‫السياسي والإسلامي‪” :‬المؤامرة القاهرية” (المتكررة) للنظرة الاستئصالية‬

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/07 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/07 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
فيلم الصبي من الجنة /تويتر

‫"الصبي من الجنة" هو آخر فيلم لطارق صالح‪ ،‬وقد تمت ترجمة عنوانه للجمهور ‫الفرنسي إلى "‪ "La conspiration du Caire‬بمعنى "المؤامرة القاهرية"‪.‬‬

‫يحكي الفيلم عن النزاع الذي اندلع حول الخلافة بعد وفاة شيخ الأزهر‪ ،‬وقد نجح المخرج‬ ‫المصري المنفي في السويد‪ ،‬في إنجاز فيلم جذاب على عدة أصعدة، ‫منها أنه يُذكرنا (بشجاعة) بحضور أجهزة المخابرات المصرية وممارساتها المرعبة‬ لأشد أنواع التعذيب والتلاعب‪.‬‬

الصبي من الجنة

‫ينبهنا الفيلم أيضاً إلى الوضع الحالي للرقابة في مصر‪ ،‬التي تغولت لدرجة اضطرت‬ ‫فريق الفيلم إلى تصويره في تركيا‪ ،‬ولم يُصوَّر منه في مصر إلا مشاهد محدودة‪،‬‬ ‫تحسها وكأنها خُطفت خطفاً‪.‬‬

‫تدعو العديد من العناصر لمشاهدة هذا الفيلم‪ والحقيقة ،‬أني لم أندم على الذهاب‬ ‫لمشاهدته في قاعات السينما‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬الثناء المتكرر‪ ،‬في نغمة أقرب للإجماع‪ ‬تجاهه، والمديح المتكرر تجاه فيلم "الصبي من الجنة"‪،‬‬ ترك ‫في نفسي‪ ‬إحساساً بالمرارة‪ ،‬وإحساساً قوياً بعدم الاكتمال‪.‬‬

‫لماذا؟‬ 

لأنه‪ ‬ببضع كلمات ‬إذا كان هذا السيناريو، الذي أشادت به هيئة محلفين، كان يقدم‬ ‫بالفعل نقداً أساسياً للوضع السياسي المخيف في مصر السيسي‪ ،‬في المقابل‪ ‬فإن‬ ‫إشاراته بأكملها ترن مثل التأييد الأعمى والمأساوي، ‪محاولة لإضفاء الشرعية على‬ ‫القمع الذي يمارسه هذا النظام، ويقبل به ويدعمه حلفاؤه العرب والغربيون‪.‬‬

أولاً،‬ وربما فوق العوامل الأخرى، ‬لأن هذه الرواية للوضع المصري‪ ‬هي رواية‬ ‫مريحة للمشاهد الغربي (أشك في أن تتمكن أغلبية المصريين في الاندماج معه)، إذ إن‬ ‫المروية القديمة يعاد بعثها بشكل مزعج، وهي أن: الانقسام المصري ‪-‬ومعه العربي‪ -‬هو‬ ‫انقسام ذو طبيعة‪ ‬دينية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن العالم الغربي يضيع الوقت في هذا الوهم‪ ،‬فإني متيقن من جهتي أن ‫هذا الانقسام أصله المباشر سياسي‪ ‬وحول الديمقراطية‪.‬‬

‫هنا تأتي قصة الفيلم، الذي حصل على جائزة أحسن سيناريو من مهرجان كان ‪،2022‬‬ ‫ليؤكد السراب الأوروبي‪ ،‬معلناً أن مؤسسة التنازع ليس جيش عبد الفتاح السيسي‪ ،‬بل‬ ‫الجامعة الشهيرة الأزهر‪ ،‬التي توصف بأنها "أول مؤسسة للإسلام السني في العالم"‪.‬‬

‫الواقع في تقديري مختلف بشكل جذري؛ إذ منذ عبد الناصر‪ ،‬أُعلنت هذه المؤسسة‬ ‫المرموقة كمؤسسة "طاعة"‪ ،‬ويأكل شيوخها منذ عقود على موائد الديكتاتوريات‪،‬‬ ‫ويشكل هندستها (الذي نُقل عن مسجد إسطنبول) كما هندامها‪ ‬ظلٌّ بارد عما كانت‬ ‫عليه‪.‬‬

‫أخيراً وليس آخِراً‪ ،‬لكن الأشياء تأخذ ببعضها‪ ،‬نجد في السيناريو الذي نال إعجاب‬ ‫لجنة تحكيم مهرجان كان‪ ،‬أن البديل الأساسي المعارض في مصر والعالم العربي‪،‬‬ ‫يتلخص في صورة كاريكاتيرية مُجَرمة (مع أو ضد سيد قطب)‬ ‫دفع المشهد إلى هذا الكلِيشيه الفارغ والمتكرر‪.

الصبي من الجنة

‫بالنسبة لشخص كان من حظه قضاء وقت (ولو محدوداً ولكنه كافٍ) للتعرف في ‫إسطنبول على الوزراء المنفيين لمرحلة مرسي‪ ،‬أجد أن النموذج الذي اختاره مخرج‬ ‫الفيلم للإخوان المسلمين والمعارضة المصرية إجمالاً‪ ،‬هو نموذج شديد الاختزال‬ ‫والتضليل (يمكن أن نذكر هنا أن المعارضة الإسلامية حصلت على ‪ %66‬ من‬ ‫أصوات الكتلة الناخبة المصرية)‪.‬‬

‫هذا ليس أمراً مفاجئاً، ‬أن يتم استعمال العامل الأكثر نشراً في الإعلام، وهو ‬الخطاب الذي ‬‫يصدر عن طرف من اليسار العربي‪ ،‬والذي يشكل الأغلال الإقصائية لمنافسيه من‬ ‫الطرف الإسلامي‪ ،‬ويجد هذا الخطاب كل الترحيب والآذان المفتوحة حينما يقال أمام‬ الرأي العام الغربي المهيأ للإنصات، إذ إن وقع هذه الفكرة "برد وسلام" على قلوب‬ ‫الغربيين‪.‬‬

إن ‫اليسار‪ ،‬ينشرون هذا الرأي ويعتبرونه مبرراً‪ ،‬من أجل تحقير الفوز الانتخابي لمنافسيهم الإسلاميين، و‫يتصايحون باتهامهم بتغيير قواعد اللعبة‪" :‬إنهم يمرون من السياسي إلى الديني"‪.‬‬ ‫لكن ‪ الحقيقة أن‬هذه فقط شماعة لتبرير الفشل بدعوى أن الإسلاميين يرفضون السياسة ويذهبون للدين‪.‬‬ 

‫يجب الانتباه إلى أن استعمال الأحزاب السياسية الإسلامية ‪ لكلمات ومفاهيم وقاموس ديني لا يخرجهم من التنازع‬ ‫السياسي والتنازع على الديمقراطية‪.‬‬

إن بعض اليساريين يقومون ‬بإلقاء‬ ‫المسؤولية عن الانزلاق بين الديني والسياسي على غريمها الإسلامي‪.‬ وذلك ‫لتبرير عجزهم الانتخابي في سياق الربيع العربي.

‫لم يبدع هذا الخطاب المأزوم أي جديد يحسد عليه‪ ،‬فهذه الفكرة هي تحديداً ما تكرره‬ ‫كل الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة‪ ،‬من السيسي إلى الإمارات‪ ،‬بل أكثر من تلك‬ ‫الجغرافيا هي ما يتكرر في الإعلام والمشهد السياسي في أوروبا وأمريكا وإسرائيل‬ ‫وأيضاً روسيا!‬

‫يتطابق هذا الخطاب‪ ،‬أيضاً، ‬مع سِجل المخرج "الكبير" المصري الراحل يوسف‬ ‫شاهين‪ ،‬في تطابق كاريكاتوري‪ ،‬عبر فيلمه "المصير"‪ ،‬الذي تُوج بدوره في مهرجان كان عام 1997.. هل هذه صدفة مفاجئة حقاً؟!‬‬

إن أكثر ما ‫يحزنني كمشاهد لهذا الفيلم الجميل‪ ،‬أن يرى كل هذه المواهب‪ ‬وكيف يتم تدويرها‪،‬‬ ‫من أجل أن تحافظ على صمت وسلبية المجتمع الدولي‪ ،‬في وجه المأساة المصرية‪.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فرانسوا بورغا
عالم سياسة فرنسي
عالم سياسة فرنسي ومدير سابق للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى
تحميل المزيد