مع كل بداية جديدة هناك أمل جديد وأهداف نرجو تحقيقها، ولذلك يسعى كل فرد لاقتناء الأجندات والتقويم الخاص بالعام الجديد بأشكاله المختلفة والمرحة وتصميماته الخاصة التي تساعده على تدوين أهدافه ومتابعتها طوال العام حتى تتحقق، ولكن هل فكرت في مساعدة طفلك على التخطيط للعام الجديد كما تخطط لنفسك؟
في مقالنا التالي سنساعدك للتعرف على أهم استراتيجيات التخطيط، التي يجب أن تعلمها لطفلك وتساعده على اكتساب تلك المهارة في حياته منذ الصغر.
أولاً، لماذا سأشغل عقل طفلي الصغير بكل تلك التفاصيل؟
سؤال ربما يتردد في أذهان البعض منكم، فهناك من يعتقد أنه لا داعي لتعليم الطفل التخطيط وإشغال عقله بمسائل الكبار، فالأبوان يخططان نيابة عنه ضمن أهدافهما، والطفل فقط عليه تنفيذ ما يُطلب منه. والجواب بسيط، فمساعدة الطفل على تعلم مهارة التخطيط للعام الجديد وصياغة الأهداف بطريقة علمية مناسبة لعمره، وإرشاده إلى كيفية تحقيقها مع متابعته طوال العام، يضمن لك بناء شخصية قيادية مستقلة لطفلك، قادرة على معرفة ذاته، وبالتالي أهدافه، ويعلم كيف يحققها بتوكل وسعي وتناغم، دون تسويف، كما يعلم جيداً قيمة الوقت الذي هو حياته. أما إذا أردت طفلاً اتكالياً، يعتمد على الآخرين طوال عمره، ولا يعرف ما هي أهدافه، وكيف يحققها، أو كيف يدير وقته ويتغلب على معيقات الطريق، فما عليك سوى أن تخطط نيابة عنه دائماً.
متى أبدأ في تعليم طفلي التخطيط؟
عندما تتطور المهارات العقلية عند الأطفال ويدركون مفهوم الوقت بوضوح، وتظهر حاجتهم للتخطيط في حياتهم اليومية، مثل تسليم الواجبات المدرسية والاستعداد للامتحانات، وتنظيم الوقت بين الدراسة والرياضة والعبادات وغيرها، أو التخطيط للعطلة الصيفية مسبقاً وغيرها من الأنشطة اليومية والحياتية، ولا أرجح تحديد سن معينة، حيث تتفاوت القدرات العقلية بين فرد وآخر، فيمكن البدء بتعليم طفل ما من عمر 10 سنوات، بينما يمكن تعليم آخر من عمر 6 سنوات، وذلك وفق متغيرات فردية وبيئية كثيرة، ونترك تحديد ذلك للأهل.
ولا بد من معرفة أن التخطيط ليس هو التنظيم، فالتنظيم يمكن تعليمه للطفل من عمر صغير جداً، كأن يساعد والدته في ترتيب ألعابه، أو تجهيز مائدة الطعام وغيرها من الأنشطة التنظيمية البسيطة التي يستطيع كل طفل القيام بها وفق مستوى النضج لديه في المهارات العقلية والحركية، أما التخطيط فلا بد من التأكد من تطور المهارات العقلية خاصة عند الطفل كما ذكرنا ووضحنا سابقاً.
بُنيَّ العزيز: عليك أن تخطط للعام الجديد.. لكن لماذا؟
بداية، وقبل أن تشرع في تعليم طفلك التخطيط لا بد أن توضح له ما هو التخطيط وما أهميته، وكيف سيفيده التخطيط في حياته، ويجب أن تشرح له ذلك بأسلوب بسيط يناسب عمره، كأن تقول له إن التخطيط هو رحلتك في الحياة، يمكنك أن تنظم لها وتحجز مقعدك فيها، وهي ليست للكبار فقط، كما أن الناس لا يولدون مخططين بالفطرة، بل هي مهارة يمكنك تعلمها واكتسابها، وبيدك أن تجعل تلك الرحلة ممتعة إذا تعلمت أسرار التخطيط الناجحة وطبقتها، فيصبح سعيك ممتعاً ومتناغماً، وهي مهارة تتحسن كلما مارستها لفترات طويلة، حتى أنه يمكنك أن تساعد غيرك مستقبلاً وتعلمهم كيفية التخطيط الجيد، وكيفية السعي لتحقيق أهدافهم وتكون تلك وظيفتك ومصدر دخلك في الحياة كمدرب تحقيق أهداف ناجح.
وللتخطيط فوائد كثيرة يا بُنيَّ منها: أنه بوصلة حياتك، فيجعلك تسعى فيها بوضوح، مدركاً أهمية الوقت وكيف ستقضيه، وتختار أهدافك التي تود تحقيقها، وكما أنه يوفر عليك الوقت عند تنفيذها، فكما قال الخزامي: ساعة في التخطيط الجيد توفر لك ما يقارب ٣-٤ ساعات في التنفيذ، والشخص الذي يخطط لحياته فقط هو الذي يستطيع تغييرها للأفضل، والمخططون هم الذين يغيرون حياة الناس ويمثلون فقط ٢٪ من البشر، ويمكنك سرد تلك القصة القصيرة جداً له عن أهمية التخطيط، والتي تقول: يُحكى أن رجلاً يقف بالغابة ذات يوم، فمر عليه رجل يركب حصانه ويسير به مسرعاً، فسأله الرجل الواقف: إلى أين تتجه بكل تلك السرعة؟ فرد عليه الرجل: لا أعلم، اسأل حصاني فهو الذي يقودوني، فتعجَّب الرجل الواقف من الجواب. وفي الحياة كثيرون مثل هذا الرجل الذي لا يعلم أين يسير؟ ولماذا؟ ويقودهم شيء آخر ربما ليس الحصان وإنما أشخاص آخرون، عمل، دراسة أو حياة، ولكن المؤسف أنهم لا يعلمون إلى ما يسعون ولماذا؟ وهل تلك الوجهة هي المناسبة لهم أم لا؟ ومن هنا سيدرك طفلك أهمية التخطيط ببساطة، ولن ينساه، وسيعلم أن التخطيط يساعدنا على معرفة وجهتنا، وماذا نريد، ولماذا نسعى لها، ومتي وكيف سنسعى لها، وسنقود حياتنا بأنفسنا ولن نتركها لغيرنا أو للوقت والظروف، وسنعرف مع من يجب أن نقضي وقتنا، ومن يجب أن نقول له لا، وذلك لأن غايتنا واضحة، مخطط لها جيداً.
إذن كيف أعلّم طفلي التخطيط؟
أولاً: لو طفلي صغير بالسن:
الطفل الأصغر عمراً في الغالب لا يعلم معنى التخطيط، وبالتالي ستؤهله وتعلمه التخطيط من خلال تطبيقات حياتية عملية يومية، وذلك باتباع الاستراتيجيات التالية:
١-لماذا: درب طفلك على التساؤل بـ"لماذا" دائماً قبل عمل أي شيء، فمثلاً يود الذهاب لزيارة جدته أو صديقه، فاطلب منه أن يسأل نفسه لماذا يود الذهاب هناك؟ ما الذي سيستفيده من الذهاب؟ ماذا سيرتدي حين يذهب؟
٢-كم: علّم طفلك تحديد الوقت الذي سيستغرقه لفعل نشاط ما قبل البدء به، فمثلاً يود مشاهدة التلفاز أو اللعب على الهاتف، فاسأله "كم" من الوقت ستمضيه في اللعبة؟
٣-ما: أثر عقل طفلك للتفكير فيما يود أن يكون عليه مستقبلاً بالتساؤل بـ"ما"؟ مثلاً اسأله ما هي أحلامك المستقبلية؟ وبالطبع ليس متوقعاً من الطفل في عمر صغير أن يعرف ماذا يود أن يكون بشكل محدد، ولكن الهدف هنا أن نثير عقل الطفل بالتساؤلات التي تجعله يفكر في مستقبله، ويسعى للتخطيط له.
٤-ساعة الحائط: يمكن وضع جدول يومي بسيط للطفل الصغير سناً يتماشى مع "ساعة الحائط"، فيمكن تقسيم الأنشطة وفقها، فمثلاً الساعة السابعة موعد الفطور، الثالثة لديك تدريب السباحة، والثامنة سنتناول العشاء معاً. ويمكن إحضار ساعة حائط خاصة بالطفل تكون كل رقم بها ملون، فيربط بين الساعة الثامنة الملونة بالأحمر مثلاً وموعد تناول العشاء.
وهكذا سندخل في يومه وحياته مفهوم الوقت والتخطيط له بشكل بسيط يناسب عمره، وتنمي شخصيته، كما أن الطفل سيتعلم أن يفكر في الهدف مما يقوم به ويخطط له دوماً بشكل مسبق، وكيف يجعل لحياته معنى وقيمة ويستفيد من وقته، حتى لو كان للمرح.
ثانيا: لو طفلي كبير بالسن:
لا نحتاج لاستخدام كلمات كبيرة وغير مفهومة للحديث عن التخطيط، حتى لو كان طفلك كبيراً بالسن ويدرك ما تقول، ولا أحتاج أيضاً كتربوية فعل ذلك لأوضح كم أن الأمر مهم، فالبساطة في اختيار الكلمات وأيضاً في التخطيط للأهداف هو سر السعي بتناغم وطمأنينة، وأذكرك أن دورك كمربٍّ هنا سيكون مجرد مرشد وموجه وداعم فقط لطفلك، ودعوني أخبركم كيف نحقق ذلك مع أطفالنا الأكبر سناً:
١-المجالات: أخبر طفلك أن يحدد أولاً المجالات التي سيركز عليها هذا العام في سعيه، واشرح له ببساطة أن المجال هنا مثل الأسرة التي تحتوي أفراد داخلها، فمثلاً عندما نقول إن المجال الأول هو الصحة، بالتالي يجب وضع هدف داخلها مثل الغذاء المتوازن. واطرح عليها سؤالاً حول كيف نحيا بتناغم؟ واستمع لإجاباته بإنصات وحب، ومن ثم يمكنك إرشاده للمجالات التي تجعل حياتنا متناغمة، وهي: الدين-الصحة- الأسرة- المجتمع-التعلم- العمل، ومنها ننطلق لوضع أهداف تتعلق بكل مجال.
٢- الأهداف: وجّه طفلك هنا لاختيار هدف واحد فقط سيسعى لتحقيقه طوال العام، وأن العبرة ليست بالكثرة، وإنما القليل الدائم حتى يستطيع اكتسابها كعادة تعينه لبقية حياته، وحتى يستطيع إنجازه أيضاً ويشعر بالتناغم والمرح والطمأنينة أثناء سعيه.
٣- الذكاء: والمقصود هنا ليس ذكاء الطفل، وإنما ذكاء الهدف، ولكي يجعل هدفه ذكياً يجب أن يتحقق في الهدف شروطا هي: (محدد- واقعي- قابل للقياس- متصل بالمجال- مزمن)، وتعالوا أوضح لكم ذلك بمثال: (سأسبح كل يوم اثنين وخميس لمدة نصف ساعة في النادي).
في هذا المثال تم تحديد نوع الرياضة التي سيمارسها، ووقتها، ومتصلة بمجال الصحة، وهو هدف واقعي يمكن قياسه ومعرفة هل تحقق أم لا من خلال تزمينه بوقت وأيام محددة، وبذلك تكون توافرت الشروط الخمس لجعل الهدف ذكيا.
٤-كان وأخواتها: لأن الكلمة لها قوة تأثير سحرية في الإنسان، فلقد أوصى العديد من العلماء ومدربو الأهداف بأن صياغة الهدف في الزمن الماضي تحفز العقل على تحقيقه، وتزيد من ثقة الفرد بنفسه وقدراته، ففي المثال السابق مثلاً يمكن صياغته كالتالي: "مارست الرياضة كل يوم إثنين وخميس لمدة نصف ساعة بالنادي".
٥-سر النجاح: بعد إتمام المراحل السابقة وإتمام صياغة الأهداف، سيتم هنا توزيع الأهداف على المدار الزمني وبناء جدول مهام يومية، أسبوعية، شهرية، مع تذكيره بأن الالتزام بأول شهرين من الروتين يساعده على بناء عادات حياتية، وأن الروتين هو سر النجاح.
٦- سر الاستمرارية: بالطبع ستواجه الطفل عقبات أثناء طريقه لتحقيق أهدافه، وهنا يجب أن نرشده للتفكير في كيفية حل المعضلة بدلاً من التخلي عن الهدف، وإذا أراد تغيير شيئاً ما فيكون الطريقة بدلاً من الهدف، ولأننا لا نكون في أحسن أحوالنا طوال الوقت لمساعدته، فأنصح بكتابة قائمة مسبقة مقسمة لجزأين يجيب عنهما الطفل وهما: ما الأشياء التي أفعلها وتعيق من سعيي لتحقيق أهدافي؟ وما الأشياء التي أفعلها وتجعلني سعيداً وأستطيع العودة بنشاط لهدفي بعدها؟، فتجهيز تلك القائمة مسبقاً وتعليقها بمكان مرئي بالغرفة سيساعده على الرجوع إليها وعلاج المشكلة أسرع، لأن العقل وقت المشكلة والإحباط لا يستطيع تذكر السبب الحقيقي وراء الأمر.
٧- سر الإنجاز : لكي يتعلم الطفل كيف يلتزم بإنجاز أهدافه، فلابد ألا يؤجلها، وليفعل ذلك لابد من أن يتعلم كيف يقضي على التسويف، وذلك من خلال فهم السبب الحقيقي الذي يجعله يسوّف فعل مهمة ما، وغالباً ما سيكون هو عدم شعوره بالأمان تجاهها بدليل أنه ينجز مهام أصعب قد لا يحبها، وبالتالي يجب إرشاده لحل شعوره بعدم الأمان تجاه تلك المهمة، كما يجب أن يتعلم تقنيات القضاء على التسويف وهي: الحذف، التفويض، التحويل، التصغير، التأجيل، الإتمام، التقبل، فيحذف غير الضروري من مهامه، ويفوض مهام غير قادر على فعلها لغيره، ويحول أخرى لا تتطلب وجوده ليقوم بها شخص آخر، والتصغير هو الالتزام بعشر دقائق رياضة مثلاً، بدلاً من نصف ساعة، وأما التأجيل فيكون لبعض المهمات غير الملحة وغير العاجلة، والإتمام فيكون للمهام التي لا يمكن تأجيلها، وفي النهاية التقبل، أي تقبل ذاته ويؤمن بقدرته على الإنجاز وألا يربط حبه لنفسه بإنجازاته، فيتقبل جزءاً كبيراً منه بغض النظر عما أنجزه أو لم ينجزه، والتفكير بذلك الشكل قادر على أن يشعره بالراحة ويدفعه للإنجاز.
ختاماً، يجب ألا تكون حياة الطفل ضاغطة موترة، بل يجب أن نرشده للسعي نحو أهدافه بتوكل على الله، ومرح يهوّن عليه التعب، وأيضاً بتناغم بين أهدافه وحياته، وبذلك تكون حياته أقرب للسواء النفسي بإذن الله، ودمتم سالمين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.