العالم في شجار لا منتصر فيه.. لكن من سيدفع فاتورة الصراع الدولي الجاري؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/22 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/22 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ- رويترز

الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ استلامه الإدارة الأمريكية، أعلن وبشكل واضح أن استراتجيته المتعلقة بالسياسة الخارجية قائمة على بناء وترميم العلاقات مع الدول التي قوّض ترامب علاقات أمريكا بها.

استراتيجية بايدن أساسها إعادة ترتيب عالم الديمقراطيات، والتقارب مع الأنظمة بقدر قربها للديمقراطية، وإعادة تنقية العلاقات، على قواعد احترام حقوق الإنسان والحريات.

هذا الميزان الأمريكي في العلاقات الخارجية أعطى الفرصة لظهور ردات فعل من المعسكر الآخر، ذي الرؤية المختلفة، فبعث بأطروحات مضادة لا تتنصل من الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي، وإنما أرسلت قراءة جديدة لمفاهيم أساسية تتعلق بهذا التصور، ولعل عالمنا العربي وبفواعله الرسمية وغير الرسمية تلقت شيئاً من ذلك بشكل من الأشكال.

إنه الخطاب الصامت بين أقطاب قوى دولية تحاول أن تحجز حيزاً أوسع لها عبر مناطق بالعالم؛ لتبرر وجودها وتضمن استمرارها وتفرض منطقها وأطروحاتها. هذا الخطاب لم يستطع أي طرف كتمانه لضرورات يفرضها الزمن والتسابق نحو المواقع، حيث ترجم هذا التفاعل إلى سلوكيات مختلفة، منها الانسحاب من أفغانستان، والحرب الروسية-الأوكرانية، والتنشيط، بالطاقة القصوى لحلف الناتو من خلال تغيير استراتيجيته، و"تسخين" الاتحاد الأوروبي وتحريك تحالف الدول السبع.
في الاتجاه المعاكس، بعثت منظمات وفعلت هيئات تحاكي المنظمات والهيئات في المعسكر الغربي، ولو بدرجة أقل حدة.

وأمام هذا التشكل هناك حيرة والتباس لدى أطراف متعددة، ترددت في البداية، وما زال البعض منها كذلك، إذ يصعب وضع حسابات دقيقة عن وضع جميع الأطراف بينما الصراع قيد التشكل.

ومن جانب آخر نجد هذا التنافس الدولي المتعدد الأطراف أخذ يمس أبعاداً أخرى تهز أركان المجتمع الدولي واستقراره. فصارت الخطابات أحياناً تحمل بذور الفناء للبشرية، مثل التهديد باستخدام السلاح النووي، أو النذير بالجوع والبرد.

ومع ذلك ما زال جميع الأطراف يبحثون لأنفسهم عن عوامل الانتصار دون اعتبار لحجم الخسائر التي ستتكبدها الإنسانية، ليس في حاضرها فقط، وإنما لأجيال قادمة إن لم تغب سلالات منها.. هل يتم هذا وفق قاعدة الغلبة السياسية، أو المكاسب الاقتصادية المجردة؟

في تقديري، لا أعتقد ذلك.

لأننا لو دققنا في مسارات الصراع، سينتج لدينا بالنهاية محوران أساسيان متنافسان، والباقي إما منتظر متربص، أو طفيلي متسلق على جدران المنتصر، أو محايد لا ناقة له ولا جمل.

أطراف الصراع الأساسية يحاولون أن تكون لهم منطلقاتهم وعقائدهم ورآهم التي يمكن إجمالها في محور العالم الديمقراطي الذي تقوده أمريكا ومحور العالم "النيو-اشتراكي" بقيادة كل من الصين وروسيا، لكن هل هي عقائد راسخة، لها الأثر في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل محور، أم أنها مضطربة لدى كلتا البيئتين؟

هل العولمة والتكنولوجيا وتزايد نمط الاستهلاك وغيرها من المفاهيم لها التأثير الكبير في تفتيت تلك الأفكار والمعتقدات؟

الصين وروسيا إن حاولتا الابتعاد عن الليبرالية الغربية، إلا أنهما لم تتنصلا من تغول هذا الفكر الذي تجذر اقتصادياً وامتد اجتماعياً وثقافياً، وهو رهان واقعي صعب فرض نفسه على العالم الاجتماعي.


ثم إن العالم الغربي المؤمن بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لم يستطع إقناع غيره بأنه يحترمها، بل لم يؤمنها في داخل محوره، وما حادثة اقتحام الكونغرس الأمريكي وبروز اليمين المتطرف ومحاولة الانقلاب في ألمانيا الأخيرة، بالإضافة إلى رضوخ بايدن لإذعان الطاقة، إلا دلائل على فشل الغرب في هذا الصدد.

نحن أمام صراع يتسم بأنه لا منتصر فيه، ولا حدود مكانية أو زمانية أو موضوعاتية له.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بن غربي
أستاذ في القانون الدولي
أستاذ محاضر للقانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة زيان عاشور بالجلفة - الجزائر
تحميل المزيد