التغيير الواعي هو الحل.. كيف نطوّر أساليبنا ومؤسساتنا التربوية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/24 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/24 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
الصوت العالي والحزام الجلدي والحذاء وسائل تربية يستخدمها كثير من الآباء، ويراها علماء التربية ومعالجو السلوك وسائل تعذيب لا تربية

المرحلة المعاصرة من حياتنا في هذا العالم تتسم بسرعة التغيير والتطور، سواء على صعيد الأفراد، المؤسسات والمجتمعات، ما يجعل الأدوار المنوطة على الجميع مهمة وفي غاية الدقة والحساسية، ويتعاظم هذا الدور عند الحديث عن الرافعة الاستراتيجية للأفراد والمجتمعات، ممثلاً بالمؤسسات التربوية الحاضنة المركزية للرقي والنهضة والتطوير وتحقيق التغيير الواعي والهادف وبناء الإنسان وفق نموذج متكامل من القيم والمهارات والسمات، لذا فإن عملية بناء مؤسسات تربوية مصممة على فكرة التغيير يتطلب رؤية فكرية خاصة، فبدلاً من السعي إلى خلق نموذج يشبه الساعة السويسرية التي تترابط فيها الحركات بحيث تفرز السلوك نفسه بصورة متسقة، يصبح الدور المركزي هو تصميم المؤسسات التربوية وتزويدها ببنى تنظيمية وممارسات إدارة موارد بشرية تكون مهيأة لإرادة وإدارة التغيير الفاعل في منظومة عملها.

تمثل المؤسسات التربوية الدور الأهم في عملية تحقيق التغيير والنهضة المجتمعية الشاملة، ورفد المجتمع بالطاقات القادرة على التعامل مع المتغيرات بالطريقة العلمية، وعليه يتعاظم دور القيادات التربوية من خلال قيامهم بصياغة الرؤى والأهداف الاستراتيجية ومواجهة التحديات المعاصرة، ومدى قدرة تلك القيادات على توجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المنشودة، ليصبح تطوير وتحديث المنظومة المؤسسية وفق متطلبات وتحديات الواقع والمستقبل ضرورة يفرضها الأخذ باحتياجات التحديث والتطوير في المجتمعات المعاصرة، كذلك ما تفرضه المواصفات المطلوب توافرها في مؤسسة القرن الحادي والعشرين. 

وتعد إدارة التغيير عملاً مؤسسياً شاملاً متكاملاً يقوم على التخطيط الواعي لإجراء التغيير المتوازن والمنتظم للمؤسسة، بهدف الارتقاء بمستوى الأداء وبناء منظومة متكاملة قادرة على العمل بكفاءة وفاعلية في مجتمع يؤمن وقادر على صناعة مؤسسة تدرس الماضي جيداً، وتقرأ الواقع بعناية، وترسم معالم لمستقبل أفضل.

تسعى المؤسسات التربوية على الدوام لتحسين إنتاجيتها التي تتعدد أوجهها بتعدد مهامها ووظائفها التي ترتبط في الغالب بالمعرفة، فهي مؤسسات تعمل على نقل وتوزيع وإعداد صناعة المعرفة، فضلاً عن مهمة إنتاجها للمعرفة العلمية وتطويرها واستثمارها وتطبيقها لترقية وتنمية المجتمع. لذا تتعاظم أهمية تبني المؤسسات التربوية أسلوب التغيير المستمر وفق عملية شاملة تتماشى مع مفهوم النظم الذي يقضي بالنظرة الكلية والشمولية، باعتبار المؤسسة التربوية نظاماً كاملاً، فالتغيير عبارة عن استراتيجية تسعى المؤسسة بأكملها لإحداث تغييرات في جميع جوانبها، وهو بذلك يختلف عن التطوير والتنمية الإدارية التي تعتبر تغييرات جزئية، كونها تنحصر في مجالات محددة على مستوى المؤسسة.

لذا؛ ترتقي مؤسساتنا التربوية نحو القمة من خلال التغيير الهادف، وعبر قيادة حكيمة واعية تعمل على تحقيق الأهداف والرؤى المنشودة، ويمكن القول إن تبني نموذج النجمة أفضل وسيلة لعمل المؤسسات التربوية، حيث تترابط فيه 5 عناصر بقوة، وهي: الاستراتيجية، البنية التنظيمية، الأفراد، المكافآت، العمليات. ويتسم النموذج بأن الاستراتيجية فيه تمثل حجر الزاوية في عملية البناء وإحداث تغيير مؤثر في أداء المؤسسات التربوية؛ لأن تغيير عنصر واحد في المؤسسة التربوية يحمل دلالات جوهرية بالنسبة إلى العناصر الأخرى.

إن عملية التغيير في مؤسساتنا التربوية قضية جوهرية ومهمة للغاية للنهضة الشاملة والخروج من الأزمات كافة، فالمؤسسات التربوية اليوم لم تعد المكان المناسب لإعداد الملكات العلمية والتقنية التي يحتاجها المجتمع فحسب، بل هي اليوم مصدر المعرفة في عصر تتوالى فيه المستجدات وتعززها التغيرات التقنية والفنية، وأصبحت في مجموعها تشكل تحديات للقيادة والإدارة العليا، ما يستوجب التكيف واستغلال الفرص المتاحة واستثمار كل الطاقات والثروات، والتغلب على التحديات أمام المبادرات والابتكارات لإحداث التغييرات المنشودة. 

يمكن النظر برؤية استراتيجية إلى عمق إدارة التغيير الهادف في مؤسساتنا التربوية عبر قدرته على تحقيق التحسين المستمر في كافة العناصر الإدارية، ومن أبرزها: زيادة التعلم والتطوير، تحسين إدارة كفايات العاملين، وزيادة قوة إدارة أداء العاملين بالمؤسسة، ولن يتأتى ذلك إلا عبر إيمان عميق بأهمية إدارة وإرادة التغيير، تنبثق عنه أفعال يمكن ملاحظتها وتعتمد على الأدلة والبراهين، وتربط بوضوح بين الأداء الجيد للأفراد وبين الأداء الأفضل للمؤسسات. وعليه يمكن التأكيد على التفكير الاستراتيجي والتصميم والإرادة، وقبل كل ذلك الوعي الخلاق، وإدراك ضرورة التغيير الهادف وضرورة العمل عليه في مؤسساتنا التربوية، حتى يحدث قفزة نوعية في منظومة الحياة التربوية والنهضة الشمولية لكافة جوانب العمل المؤسساتي، فالزمن يمضي بسرعة، والكفاءات البشرية تتنامى، والحاجات الإنسانية في تزايد مستمر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فادي الدحدوح
خبير في البحث العلمي والدراسات العليا
أستاذ جامعي وخبير في البحث العلمي والدراسات، ومؤلف كتاب مناهج البحث العلمي وفق رؤية متقدمة تنسجم مع الريادة العالمية، بالإضافة لتقديم استشارات منهجية لطلبة الدراسات العليا والمراكز البحثية المتخصصة.
تحميل المزيد