أفجعنا ما شهدناه صباح الخميس، 26 يناير/كانون الثاني في مدينة جنين، حيث بعد ارتقاء 9 فلسطينيين، بينهم سيدة مسنة، وإصابة 20 آخرين، من بينهم 4 بجراح حرجة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها جنين، وما آلمنا أن نرى من بين الضحايا عائلة واحدة تفقد 3 من أبنائها، ويعتصر القلب ألما عندما ترى أنه لا معين، فلا دولة إسلامية أو عربية تتحرك سوى الإدانات ومواقف الشجب المعتادة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لذلك جال بخاطري! لماذا جنين؟ سؤال ظاهر إجابته علامة استفهام، وباطن إجابته عميق! عميق لكنه مفرح ويرفع الرأس، والسؤال: كيف؟
أما كيف؟ فعندما نعلم أن "جنين" تدافع عن شرف أمة، وأن جنين تأبى الاستسلام، وأن جنين التي تقع عند تلال جبل النار قد أخذت حظاً منه لتظل تحرق عدونا، وتنسف أحلامه، فكلما ظن أنّ خططه قد آتت أُكلها، خرجت عليه جنين فدمرت أحلامه.
لماذا "جنين" هي البلدة المصطفاة: أرضاً وشعباً، والجرح النازف: فطريق النور لا يكون إلا بالدم والمهج.
– جنين: هي التي ضحّت (عام 1799م) وحرقت بساتين الزيتون التي يقتاتون منها؛ بُغية وقف زحف القوات الفرنسية على أراضيهم بقيادة نابليون بونابرت، فأتى الرد الفرنسي على مقاومة جنين بحرق المدينة ونهبها.
– جنين هي التي لم تستسلم للاحتلال البريطاني (عام 1918م).
– جنين هي التي سبقت ونظمت واحتضنت أول مقاومة للاحتلال الإنجليزي (عام 1935م) بقيادة عز الدين القسام.
– جنين هي التي قتلت القادة البريطانيين وأصابت أكابدهم (عام 1938).
– جنين هي التي استطاعت أن تصد العدو الصهيوني وتتخلص من احتلاله (عام 1948م).
– جنين هي التي عضت على جروحها وآوت إخوتها من مهجري الحرب (عام 1948م).
– جنين هي التي ظلت عصيّة على الاحتلال الصهيوني، ولم يهنأ معها يوماً واحداً لتستمر عصيّة مقاومة، منذ (عام 1967م) وحتى يومنا هذا.
– جنين هي التي كبَّدت الاحتلال وتمنى جيشه أنه لو لم يكن موجوداً، (عام 2002م) أثناء حملة السور الواقي الذي لم يقيهم من ضربات جنين.
– جنين هي التي مرّغت أنف رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز، بنصبها الكمائن المفخخة في أزقة مخيمها حتى قتلت (13 من جنوده)، ناهيك عن الإصابات.
– جنين هي التي لم تستسلم لحصار خانق بلا مياه وبلا كهرباء استمر لأيام مع قصف كثيف من الدبابات والطائرات، حتى ذاق الاحتلال المرّ، وقُتل من جنوده (50) ناهيك عن الإصابات في صفوفه.
واليوم تسطر جنين من جديد البطولات وتضرب أروع الأمثال، وتعلن للقاصي والداني أنها الأوفى على الإطلاق، ولا عجب!، نعم لا عجب عندما تعلم أن جنين مصطفاه من الجبار لتكون قلب المقاومة، ولتكون الشوكة في حلق الاحتلال.
نعم لا عجب عندما تعلم أن رجالها مصطفون وأهلها مصطفون، وصدق الله إذ قال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ} [الشورى: 13].
نعم لا عجب يوم تعلم أن أرض جنين اصطفاها الله لتَقِلَّ أطهر من على ظهر الأرض، كما قال نبينا: "عليك بالشامِ فإنها خِيرةُ اللهِ من أرضِه، يجتبي إليها خيرتَه من عباده" [أبو داود].
نعم لا عجب أن تُصَنَّف جنين أنها من جنود الله، الذين قال عنهم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31].
هنيئاً لكِ يا جنين، هنيئاً لكم أهل جنين، هنيئاً لنا بكواكب الشهداء، الذين يقربون لنا مسافات النصر، فيصبح قاب قوسين أو أدنى. {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء: 51]
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.