الاحتلال وتزييفه الواقع وشعوب يتيمة لا تفكر إلا بعقول غيرها

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/24 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/24 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
مستوطنون إسرائيليون متطرفون أمام المسجد الأقصى المبارك، بحماية من الشرطة الإسرائيلية/ مواقع التواصل الاجتماعي

ربما لم يكن احتلال الأرض يوماً مؤثراً على حياة المسلمين، فاحتلال الأرض سرعان ما يعيد العزائم والهمم لتعود الأرض ويعود التماسك والحضارة من جديد، أما أن تجد عقولاً محتلة وأفكاراً مختلة، فهذا الذي يدمر المجتمعات، ولا أمل فيها بعد ذلك.

ويصعب علينا ويعز عندما نرى الإعلام العربي والإسلامي يروج للمصطلحات الصهيونية التي ساهمت في احتلال عقول الشعوب العربية والاسلامية، فقد اعتاد أعداؤنا على اختيار المصطلحات الرنانة لتجميل الخطأ والضرر.

فبعد أن أصبح الربا فوائد، والخمر مشروباً روحياً، وجيش العدو جيش الدفاع، وعملاء الاحتلال سلطة وطنية، يتجرأ الاحتلال على مقدساتنا ويخرج علينا بمصطلحات جديدة وهي: مجمع الأقصى، وزيارة بن غفير للمسجد الأقصى.

"مجمع الأقصى"


إنها الخطة المرسومة للمسجد الأقصى، حيث التقسيم المكاني والزماني، والظاهر أن الاحتلال يسير في تنفيذ ذلك على قدم وساق. وأنه ينتظر فرصته في تحقيق سائر أحلامه على يد حكومته العنصرية (حكومة المستوطنين الجديدة).

فها هم المحتلون يكثفون من اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، ويصرون على تأدية سائر طقوسهم والسجود الملحمي فيه، فبعدما كانت الاقتحامات خمسة أيام أسبوعياً عدا الجمعة والسبت، أصبحت الاقتحامات كل يوم، بحراسة من حكومتهم، وأصبح أداء الطقوس التلمودية منتظماً عندهم.

لقد أصبح تقسيم الأقصى مكانياً واقعاً يرسخه الاحتلال يوماً بعد يوم، فهو يقر للمسلمين ويحصر وجودهم في المصلى القبلي، مرسخاً أن هذا هو المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وفي المقابل فإنه يُكَثِّف وجوده في المنطقة الجنوبية الغربية.

كما يحاولون أن يقيموا كنيساً في التسوية المروانية من الجهة الجنوبية الغربية، وكذلك يُكَثِّفون وجودهم في الساحة الشمالية الشرقية، ويركزون على بناء الكنس فيها لتصبح هذه الأماكن يهودية بحتة، وتقام فيها طقوسهم كاملة.

وكذلك التقسيم الزماني، فالاحتلال يمارس تقسيم الأقصى زمانياً باستمرار دون انقطاع، حيث يمنع المصلين من دخول الأقصى، ولا يأذن لهم بدخوله، إلا بعد دخول المستوطنين، وتأديتهم طقوس تلمودهم، وخروجهم من المسجد الأقصى بسلام تحت الحراسة، وبترخيص من حكومة المستوطنين.

وبهذا يكون المتبقي من المسجد الأقصى بعد المصلى القبلي للمسلمين، والجهة الغربية الجنوبية، والساحة الشرقية الشمالية لليهود، وما يزيد فهو ساحة ومعالم يرتادها جميع أتباع الديانات كما يزعمون (مسلمون، يهود، نصارى)، ويُجعل لكل دين زمن خاص يرتاده متى جاء وقته.

وبهذا يُحْصَر المسلمون في المصلى القبلي ليكون هو مسجدهم فقط، ويكون باقي المسجد الأقصى جزءاً منه مخصصاً لليهود، وباقي المسجد الأقصى للجميع، (اليهود والنصارى مع المسلمين)، ولذلك أصبح إعلامهم يركز على مصطلح مجمع الأقصى.

"زيارة بن غفير"

ومصطلح زيارة بن غفير بدلاً من اقتحام "بن غفير"، أصبح الإعلام يردده بكثر، وكأنه يقيم شرعية لهذه الحكومة على أرضنا، ونسي الإعلام أن هؤلاء لصوص اقتحموا بلادنا، وقتَّلوا أهلنا، واحتلوا أرضنا، ولا مسكن لهم عندنا، فلا انتخابات صهيونية تشرعن وجودهم على أرضنا وفي قدسنا ومقدساتنا.

ومهما جَمَّل الاحتلال من الاقتحام وسوّق له بأنه زيارة، فإن هذا لن يزيل من عقولنا بأن بن غفير قد دخل المسجد الأقصى لصاً ولم يستطع البقاء فيه حتى ولو ربع ساعة، ولو كانت زيارة، لكان بن غفير آمناً في دخوله لا يخاف أحداً، ولو كانت زيارة لمارس طقوسه مرتاحاً دون تنغيص.

أما وإنه دخل تلصصاً وسراً، ولم يستطع المكث إلا لدقائق ثم ولى هارباً، يظهر أمام الإعلام بطولته، وهو كاذب، بل كذوب، وسيظل دخوله اقتحاماً، ووصمة عارٍ في جبينه، وجبين كل من سكت ورضي وأقر له بذلك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر معروف
كاتب فلسطيني
دكتور التفسير وعلوم القرآن وعضو رابطة علماء فلسطين
تحميل المزيد