بعدما ذاقت ويلات الانهيار في 2022.. هل تتعافى سريلانكا من أزمتها الاقتصادية في 2023؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/22 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/22 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
أزمة سريلانكا جرس إنذار لكثير من الدول - Getty Images

دخلت سريلانكا عام 2022 وهي تعاني من أزمة اقتصادية عويصة واضطراب سياسي حاد. وبسرعة، أصبح الوضع الاقتصادي مروعاً لدرجة أن الدولة تخلفت عن سداد مدفوعاتها لأول مرة.

نتيجة لذلك لم تتمكن الحكومة من الوصول إلى مصادر التمويل الدولية، ومن ضمنها المنظمات الرسمية والمقرضون التجاريون.
وعزت الحكومة عدم قدرتها على سداد ديونها إلى انخفاض عائدات السياحة الناجم عن جائحة "كوفيد-19" وارتفاع أسعار الوقود الناتج عن الحرب في أوكرانيا.

ومع ذلك، لم يتم قبول هذا التفسير على نطاق واسع شعبياً، وذكر الخبراء أن هذه الأزمة الاقتصادية هي إلى حد كبير، نتيجة لتصرفات الحكومة وليس لعوامل خارجية.
وعلى الرغم من أن العديد من السريلانكيين لم يفهموا ما يعنيه التخلف عن السداد، فإن آثار الأزمة كانت محسوسة بشدة. 

إذ أدت أزمة شح العملة الأجنبية في السوق والتي أعقبت ذلك إلى تقييد واردات الغذاء والوقود والأسمدة والأدوية وغيرها من الضروريات تدريجياً. وبحلول أغسطس/أغسطس 2022، بلغ معدل التضخم السنوي ما يقرب من 70%، وبلغ تضخم أسعار الأغذية ما يقرب من 85 %، وهو سادس أعلى تضخم في أسعار الأغذية بالعالم. وقد سقط قرابة مليون مواطن إضافي في براثن الفقر. ويبين أحد تقارير "اليونيسيف" أن أزمة الغذاء قد أثرت بالفعل على الأمهات الشابات والأطفال حديثي الولادة.
كما ضربت الأزمة الاقتصادية الطبقة الوسطى التي كانت ميسورة الحال في السابق، والتي تكافح الآن لتناول وجباتها الثلاث المعتادة في اليوم. في المناطق الريفية، ظهرت قصص مفجعة عن إغماء الأطفال في المدارس، لأنهم لم يتناولوا وجبة الإفطار. ولم تكن المساعدات الطارئة، وضمن ذلك الأغذية والأسمدة، التي تلقتها من البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة وأستراليا والهند، كافية لإطعام الجميع. وكذلك تفاقم نقص الأغذية بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي المحلي.
فقد ابتليت المناطق الحضرية في سريلانكا بطوابير طويلة للحصول على الوقود والغذاء، حيث ينتظر السريلانكيون تحت أشعة الشمس الحارقة وفي الأمطار الغزيرة. 

أثارت الأزمة احتجاجات جماهيرية من قبل الآلاف من الناس من جميع مناحي الحياة.
وعرّضت الاستقالة الجماعية لوزراء الحكومة للخطر محاولة الرئيس السابق للتشبث بالسلطة. وكملاذ أخير، شكّل حكومة من جميع الأحزاب، لكن هذا افتقر إلى الدعم من السياسيين الآخرين الذين كانوا على دراية بالتكاليف السياسية للمشاركة. ومع ذلك، لم يُظهر الرئيس السابق أي علامة على التنحي، وبدلاً من ذلك أجبر شقيقه، رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، على الاستقالة.
قبل استقالته في مايو/أيار، لم يضيّع رئيس الوزراء السابق راجاباكسا أي وقت في حشد مؤيديه السياسيين لمهاجمة المتظاهرين السلميين خارج منزله وفي موقع الاحتجاج الرئيسي. وردَّ المتظاهرون المناهضون للحكومة باستهداف ممتلكات وأعمال أنصار راجاباكسا. وذهب البعض إلى أبعد من ذلك بإحراق منزل أجداد عائلة راجاباكسا ومتحف يكرّم والديهما.

ورداً على ذلك، اتخذت الدولة مجموعة متنوعة من التدابير القمعية، من ضمنها حظر التجول يوم الأحد، والتعتيم على وسائل التواصل الاجتماعي، والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. وحظرت الأوامر الرئاسية أي تجمُّع عام وتم اعتقال قادة الاحتجاج.
وأعقبت فترة ذروة الاحتجاجات من مارس/آذار إلى يوليو/تموز، مسيرة ضخمة مناهضة للحكومة نُظمت في 9 يوليو/تموز 2022. وفرّ جوتابايا راجاباكسا أخيراً من البلاد وأرسل استقالته من سنغافورة عبر البريد الإلكتروني في 14 يوليو/تموز. ومع فرار الرئيس السابق من مقر إقامته، توافد الناس لاحتلاله. حتى إن البعض غطس في المسبح الرئاسي.

مواطنون يسبحون في حمام السباحة الخاص بالقصر الرئاسي في سريلانكا بعد هروب الرئيس/ رويترز


وفي غياب الرئيس، تم تعيين رانيل ويكرمسينغ الذي لا يحظى بشعبية على الدوام رئيساً بالنيابة، بموجب المادة 37 (1) من الدستور. ونجح ويكرمسينغ في تقديم إغاثة طفيفة للناس، حيث بدأ تجديد الوقود والكهرباء والأدوية والمواد الغذائية ببطء.

ولقد سقطت سمعة ويكرمسينغ بين الناخبين المحافظين، الذين يعتبرونه الآن سياسياً نخبوياً عالمياً على النمط الغربي عندما حصل على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي من خلال التباهي بمشاعره الليبرالية.

وحصل على التزام من اليابان بقيادة محادثات إعادة هيكلة الديون مع دائني سريلانكا، والتي تعتبر ضرورية لتأمين حزمة إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
يأتي عام 2023 مع بعض المخاوف بشأن شروط الإنفاق الحكومي التي ستترتب على خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي، فضلاً عن الأمل في الفرص التي سيوفرها لتعزيز الاستقرار المالي. ويمكن للمرء أن يتوقع عدداً أقل من الاحتجاجات الغاضبة في عام 2023، حيث بدأت روح أراغالايا (الثورة) العابرة للطبقات في التلاشي بالفعل منذ أن بدأ ويكرمسينغ في وضع الأساس لإنقاذ الاقتصاد وتأديب المجتمع.
ومع استمرار الدعوات العالمية لـ"عدالة الديون" في اكتساب الزخم، هناك فرصة للسريلانكيين لأخذ زمام المبادرة في هذه الحركة الناشئة من خلال إحياء روح "أراغالايا" السابقة وتوجيهها نحو الساحة السياسية العالمية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد