ قيامه بهجمات إلكترونية ضد مواقع المقاومة الإلكترونية في محاولات بائسة منه في تحقيق ذلك، وبالرغم من تلك الهجمات التي تشنها إسرائيل بين الفينة والأخرى، فإنه يفشل في كل مرة بسبب يقظة رجال المقاومة وتصديهم لمحاولات الاختراق، وكشف جرائمه وإبطال مخططاته التي يُحيكها ضد الشعب الفلسطيني.
فما زالت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، تخوض "حرب السايبر"، وهي الهجمات مجهولة المصدر مع الاحتلال الإسرائيلي، ففي الوقت الذي شهدت فيه وحدات السايبر تطوراً نوعياً غير مسبوق لدى المقاومة في مجابهة حرب السايبر الإلكترونية المفتوحة مع إسرائيل.
إضافةً إلى ذلك، فإن المقاومة تسعى إلى تطوير قدراتها في مجال الدفاع الجوي والاتصالات السلكية "الآمنة"، مُلحقة الضرر بأنظمته الإلكترونية والرقمية الإسرائيلية، التي يسعى الاحتلال من خلالها تسويق روايته المزعومة والتغطية على الجرائم التي يرتكبها بحق الفلسطينيين محلياً وعالمياً.
وفي إطار فشل العدو؛ كانت كتائب القسام قد تمكنت من إحباط عملية استخباراتية لوحدة "سيرت ميتكال" الإسرائيلية التي كانت تعمل على زراعة منظومة تجسس للتنصت على شبكة اتصالات المقاومة شرق مدينة خانيونس والقضاء على قائد الوحدة، وذلك في نوفمبر 2018م.
خلاصة القول أن المقاومة الفلسطينية قد تفوقت على الاحتلال الإسرائيلي في "صراع الأدمغة"؛ إذ إنها أخذت على عاتقها تطوير إمكانياتها وتكثيف التدريب وتطوير العقول البشرية لعناصرها في هذا المجال، بحيث أصبح ذلك من أهم أولوياتها الاستراتيجية؛ لأن تطوير هذه التكنولوجيا يُمكِّنها من الحصول على كم كبير من المعلومات المهمة والثمينة عن الاحتلال الإسرائيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.