ينقبض قلبي كلما أردت أن أكتب عن غزة، فلا أجد الكلمات المناسبة التي تعبر عن الوضع المعيشي داخل القطاع المتهالك والمحاصر جواً وبراً وبحراً منذ 16 سنة، والذي لا يزال حبيس رقعة جغرافية لا تتعدى 365 كيلومتراً مربعاً، ويبقى الحصار إلى جانب الاحتلال أحد الأسباب الرئيسية في تدهور الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية وحتى النفسية لقاطني القطاع.
المعاناة في قطاع غزة لا تنتهي في أرض يظللها البؤس، فالوضع لا يزال مأساوياً بشكل لا يمكن تصوره. والقيود المفروضة على حركة الناس وقدرتهم على الحصول على أبسط الاحتياجات الإنسانية من صحة وغذاء وتعليم وسفر لا تطاق، فمع بداية كل سنة يأمل الغزيون أن تتحسن أوضاعهم، لكن آمالهم تعود خائبة وتسوء أحوالهم أكثر، كيف لا وهم من حكم عليهم بالموت بأشكال وطرق متعددة: فمن لم يقتل بغارة جوية، معرض للموت تدريجياً بسبب الحصار وتداعياته، من فقر وانقطاع الكهرباء وتلوث المياه، ومنع إدخال الأدوية والأغذية ومواد الإعمار، وضرب مقومات التنمية والحياة، وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية والعيش بكرامة ومنع السفر.
أزمات مضاعفة يمرّ بها الغزيون، وفي مقدمتهم الشباب، الذين لم يتمكنوا من تحقيق أبسط أمنياتهم، في ظل البطالة والأجور المنخفضة، إذ تعمل نسبة منهم بأجور متدنية، بعد يوم طويل ومرهق، تكاد لا تكفي قوت يومهم، ليبقى حلم الزواج وتوفير حياة كريمة بعيد المنال، ما جعل نصف سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، فحالة الركود الاقتصادي التي شهدتها سنوات الحصار، أدت إلى انهيار القدرة الشرائية والمعيشية للمواطن، ناهيك عن غياب الحلول من حكومة حماس لتخفيض معدلات البطالة، ما دفع عمال غزة للتوجه إلى تصاريح العمل في الداخل المحتل، للخروج من بؤرة الفقر على الرغم من المخاطر التي تشوبها، حيث أضحت لُقمة العيش التي يجلبها العُمال غير سائغة، إذ تخضع لتهديدات متواصلة بالتوقف.
في الجهة المقابلة وجدت العديد من العائلات الغزية دخلاً شهرياً من باب الإعانات التي تمنحها دولة قطر للعائلات المتعففة داخل القطاع، لتهدئ من روع الظروف الاقتصادية الصعبة المتفاقمة، في واحدة من الالتفاتات الإنسانية التي تساعد بها قطر الغزيين بشكل مباشر ودون وسائط لتضمن بذلك وصولها لأيدي مستحقيها.
رغم كل هذا لا تزال العديد من العائلات في غزة لم تجد مدخولاً يؤمّن لها قوت يومها، لتتصارع هي الأخرى مع ظروف المعيشة الصعبة، في وقت يقترب فيه شهر رمضان 2023، دون أن تعلن حكومة حماس عن أية خطط من شأنها أن تضمن مرور هذا الشهر المبارك بخير وسلامة على جيوب الغزيين، وبالنظر إلى الظروف الراهنة فإن الأوضاع تتجه نحو رمضان أقسى من سابقه، فالأزمة تشتد كلما اقترب دخول شهر رمضان الفضيل، ورغم الشكاوى والمناشدات التي تخرج من ألسنة المواطنين والمعوزين لمحاولة إخراجهم من بئر الفقر، إلا أنها لم تجدد حتى الساعة آذاناً مصغية.
حصار غزة لم يرحم سكانها، ولكن أبواب السماء مفتوحة، استجابةً لدعوات المظلومين، فقد حان الوقت لتنتهي هذه المأساة، والمطلوب الآن من حكومة غزة هو تحمل مسؤولياتها تجاه الغزيين، باعتبارها المسؤول الأول عن القطاع، وتوفير فرص العمل، وتحسين الأحوال المعيشية، وتخفيف حدة الضرائب، وتقليل الفجوة بين الطبقات التي أصبحت عليا ودنيا، في غياب ملحوظ للطبقة المتوسطة. والتي لا يمكن أن تتعافى بفعل المبادرات والمساعدات التي تأتي من هنا وهناك رغم ضرورتها، فالوضع الراهن يتطلب حلولاً جذرية وخططاً استراتيجية لمواجهة ما هو قادم.
قضية قطاع غزة ليست مسألة إغاثية، بل سياسية، فغزة تريد أن تعيش ولا بد للقدر أن يستجيب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.