منذ 551 يوماً انقلب "قيس سعيد" على إرادة الشعب التونسي بحل البرلمان المنتخب ديمقراطياً، ولم يكتفِ بذلك، بل كان سبباً في إغلاق أول متحف للفسيفساء في العالم، متحف "باردو"، بالإضافة لكونه أقدم مبنى للبرلمانات العربية، ليحاصر ثورة الشعب التونسي التي كانت نقطة الضوء الملهمة لربيع العرب المتجدد.
هذه ذكرى أليمة في تاريخ تونس، ولعموم الشعب التونسي العظيم، فقبل 551 يوماً، وفي الليلة الفاصلة بين 25 و26 يوليو/تموز 2021، بالمكتب الرئاسي بقصر قرطاج بالعاصمة التونسية، أقدم السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية، في اجتماع بث مسجلاً على شاشات التلفزيون المحلي، وبحضور أعضاء مجلس الأمن القومي وقياداته العسكرية، والأمنية العليا، على حل الحكومة المنتخبة وتعليق أعمال مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، للمدة النيابية الحالية 2019-2024.
فقد ألغى السيد قيس سعيد الولاية البرلمانية، ورفع الحصانة عن السيدات والسادة النواب، حيث أجمع كبار القانون الدستوري على أن هذا الإجراء انقلاب على الدستور، وتوسع شديد ومخل في استعمال الفصل الـ80 من الدستور التونسي، الذي لا يسمح صراحةً بحل الحكومة، أو مجلس نواب الشعب، خلال فترة الإجراءات الاستثنائية.
فما بين ذلك اليوم المشؤوم وتاريخ كتابة هذا المقال 551 يوماً، مرت خلالها أمواج كثيرة في بحر الأزمة التونسية المتصاعدة على جميع الأصعدة الدستورية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، وتعددت الانتهاكات الخطيرة والجسيمة، ضد النواب والمعارضين والناشطين في المجتمع المدني، حيث تنزلق تونس بخطى حثيثة نحو البئر العميقة للاستبداد العربي.
وككل المعارك هناك ضحايا، وأبرياء، وشائعات، وأساطير، ومتضررون من النيران الصديقة، لأن انقلاب قيس سعيد كان استثنائياً وسريالياً، بأتم معنى للكلمة، في طبيعة ورمزية ضحاياه.
وقد كان متحف "باردو" أحد أبرز ضحاياه. "باردو" هو المتحف الوطني لتونس، تم تأسيسه عام 1888، ويعد أول متحف للفسيفساء في العالم، ووجهة السياح الأولى في بلد يستقبل ما يناهز 5 ملايين سائح سنوياً، حيث يشترك مجلس النواب التونسي، ومتحف "باردو" في نفس المدخل الرئيسي، المغلق بدبابة منذ 25 يوليو/تموز 2021، رغم مرور 18 شهراً على إغلاق المتحف، والنداءات الوطنية والدولية لفتح المتحف، لعمل بوابة أخرى لزواره، وإنقاذ القطع الأثرية من النسيان، وإنقاذ موظفيه وخبرائه من الضياع، إلا أن حب الرئيس قيس سعيّد للعلو الشاهق في التاريخ منعه من الإفراج عن أول متحف للفسيفساء في العالم، من الاحتجاز أو "الإغلاق القسري" بصفة أدق.
لمجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية فضاءات متعددة لأعماله، لعل أهمها وأبرزها قصر "باردو"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1574 ميلادياً. ولا شك أن هذه التحفة المعمارية والإرث الحضاري للأمة التونسية والعالمية يحتاج إلى التعهد والصيانة الدائمة من قبل موظفيه المؤهلين، إلا أن السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية لديه الإصرار على بقاء موظفي مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، والبالغ عددهم 463 موظفاً، في منازلهم منذ يوم 25 يوليو/تموز 2021، مع تواصل تقاضيهم رواتبهم من دون أدنى مبرر، وفي حالة إدارية فريدة تبعث على التساؤل عن التكييف القانوني لمن أمر بدفع أموال عامة مقابل عمل يقومون به.
لعل من أكثر ما يؤلم في هذه المغامرة الفجة للرئيس قيس سعيد، في انقلابه على الدستور والمؤسسات المنتخبة، أن الوسائط الورقية والسمعية والبصرية للبرلمان التونسي، تُركت في مهبّ الريح، وغبار النسيان، في غياب الصيانة الدائمة من قبل موظفي مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية.
لا شك أن مقر مجلس النواب التونسي سيُفتح يوماً ما، وأن السياح سيعودن لزيارة متحف "باردو"، ولكن مأساة النواب والموظفين والخبراء، والإرث الدستوري للبرلمان، والذاكرة التشريعية للشعب التونسي، قد تعرضت لأضرار شديدة، لا تُقدر بثمن، وغير قابلة للإصلاح ولا النسيان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.