منذ وقوع الحكومة الإسرائيلية تحت قبضة اليمين المتطرف، ركّز المراقبون والمحللون على قضية صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف، وانعكاسه على القضية الفلسطينية، الأمر الذي لا أعتقد أنه يحتاج الكثير من الجهد التحليلي، حيث إن مشروع هذا الائتلاف اليميني واضح وضوح الشمس، ويتركز على اغتصاب مزيد من الأراضي الفلسطينية، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وتهويد القدس وقرصنة الأموال الفلسطينية، والتنكيل بالأسيرات والأسرى، واقتلاع ما أمكن اقتلاعه من شجر وبشر وحجر، وكل ما هو فلسطيني في المعمورة.
ومع خروج أصوات معارضة داخل البيت الإسرائيلي، ولتصدير أزمتها الداخلية إلى الخارج، ازدادت الحكومة الإسرائيلية بطشاً تجاه الفلسطينيين، حتى نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بشعة بحق تسعة فلسطينيين، من بينهم امرأة مسنّة، خلال عملية اقتحام موسعة لمخيم جنين، يوم الخميس، 26 يناير 2023، امتدت أكثر من 4 ساعات.
ورداً على هذه الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في جنين، أصدرت القيادة الفلسطينية جملةً من القرارات، تمثّلت في وقف التنسيق الأمني، والتوجه الفوري لمجلس الأمن الدولي، لتنفيذ قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تحت الفصل السابع، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، واستكمال الانضمام إلى المنظمات الدولية، والتوجه بشكل عاجل لمحكمة الجنايات الدولية، لإضافة ملف مجزرة جنين إلى ملفاتها، ودعوة جميع القُوى الفلسطينية لاجتماع طارئ، للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، ووحدة الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له.
وبلا شك، فإن القرارات التي صدرت عن القيادة الفلسطينية مهمة للغاية، وتؤذِن بمرحلة جديدة من الصراع، وتوفر بيئة من شأنها توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية. ويمكن القول إن قرارات القيادة الفلسطينية مفادها أنه لم تعد هناك خيارات أخرى متاحة، ولا أفق سياسي، ولم تعد هناك تداعيات أو خسائر إلا وقد تكبدها الشعب الفلسطيني، وأن الأوان قد حان من أجل تغيير هذه المعادلة.
ويمكن اعتبار هذه القرارات بمثابة رسالة لكل فلسطيني وعربي ومسلم للتقدّم نحو هدفه المعلوم، والمتمثّل في العمل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وفي المقابل هي أوراق ضغط على المجتمع الدولي ليحسم أمره، ويترجم بياناته إلى خطوات وإجراءات عملية ضد "إسرائيل"، فلا سبيل لسلام أو استقرار في العالم بدون حل عادل للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
أعادت معركة الكرامة عام 1968 للأمة كرامتها، بعد نكسة يونيو 1967. ومع مساء اليوم التالي لمجزرة مخيم جنين، خرج ابن القدس البطل خيري علقم لينفذ عملية فدائية نوعية في قلب العاصمة المحتلة، ليعيد لنا كرامتنا بعد مجازر وإعدامات ميدانية وأيام وشهور وسنين من الحملات القمعية والهجمات الاحتلالية الدامية في كل ربوع الوطن، وليؤكد أنه كلّما ازداد المحتل تطرّفاً ازداد الفلسطيني إيماناً وتشبّثاً بحقّه وحريته، وأن سياسة اليمين المتطرّف ستضع الحكومة والكيان الإسرائيلي برمّته على فوّهة البركان.
تأتي عملية القدس الفدائية ليعلم الجميع أن التاريخ يعيد نفسه، وأن طائر الفينيق يخرج من تحت الرماد، فالتاريخ كُتب بحروفٍ من ذهب لتتعلمه الأجيال القادمة. وها هو الشهيد البطل خيري علقم يكتب بدمه الطاهر فصلاً جديداً من النضال الفلسطيني ضد المحتل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.