تحل علينا هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، التي انطلقت بمظاهرات شعبية منددة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، واحتجاجاً على فساد منظومة الحكم، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وانهيار منظومة القيم، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع مكانة مصر على جميع المستويات، ومواقف النظام الحاكم السلبية تجاه فلسطين.
لقد أسفرت ثورة يناير/كانون الثاني عن العديد من النتائج على الصعيد المصري الداخلي، وفي الوقت ذاته عن دعم وإسناد مصر للقضية الفلسطينية، من خلال قيادة تعبر عن إرادة الشعب وثورته، وقد تجلى ذلك بخروج المظاهرات الداعمة والمناصرة لفلسطين والقدس، كما تفاعل الشعب المصري مع انتفاضات الشعب الفلسطيني، وندد بالحروب الإسرائيلية على غزة.
مشاركة المقاومة الفلسطينية في حرب أكتوبر 1973
أعادت ثورة يناير تذكير الأمة العربية جمعاء بالدور التاريخي للشعب المصري الذي كان في مقدمة الشعوب المدافعة عن فلسطين منذ بدء نكبة 1948، كما اعتدى الاحتلال الصهيوني على مصر عام 1956 بسبب احتضانها للثورة الفلسطينية، ودعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، وحين خاضت مصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، دعمت المقاومة الفلسطينية الجيش المصري من خلال تنفيذ عمليات فدائية كبيرة ضد جيش الاحتلال في العديد من الجبهات الحربية والقتالية.
لم يكن سراً منذ اللحظات الأولى لاندلاع ثورة يناير/كانون الثاني، أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة فيها من خلال خروج مليونيات داعمة للقدس، ومناصرة للقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، وحملت شعارات "الشعب يريد تحرير فلسطين"، وخروج مظاهرات رافضة للحروب الإسرائيلية على غزة، وصولاً لاقتحام المتظاهرين المصريين لمقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
كما شكلت ثورة يناير/كانون الثاني عاملاً مساعداً في إنجاز صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال، ونجح الوسيط المصري في التوصل لاتفاق تم بموجبه الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من سجون الاحتلال.
تسهيل إجراءات عبور الفلسطينيين لمصر
في الوقت ذاته، أسهمت ثورة يناير/كانون الثاني في تسهيل سفر الفلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح، وسمحت بدخول الوفود الرسمية والشعبية العربية والإسلامية والعالمية لقطاع غزة، وغضّت الطرف عن نقل السلاح للمقاومة.
ليس ذلك فحسب، بل إن مصر وقفت موقفاً متميزاً تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة في 2012، بداية من محاولة وقفه، مروراً بسحب السفير المصري من تل أبيب، واستدعاء سفير الاحتلال للخارجية المصرية، وفتح معبر رفح على مدار الساعة، وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، وتكليف الرئيس الراحل محمد مرسي لرئيس وزرائه بتشكيل فريق وزاري كبير لزيارة غزة، والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، وتلبية احتياجاته الإنسانية.
ثورة يناير والتضامن العربي مع فلسطين
لقد مثّل الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة 2012 علامة فارقة على مستوى التدخل العربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني ووقف العدوان عليه.
في المقابل، فقد شكل موقف الاحتلال الإسرائيلي من الثورة المصرية مؤشراً مهماً على خشيته من أثرها الإيجابي على القضية الفلسطينية، وقد مثّلت خسارة له لحليف مهم، وقيام نظام جديد يثير المخاوف، بما يعزز من قوى المقاومة.
كما تأثرت العلاقات الإسرائيلية المصرية سلباً بعد اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني بكل أشكالها: السياسية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، وتعاملت قيادات الاحتلال بتخبّط حيال الثورة المصرية، ونتائجها، خشية انهيار الأنظمة الموالية له في المنطقة، ما يعني انهيار عمقه الإقليمي، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على القضية الفلسطينية، في ضوء ارتباط مصر بقضية فلسطين عضوياً وتاريخياً وجغرافياً.
الخلاصة اليوم، أن مرور 12 عاماً على اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني، يتزامن مع ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مخاطر جمة، على رأسها وجود حكومة إسرائيلية متطرفة تهدف لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتهويد القدس، وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وتهجير الشعب الفلسطيني من الأراضي المحتلة عام 1948.
إن هذا الواقع، وإحياء هذه الذكرى السنوية لثورة يناير/كانون الثاني تدفع الشعب الفلسطيني لأن يأمل بدور مصري ريادي داعم له في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية والعسكرية، ورفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات إليها، ودعم صمود أهلنا في القدس، وإسناد المقاومة، فضلاً عن دعم القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية، وهو ما يمثل الدور التاريخي لفلسطين الذي يأمله المصريون والفلسطينيون معاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.