يعاني قطاع غزة من أزمة الكهرباء منذ عام 2006 نتيجة العجز المستمر في كمية التيار الكهربائي بعد قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي محولات رئيسية في محطة توليد الكهرباء الوحيدة وسط القطاع، وفاقم من الأزمة الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007، حيث تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على القطاع، وتتحكم في المعابر، وتمنع إدخال البضائع، ويشمل ذلك الإمدادات الغذائية والطبية والخدمية والوقود والكهرباء. تصل مدة تزويد المنازل بالتيار الكهربائي 4 ساعات فقط، مقابل 16 ساعة فصل يومياً، ويحتاج قطاع غزة إلى حوالي 500 ميجاواط بشكل يومي، بينما المتوفر فقط هو 140 ميجاوات.
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي سبباً رئيسياً للأزمة، بدءاً باستهدافه المباشر لمحطة التوليد، ورفضه السماح بإدخال معدات المحطة، وربطه السماح بإدخال الوقود ضمن مساومات سياسية، في عام 2018، التي على إثرها تشكلّت اللجنة الوطنية لمواجهة أزمة الكهرباء، ويعد ذلك جريمة تخالف قواعد القانون الدولي والإنساني، التي تلزم قوة الاحتلال بضمان تدفق الإمدادات الغذائية والدوائية في المادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة، وتمنع "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة كما في المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقية جنيف الرابعة.
أثر الانقسام الفلسطيني سلباً في التوصل إلى حلول متعلقة بإنهاء الأزمة، لأنه خلق ازدواجية في المسؤولية عن المحطة وقطاع الكهرباء في قطاع غزة، وتتمثل أسباب الخلاف بين طرفي الانقسام في النزاع على الشرعية والمسؤولية بشأن هذا الملف، ففي الوقت الذي رأت فيه السلطة الفلسطينية أنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وأنها يجب أن تتلقى الأموال المحصلة من غزة، ثم تعمل على سداد ثمن الفواتير، وإرسال كميات الوقود اللازمة بمحطة التوليد، رأت حركة حماس أنها الحكومة الشرعية القائمة.
وأثرت الحروب المستمرة على غزة على تدمير البنية التحتية في الأعوام 2009 و2012 و2014 و2021 و2022، مما أدى إلى تهالك خطوط التيار الكهربائي، بالإضافة إلى تمدد السكان من 1.2 مليون نسمة في العام 2006، ليصل إلى نحو 2.2 مليون نسمة في عام 2022.
أثرت أزمة الكهرباء في غزة على القطاع الصحي، حيث تضررت بشدة الخدمات الطبية، بما في ذلك القدرة على إنقاذ الحياة، وأدت التقلبات المستمرة في إمداد الكهرباء إلى خلل في تشغيل الأجهزة الطبية الحساسة مثل الموجات الصوتية والأشعة ومراقبة مرضى القلب، والتعقيم وحضانات المواليد، مما هدد حياة المواطنين.
وأدى الاعتماد على المولدات الكهربائية إلى مخاطر صحية؛ لأن الدخان الذي ينبعث منها يحتوي على غازات سامة تؤدي للعديد من الأمراض، كما تؤثر الضوضاء الصادرة عنها على صحة الإنسان، وتضر بالجهاز السمعي والبصري. ويعتمد ملاك المولدات التجارية على الأعمدة التابعة لشركة توزيع الكهرباء وشركة الاتصالات الفلسطينية، مما تسبب في وفاة وإصابة عدد من المواطنين جراء تماس كهربائي، وحدوث خلل وانخفاض في التيار، وانقطاع خدمة الهاتف الأرضي.
وكانت هناك محاولات عديدة للتغلب على هذه الأزمة من خلال استخدام الشموع والمولدات الصغيرة، ولكن تكبدوا خسائر بشرية ومادية كثيرة، ففي الفترة من عام 2010 حتى عام 2018، تم رصد وفاة 32 مواطناً بينهم 25 طفلاً، وسيدة، واصابة 36 آخرين، من بينهم 20 طفلاً، و6 سيدات نتيجة لاشتعال الحرائق الناتجة عن الشموع، أو انفجار المولدات الكهربائية المنزلية.
ومن المشاريع التي تم العمل عليها هو مشروع غاز غزة الذي أطلق عام 2015 بتمويل من الحكومة الهولندية، وهو عبارة عن توسعة وبناء محطة التوليد وزيادة قدرتها، وبناء محطات التحويل وخطوط النقل، وبناء خطوط التوزيع التي تصل إلى مراكز الأحمال، ونفذت شركة توزيع كهرباء غزة مشروع العداد الذكي ولكنه توقف بعد العدوان وتضرر الشبكات.
لكن معظم المحاولات والاجتهادات لحل أزمة الكهرباء في غزة لم تصل لهدفها، ولا تزال أزمة الكهرباء تهدد حياة المواطنين في غزة وتنتهك حقاً من أبسط حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة لذا ينبغي مخاطبة المجتمع الدولي للضغط على دولة الاحتلال لزيادة كمية الكهرباء، لأنها بصفتها دولة محتلة من المفترض أن توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين، وتخفف من أزمة الكهرباء، ولابد من تشكيل لجنة مختصة تشرف وتراقب عمل المولدات الكهربائية التجارية، وتعتمد على لائحة لتنظيمها وضبطها، والضغط باتجاه تزويد الكميات الموردة من الطاقة، و التواصل مع الأطراف الوسيطة والمعنية لصيانة محطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة، وتوسيع طاقاتها الإنتاجية لتستوعب حاجة القطاع التي تقدر بنحو 500 ميغاواط، ودعم التوجه إلى استخدام الطاقة الشمسية كبديل آمن للتيار الكهربائي، لتوفير المواد اللازمة بأسعار تناسب جميع المواطنين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.