“التبادل الثقافي كذبة سياسية”.. متى يستفيق المثقف العربي ويتحمل مسؤوليته؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/04 الساعة 10:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/04 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش

يُبنى مفهوم التعايش والسلم الدبلوماسي في العصر الحديث على أسس التبادل الثقافي والتلاقح الفكري بين سكان كوكب الأرض على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم وألسنتهم، ولكن هذه الأسس التي يفترض أن نبني عليها عالماً خالياً من النزاعات السياسية والعنف الذي ينتهك كل يوم قدسية الحياة لا توجد إلا في واقع أفلاطوني موازٍ لعالمنا.

هذا التبادل الثقافي الذي يرى فيه حلفاء التيار العقلاني والدبلوماسي حقنة تكسب العالم بأسره مناعة ضد الكره اللامبرر للآخر ليس سوى كذبة سياسية ابتاعها من عجز عن قراءة ما وراء السطور أو مجرد النظر إلى أحوال العالم حيث اختلت موازين القوى وعمّت فوضى عارمة.

إذا كان المفكر العربي اليوم -الذي يعاني من عقدة نقص فادحة- يكاد ينسلخ عن هويته ولغته وانتمائه طمعاً في مجد بلاد الغرب، وإذا كان يمجّد أفكار المثقف الأوروبي ويردد أقاويله ويحفظها عن ظهر قلب بينما يحجم أفكار أبناء جلدته ويشكك في صحة العلوم التي تمخّضت عن سنوات مديدة من الحضارة العربية والإسلامية، فإن المواطن الغربي لا يزال متمسكاً بلغته وثقافته بالرغم من اطلاعه على ثقافة بلاد الشرق ومعرفته المحدودة -التي لا تخلو من مغالطات وصور استشراقية عنصرية- عن هذه المنطقة الجغرافية. ومع ذلك تجد المواطن العربي الذي لم يعلن بعد فترة هدنة في حربه على هويته يرهف السمع ويتحرى الإصغاء والإنصات لخبراء جيو-سياسيين يحللون مآسينا وأحزاننا العربية كما يحلو لهم دون حسيب أو رقيب، يشيطنون مجتمعاتنا ويتطاولون على قيمنا فيما تظل قيمهم النيوليبرالية بعيدة كل البعد عن متناول الناقد والمفكر العربي المتقوقع على ذاته والمهووس بتمجيد بأنظمة سعت في خراب الإنسان العربي أكثر مما سعت في إصلاح أوطانها. يبدو واضحاً وضوح الشمس لمن يطلق العنان لفكره أن التثاقف الذي أصابنا به هوس شديد يسري في اتجاه واحد فحسب.

وماذا بوسعنا أن نفعل إذن بعد أن ندرك حجم الفخ الذي وقعنا فيه؟ هل نستسلم ونسلم بحتمية زوال الثقافات التي تفشل في الحفاظ على تماسكها وعلى استمرار تناقلها عبر الأجيال؟ هل نعمد إلى تقمص دور الضحية متجاهلين مسؤوليتنا ودورنا في هذا المصاب الجلل؟

هل ندع أزمة وجودية تغدي كُرهنا للآخر؟ من المؤكد أن سياسات الهوية لن تنتشلنا من كابوس الهيمنة الثقافية وإنما ستساهم في خلق كابوس "آخر" لأناس "آخرين"، ولهذا فإن هاته الاحتمالات ليست واردة البتة. الحقيقة أن الحل الأكثر نجاعة لهذه الأزمة لطالما كان قريباً منا للغاية ولكننا عمينا عن رؤيته.

إن التخلص من الكسل الفكري الذي اجتاح العالم العربي هو سبيلنا الوحيد للنجاة من هذا الجحيم. لقد ولَّى زمن كان فيه المفكر الأوروبي يضع كلماته المختارة بدقة في ثغر الإنسان العربي ليصنع منه كائناً متخلفاً عن ركب الحضارة ويجرّده من إنسانيته. الآن يملك المفكر العربي كل الآليات المادية والمعنوية الكافية ليجيب عن أسئلة العصر من منظوره الخاص الذي يعكس قيم مجتمعاتنا متحدياً بذلك تلك النظرة الدونية وذلك الإقصاء الفكري، بل وحتى الأنظمة العربية الرجعية التي هي الأخرى خاضعة لتبعية ذليلة لدول أغنى وأقوى. إن المفكر العربي المعاصر قد أثبت استحقاقه وبجدارة للثناء والتشجيع، وتوصل أخيراً إلى أن القلم بحد ذاته وسيلة للمقاومة بوسعها أن تنفض الغبار عن المجد التليد للأمة العربية وتقوم بإحياء الحماس وعلو الهمة في نفس القارئ العربي مهما بلغ به اليأس. 

على الكاتب والمفكر العربي أن يحمل على عاتقه مسؤولية محاربة قابلية الاستعمار وعقدة النقص التي اجتاحت الوطن العربي ويخط حروفاً تتماشى وصدق إخلاصه لقضايا الأمة، عليه أن يكون صوت المستضعفين لا منبر الطبقة الحاكمة وفاشييها، وألا يرضى بإسكات أصوات صدحت بالحق أو بمساومة المتلاعبين بالألفاظ على القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العادلة التي لا تقبل الحوار ولا النقاش، فمجرد التنازل عن الموقف الصارم تجاه الظلم يعد تواطؤاً جريئاً مع قوى الشر. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آية العنزوق
كاتبة مغربية في مجال التاريخ والفلسفة
تحميل المزيد