ونحن بصدد مناهضة العنف ضد النساء، وبعد هذه الأزمات المتتالية التي يعرفها العالم منذ أكثر من سنتين، وبسبب ما شاهدناه جميعاً من انتهاكات أثرت بشكلٍ مباشر على المرأة، لم يعد بإمكاننا السير على نفس النهج لتمكينها من حقوقها.
إذ أصبح من الضروري أن نخاطب بالدرجة الأولى النسوية، وكل شخص، وكّل نفس للدفاع عن حقوق المرأة، رجاءً كفانا إصداراً للشعارات الرنانة التي تُنسى مع الزمن، ورفع لافتات تنادي بحقوق النساء، وبعد أيام نجدها تُداس بالأقدام في الشوارع، وبعضٌ من فُتاتها نرى البقال يلفّ به حبات اللوز للزبون.
رجاءً يكفينا ندوات تقام مرة في السنة، ولا يتحقق من مخططاتها سوى القليل، ندوات تُهدر فيها الملايين دون جدوى، فلم تتبقَّ لدى أي منا الرغبة لسماع شيء عن حقوق المرأة، لأنه اليوم بالذات لم يعد بيننا من لا يعرفها ولم يسمع عنها، ومَن منا إلى الآن ما زال لديه شك ولو ضئيلاً بأن المرأة والرجل غير متساويين في الحقوق والواجبات إلا بشكل نادر، فنجد أن هناك من يضع الفوارق بينهما، ويقلل من قيمة النساء ويرفع من قيمة الرجل.
اليوم بالذات، وفي خضم هذا الوضع الذي أسهم كثيراً في تعرية حقيقة معاناة النساء علينا أن نغير وجهتنا ونبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا، ونحارب لإيجاد الحلول الجذرية. فالمرأة لم تعد تنتظر منا أن نخبرها بحقوقها، وتنزعج كثيراً كلما ذكّرناها بها، وتشعر بالنقص والتجريح والقهر، لأنها تدرك تماماً حقوقها، وتعي جيداً ما الذي بوسعها فعله لتحصل عليها، لكنها لا تستطيع، هي فقط تنتظر منا أن نمكنها من أخذ حقوقها المسلوبة، وألا ننظر إليها بشفقة ونذكرها بضعفها.
المرأة في مجتمعاتنا نراها حينما تُخان وتُهان وتُضرب، ومع ذلك تبقى صامتة وعاجزة أمام ذلك، نجد الغالبية منا يشير إليها وتنعتها بأنها إنسانة "بلا كرامة" ولا مشاعر؛ كونها ترضخ للإهانة والذل وغيرهما من ممارسات لا إنسانية في حقها، لكن على العكس تماماً، فهؤلاء النسوة نجد أنهن كتلة من المشاعر، ويدركن جيداً أن ما يحدث معهن لا يمكن الصمت عنه، ومع ذلك يرضين بالواقع، لأنهن ببساطة لا يمتلكن الخيار الثاني.
من السهل علينا نحن أن نقول دائماً إن هناك حلاً بديلاً، مع أننا في قرارة أنفسنا نعلم أن ذلك غير صحيح، لأن هناك فعلياً توجد بيننا نماذج لا يستطعن خلق حل بديل، كون مجتمعاتنا وللأسف لم تعمل على تأهيل هذه الفئة من النساء، حتى تصير لديهن سلطة القرار وإيجاد الحل الثاني.
ومؤكد أننا صادفنا في يوم ما نساء يحكين أن الضرب والإهانة وكل الممارسات الشنيعة التي تنتهك حقوقهن لا توجعهن بقدر ما توجعهن فكرة أنه ليس لديهن أي مكان يلتجئن إليه، وليس هناك أي شخص باستطاعتهن الاحتماء به وقت الضرورة، حتى الوالدان أحياناً يرفضان بشكل قاطع تقديم يد المساعدة لهن.
ناهيك عن النماذج التي حُرمت من التعليم، ولم تُقدم لهن فرصة لصقل مهاراتهن، أو لم يحصلن على شهادة تكوينية تؤهلهن للاستقلال بذواتهن وبأطفالهن إن وجدوا.
لذلك نجد منهن من يتجهن نحو مجموعة من المهن، التي يرى البعض أنها غير لائقة، ويجعل تلك النماذج ترى نظرة التحقير موجهة لهن، زيادة على القوانين التي لا نجدها غالباً تنصف المرأة على حساب الرجل، لعدة أسباب.
لذلك يكفينا التحدث عن الحقوق، ونعمل على إيجاد الحلول الفعلية، حتى لا تتفاقم لدينا نسبة الفتيات القابعات في مستنقع العنف، وخانعات للقدر، وسلاحهن الوحيد الصبر، وذلك من خلال برمجة خطة عملية لتأهيل الفتيات قبل أن يلجن علاقة زوجية، وندفعها لتثق بنفسها وتُطوّر من مهاراتها، وتستطيع النجاة في حال لم تجد الشريك مناسباً لها، لا يُقدرها ولا يحترمها، ويُهينها في كل لحظة.
نؤهلها لتصبح لديها القدرة على البدء من جديد بمفردها، دون أن تكون مضطرة للرضوخ والبحث عمن يساعدها، نؤهلها ونبني داخلها قناعة بأن خياراتها في الحياة كثيرة، ولا تتوقف عند رجل فاقدٍ لمعاني الرجولة، يسيء لها كلما اشتهى ذلك، نخبرها بأنها ستتخلص من معاناتها إن أدركت أنه أصبح من واجباتها تغيير وجهة بوصلتها، فإن كانت تضع كل مجهوداتها لتغيير الشريك ستتعب، ولن تحصل على نتيجة إيجابية.
تغيير الشريك ليس من ضمن مسؤولياتها ولا واجباتها كما أخبروها، نذكرها ونؤهلها ونقول لها أن تعمل أولاً على تغيير ذاتها لتكون قوية، قوية لأجلها وكفى، ونذكرها هي والرجل بأنهما ليسا في ساحة حرب، من المفترض على واحد منهما أن يكون الفائز، ولكنهما شريكان بالحياة، حينما تُقفل كل أبواب السلام بينهما يعملان على فضّ شراكتهما بمسؤولية، حينها فقط سيمكننا التخلص نهائياً من كل الممارسات غير السوية التي تنتهك حقوق نسائنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.