نُحِب يناير ونُحِب من يُحِب يناير

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/26 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/26 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
ثورة 25 يناير

عام مر مُنذ بدأت الكتابة في "عربي بوست"، هذا المنبر الذي أتاح لي تدوين تجاربي منذ بدء انخراطي في العمل السياسي كأحد أعضاء حركة شباب 6 أبريل، والتي ساهمت بشكل فعّال في تحريك كرة الثلج، لنرى حدثاً فريداً مُتمثلاً في مئات الآلاف من الجماهير المُحتشدة في الشوارع والميادين سعياً للحرية، وأصبحت صورة ميدان التحرير أيقونة للباحثين عن الحُرية ضد الحكومات الاستبدادية.

كنتُ قد استهللت تدويناتي على "عربي بوست" بكتابة أول مقال لي في الذكرى الحادية عشرة لثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011، سارداً فيه تجربتي الشخصية في دعوة وحشد الجماهير للنزول، وأماكن التجمع والتحركات، والكوردونات الأمنية والهتاف والمسيرات والهراوات وقنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي والفض والكر والفر والاعتقالات وميكروباصات ومُدرعات الأجهزة الأمنية والمخبرين والبلطجية والجِمال والأحْصِنَة والمنجنيق والطوب والهتاف في الحواري الشعبية، ووصل الليل بالنهار والعناق والدموع والفرح والألم، والورد اللي فتح في جناين مصر، الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل خلاصنا وتحريرنا، وكانت أرواحهم ملاكنا الحارس في ميدان التحرير، ودماء الشهداء التي رويت أرضه، فجعلته أرضاً مُقدسة لنا، أرضاً نحبها ونحب من يُحبها.

شهر يناير الذي أنزلت فيه الثورة، هُدى وحُرية ونوراً للحالمين بالحُرية والمؤمنين بالتحرير. نكتب دائماً إحياءً لذكراها، حتى وإن تعرضنا للهزيمة، فتذكيرنا لثورة يناير يخلق كابوساً يؤرق أعينَهم وقلوبهم، ويصمّ آذانهم الهتاف الأثير: "الشعب يُريد إسقاط النظام"، ضد فسادهم وجرائمهم وقلتهم المُندسة. فهي تذكرة لمن يسعى لتحرير قيده، وتذكرة لنا ولهم بأننا لن ننسى. ففي دولة تشيلي، ما زال الآلاف يتظاهرون سنوياً بدعوة من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تذكيراً بجرائم انقلاب بينوشيه، الذي دام لسبعة عشر عاماً (1973-1990)، شعارهم: "لن ننسى أحداً، ولن ننسى شيئاً".

في الذكرى الثانية من الثورة، قام الزميل الصحفي المُبدع الراحل محمد أبو الغيط، الذي رحل وتركنا، بعد صراعه مع السرطان، بتأريخ وتوثيق خريطة التظاهرات والتحركات ليوم 25 يناير في مقال بجريدة الشروق بتاريخ 24 يناير 2013، والذي كان المنوط برسم خطة التظاهرات الزميل محمود سامي، مسؤول العمل الجماهيري بحركة شباب 6 أبريل آنذاك. كانت الخرائط إعلاناً للاستقلال، كما أطلق عليها الزميل وليد شوقي، الذي نال حُريته مؤخراً.

"ذهب محمود مع رفيقه وليد شوقي للمبيت في 6 أكتوبر، خوفاً من اعتقالهما من المنزل. أمسك وليد إحدى الخرائط وكتب عليها بالإنجليزية -إعلان الاستقلال The Declaration of Independence".

لا أريد أن أبدوا وكأنني أبكي على الفردوس المفقود. نعم يناير في هزيمة لأسبابٍ عدة أبرزها الشقاق والبندقية والمدرعة، ولكنها كسرت شوكة نظام استبد لعقود، وبعثت وأحيت الأمل في نفوس الجماهير، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق استدامة التحرير والحرية، ولكن اتحدت ركائز الثورة المُضادة وتكالبت على هزيمتها، وتسببت في جراح لا تضمدها السنين.

تأتي الذكرى كل عام، ويتحرك رأس السلطة وأبواقه الإعلامية في الانقضاض على ثورة يناير وشيطنتها، وأنها كانت سبباً للخراب والبلوى، وتحميل يناير فاتورة خطايا النظام الاقتصادية في حق الشعب، فكل شيء يتحمله يناير، من زيادة الدين الخارجي ووقوعنا فريسة لصندوق النقد الدولي، وغلاء أسعار الوقود، والسلع الغذائية، وانهيار قيمة الجنيه المصري، واستفحال الفساد، وسيادة الفقر، وازدياد معدلات البطالة، وارتفاع معدلات التضخم، وانهيار التعليم والصحة. 

يدافعون عن فشلهم بالهجوم على ثورة يناير، فكيف لشعب أن يُطالب بحُريته واستقلاله؟ يستنكرون علينا السعي لحريتنا، فهم يعلمون علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين أن الحُرية تهديد لمصالحهم وتضخم ثرواتهم ومقاومة لاستبدادهم وايقاف لتفريطهم في الأرض وموارد ومقدرات هذا الوطن.

هم يُدركون مدى خطورة إحياء الأمل والمشروع، يُدركون أنه إن وُجد الأمل اقتربت صفحتهم من الانتهاء، لذا لا يتهاونون معنا، فكما قال عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد "والإنسان يقرب من الكمال في نسبة ابتعاده عن الخوف.. ولا وسيلة لتخفيف الخوف أو نفيه غير العلم بحقيقة المخيف منه.. وهكذا إذا زاد علم أفراد الرعية بأن المستبدَّ امرؤ عاجز مثلهم زال الخوف منه وتقاضَوه حقوقهم". هجوهم الضاري على ثورة يناير وعلى أي صوت ساعٍ للحُرية يوضّح مدى قوة الفكرة في خلق الأمل، فكانت يناير فكرة خلقت الأمل في الحُرية، فكان لزاماً عليهم القضاء عليها، وكان لزاماً علينا الحفاظ عليها.

"لا ينجح الخوف، مادام وُجد الأمل"

"الأمل.. إنه الشيء الوحيد الأقوى من الخوف. القليل من الأمل يكون مؤثراً، ولكن الكثير من الأمل يُعد خطراً" – الرئيس سنو، رأس الكابيتول في حكومة بانام سلسلة أفلام مباريات الجوع.

يناير يمثل لنا الأمل الذي يمثل الخطر لهم، فلنُذكِّر به ليكون سبيلاً وباباً للحُرية، ليس استنساخاً لأحداثٍ، ولكن إحياءً للأمل، فالأفكار مُضادة للرصاص. 

في ذكري يناير، الحُرية لكل زميل مُعتقل، والسلام على كُلّ زميل مُغرب، والرحمة والنور على روح كل شهيد، والأمل والحُرية والخلاص لهذا الوطن.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زين الناجي
ناشط سياسي مصري
تحميل المزيد