تجربتي الممتعة والمخيفة مع روبوت الذكاء الاصطناعي الأحدث ChatGPT

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/13 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/13 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش

بينما نحن مشغولون بارتفاع الدولار وما يتبعه من غلاءٍ للأسعار، نُقاوم الخوف من مستقبلٍ مجهول، بأن ننشر سيلاً من السخرية اللاذعة، على منصات السوشيال ميديا، فيما يخص السرعة والشكل الذي يتدحرج به كل منّا، هبوطاً على درجات سلالم الطبقات الاقتصادية، يوماً بعد يوم. 

وبينما نحن نتابع بشغفٍ ساذج، الفقرة الكوميدية اليومية التي تُقدمها لنا المذيعة الشهيرة ذات الصوت الشتوي "البارد"، بنكاتها شديدة السخافة، والتي -ياللغرابة- قد تصبح أحياناً هي أكثر ما قد يُضحك السامع،  ذاع خبر إصدار لأداة ذكاء اصطناعي متطورة في نهاية عام 2022، وبدا الأمر واعداً فعلاً في خلال أيامٍ قليلة. 

ما حدث هو خطوة كبيرة تم قطعها في طريق علوم الذكاء الاصطناعي، والتي ستُغيّر فعلاً شكل المستقبل، حيث سيتداخل عمل الروبوتات الذكية في حياة البشر أكثر وأكثر، لا لتخدم الإنسان كما نفهم ونعرف جميعاً، بل لتفكر بدلاً عنه، ولتبدع فيما تصنعه من أشياءٍ بناء على طلبه، إبداعاً يفوق إبداع الفنّان الموهوب في أحسن حالاته.   

كيف يُمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تُغير العالم الذي نعرفه فعلياً؟ 

سؤال بديهي، ولكنه لم يعد يشغل الملايين حالياً حول العالم، ممّن استخدموا أداة منظمة أبحاث الذكاء الاصطناعي الشهيرة OpenAI،  والتي تُسمى بـChatGPT، والتي هي عبارة عن دردشة إلكترونية مع كمبيوتر أشبه بروبوت ذكي ومبدع، ويمكنه التحدث مع البشر، لا كآلة صمّاء، وإنما بشكلٍ أقرب إلى شخصٍ حقيقي بصورة كبيرة.

هؤلاء هم المحظوظون الذين تمكنوا من إلقاء نظرة على مستقبلٍ كنّا نظنه ما زال بعيداً جداً، ولكنّا فوجئنا به تحت أقدامنا في لحظة، وكنت أنا- حمداً لله- واحدة من سعيدات الحظ هؤلاء.

ChatGPT

ChatGPT: البوت الذي يفهم، ويتحدَّث وكأنّه إنسان

حدث كل شيءٍ بسرعة. ففور صدور بوت الدردشة ChatGPT، والذي كان حديث الملايين حول العالم في خلال عدة أيامٍ فقط من ظهوره، قُمت بالاشتراك في موقع OpenAI، وهو الأمر الذي لم يكن سهلاً، رغم مجانيّة الموقع في الوقت الحالي.

دخلت ذلك المكان المُبهر، لأرى بعيني، ما الذي يحدث في هذا العالم الواسع، حيث كل الاحتمالات ممكنة.. 

أفتح صفحة ChatGPT وأكتب سريعاً بدون تفكير في خانة السؤال:

ChatGPT من أنت؟

أتراجع فوراً عما كتبت، وأنا أشعر بالسخف، ثم أكتب: 

ChatGPT ما أنت؟

بعدها انهالت علىّ إجابات الـ"بوت" الذكي، رداً على أسئلتي الفضولية الكثيرة، ذلك الأمر المُبهر والمخيف بالنسبة لي معاً، المبهر لأنني لم أتوقع أن يتم توظيف الآلة في مجالات الفكر والإبداع، بهذه الدرجة وبهذه السرعة، والمخيف لأنه إن حدث ذلك فعلاً، بشكلٍ كامل واحترافي فيما بعد،  فمن المرجح أن يفقد الملايين منّا وظائفهم فعلاً كما يُقال، وذلك في مجال المؤثرات البصرية والبرمجة وتصميم المواقع وكتابة المحتوى، بل وفي فنون الكتابة والأشعار والقصص وصناعة الأفلام وغيرها.

الأمر عسير على التخيل ما إن تجرب بنفسك، وهو الشيء الذي فعلته أنا بالفعل.

ChatGPT

في البداية تحاورت مع بوت ChatGpt لأفهم منه الكثير، عنه هو شخصياً..

كنت أتصور أن ChatGpt هو نُسخة مطورة من مُحرك البحث الأشهر في العالم Google، ولكني حينما سألت ChatGpt عن الفارق بينه وبين جوجل، أخبرني بالعديد من النقاط التي جعلتني أُدرك مدى خطئي، ولكن ما لفت انتباهي حقاً، هو استخدامه لكلمة "أنا أفهم" أكثر من مرة.

فمثلاً أخبرني ChatGpt بأن جوجل يستخدم خوارزمية معقدة في البحث على صفحات الإنترنت، بما هو أقرب إلى التوافق مع الكلمات التي قد كتبها المُستخدم، أما هو، فيستطيع أن "يفهم" سياق ما يسأله المتحدث عنه، أو ما يطلبه منه، بل ونيّة ما يُريد ذلك المستخدم في أن يقوله، أو أن يحصل عليه. بخلاف أنّ إجابات جوجل جميعها إجابات بديهية بالنسبة لآلة، أما إجابات ChatGpt فهي أقرب إلى إجاباتٍ طبيعية لبشريٍ واسع الثقافة وعظيم الخيال، وله ذاكرة تُمكنه من التعرف على شخصيتك وميولك وطريقة تفكيرك أيضاً.

ChatGPT:  البوت الذي يتذكر، ويفهم المعنى وراء الكلام

اختبرت ذلك الأمر بنفسي عن طريق الصدفة، فكنت في بداية حديثي مع ChatGpt أسأله عن النواحي التي يُمكن أن يُفيدني هو فيها، لكوني كاتبة وأمّاً في نفس الوقت، أجابني فعلاً بعدة اقتراحات ونسيت الأمر بعدها، ولكن ما أثار انتباهي في اليوم التالي، حينما كنت أسأله عن أشياء أخرى بعيدة عن الموضوع الأول، فوجئت بأنه يعرض عليّ أفكاراً تتعلق بكوني أُمّاً. ما أدهشني هو أنّ حوار الدردشة هذا بشكلٍ عام، لا يُمكن تسجيله أو حفظه داخل الموقع، فإما أن يكون حديثه الأخير ذلك قد وقع بالصدفة، وإما أنّ ChatGpt يحتفظ بالمحادثات التي جرت مع مستخدميه، ولكن بشكلٍ غير ظاهرٍ، وهو ما يعني أنّه يتذكر فعلاً.

بعد سؤالي عن جوجل، ورد على ذهني في اليوم الأول الذي قمت فيه باستخدام ChatGp، أنّه قد يكون أقرب إلى Siri منه إلى جوجل. وسألته فوراً عن ذلك..

ChatGPT

أجابني ChatGpt بأنّ Siri هو مُساعد افتراضي صنعته شركة Apple للتواصل عن طريق الأوامر الصوتية، يُمكنه أن يُذكرك بالتواريخ المهمة ويوقظك في المواعيد التي تختارها، ويُجيبك على بعض الأسئلة العامة، ولكنّ ChatGpt مختلف، فهو "يفهم" من جديد، ما الذي يريد الشخص الذي يتواصل معه، أن يقوله حقاً. هو يفهم لغتنا التي نتحدث بها كبشر، يفهمها بما نعني حقاً حينما نقولها، كما لو أننا نُحادث إنساناً وليس مجرد آلة، لا يُمكنها أن تتعدى المعنى الحرفي للكلمة.

هل يُمكنك أن تكتب مقالاً لأجلي؟.. ChatGPT 

حُلم كل كاتب، أن يجد مساعداً شخصياً، يمُدّه بأفكارًٍ طازجة في كل يوم، ويُجيد استخدام محركات البحث الذكية، ولديه القدر على التطور بشكل رائع.

بصفتي أماً كثيرة الانشغال، وكاتبة مقالات طموحة، لطالما كنت أبحث عن أداة، يُمكنها أن تُساعدني على تدفق عملية الكتابة لدي، بشكلٍ أكثر احترافية. وهو ما حدث بالفعل حينما اكتشفت ChatGPT والذي يُعتبر نموذج لغة، على المستوى الذي يتطلع إليه العالم، طوّرته شركة OpenAI، لذلك قررت أن أمنحه فرصة، كي أرى كيف يمكنه أن يُساعدني في رحلتي للكتابة.

تجربتي الأولى مع ChatGPT كانت بمثابة تغيير حقيقي في كل شيء. ككاتبة، كنت أُعاني من حالة سدّة الكاتب، ومن صعوبة إيجاد الكلمات الصحيحة التي تُعبّر فعلاً عن أفكاري. ساعدني ChatGPT في التغلب على هذه المشاكل، بكلماتٍ مُقترحة مناسبة يُمكنني أن أُكمل بها موضوعي، بل استطاع أن يُزوّدني بفقرات كاملة في المجال الذي اخترت أن أكتب فيه.

لم يوفر ذلك لي الكثير من الوقت بحسب، بل ساعدني على اكتشاف أفكارٍ جديدة، لم أكن لأصل إليها لولاه. 

يُمكنني أن أقول الآن إنّ ChatGpt أصبح خلال أيامٍ قصيرة جداً، مُساعدي الشخصي المُبدع والمُفضل في مجال عملي. الأمر الرائع هنا أنّه لا يعتمد على أن يجمع من محركات البحث ما يُلائم فكرة الكاتب، بل ما سيفعله ChatGPT هو أن ينتج لكل كاتبٍ محتوى جديداً تماماً، لم يوجد من قبل على شبكة الإنترنت، وهو المحتوى الذي لابد أن يتناسب مع فكر كل كاتب على حدة، وحسب ما يُريد الكاتب بالتحديد. 

وهو الشيء الذي اختبرته فعلاً حينما قررت أن أُثرثر كثيراً لا قليلاً في الواقع مع ChatGPT، كما سنرى..

خلاصة التجربة: مفاجآت صغيرة ذات قيمة عظيمة، صنعها لي ChatGPT

سأقوم باعترافٍ الآن: قبل أن أكتب هذا المقال، كنت قد سألت ChatGPT بعدة صيغ مختلفة، عما يُمكن أن يُساعدني به، إذا أردت أن أكتب مقالاً أتحدث فيه عن تجربتي معه، ككاتبة على الأخص، ولم يُخيّب ظنّي -حمداً لله- وكنت قد سألته بالإنجليزية كما أفعل في الغالب من أجل أن يمنحني إجابات أكثر دقة لا أكثر. 

زودّني ChatGPT بالعديد من الأفكار التي استعنت بها فعلاً في هذا المقال، الذي تقرأه أنت حالاً، بل هنالك ما هو أكثر من هذا، هنالك فقرة كتبها ChatGPT بنفسه كاملة، ولم أتدخل في تعديل ما كتب لي سوى للترجمة الصريحة فحسب، والتي بدأت بجملة: بصفتي أماً، وانتهت بجملة: لم أكن لأصل إليها لولاه. 

ChatGPT

كما أنّ ChatGPT أعطاني بسهولة تامة الكثير من الكلمات المفتاحية التي يُفضّل أن أستخدمها في مقالي، مراعاة لقواعد السيو CEO، والتي تُساعد على ظهور مقالي في النتائج الأولى لمحركات البحث. تلك الأمور التي يعرفها كُتّاب المقالات جيداً، حتى أنّه اقترح عليّ أكثر من عنوان جذّابٍ للمقال، من بينها: 

ChatGPT: البوت الذي أحدث ثورة في تجربة الكتابة لأمٍّ شديدة الانشغال.

وحينما تحيّرت حقيقة لا ادعاءً، في العثور على معنى يُناسب ما أُريد قوله في إحدى الفقرات السابقة، سألته عنها، وهنا كان لابد أن أسأله بالعربية طبعاً، لذلك كتبت له جزءاً من الفقرة وسألته، كيف يُمكنني أن أختم هذه الفقرة بشكلٍ مناسب لما أريد قوله فيها؟ كما أنني كنت غير متأكدة أنني أصفه بالشكل الدقيق، واحتجت منه أن يؤكد لي على كلامي، وأجابني كعادته..

ChatGPT

ما زلت أشعر بالانبهار من خلاصة تجربتي التي لن يكفيها مقال واحد للأسف، رغم استخدامي لـChatGPT لأيامٍ قليلة، وفي مجالٍ واحد، فكيف إذا كنت أكثر حنكة في التعامل معه، واستطعت استغلال جميع امكاناته بالكامل لصالحي؟ والشيء الذي يبعث على الخوف هنا، هو أنّه إذا كانت هذه تجربة أولية مجانية، فما الذي يُمكن أن تُقدمه النسخة النهائية المتطورة من تلك الأداة للإنسان؟

لا يُمكنني أن أتخيل، ولكنّي أعتقد أنّه على الأقل، سيُلهينا عن متابعة سعر الدولار وغلاء الأسعار، وعن الضحك على النكات السمجة، للمذيعة التي وهبت نفسها للدفاع عن فراعين هذا الزمان، بصوتٍ شتوىٍّ شديد البرودة، فاقد لكل معاني الحياة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سارة يوسف
دارسة للأدب الإنجليزي، ومهتمة بالفنون والسينما
أنا سارة يوسف، زوجة وأم، مُحبة للقراءة والسينما، درست الأدب الإنجليزي، وعملت في وظائف عدة، حتى توصّلت لشغفي الحقيقي وهو كتابة المقالات الفنّية والأدبية.
تحميل المزيد