هل شعرت يوماً بنوع من الضيق الشديد يتملكك؟ وهل حددت العوامل التي تؤدي لهذا الضيق؟ وهل وجدت علاجاً له؟ وهل شخصت المسؤول عن كل ذلك من قبل؟
ضاقت النفوس وحبطت الأعمال، ولم تستطع الأنفس أن تخرج من عثراتها، تستغيث هل من مجيب، تستنجد بمن حولها.. بالنفوس الأخرى.. وما من مجيب؛ لأن العلة إذا لم يُعرف سببها لن تزول أبداً، فضيق النفس يسببه الإحباط وكثرة الخذلان، فالإحباط فيروس قاتل، يستنفد طاقة الإنسان، ويضعه في كسل ويأس، ينهش في الأمم، فتبقى في مرتبة مخزية ضعيفة، تحاول أن تنهض، لكن الإحباط يثبطها يوماً بعد يوم، فالإحباط ليس شعوراً يوصف أو كلمات تقال، بل هو شيء أسود مظلم، كعتمة الليل، يعرفه كل من مر به، واستشعره بكل جوارحه، حتى الأجساد القوية يصيبها، لكن القوة هنا ليست قوة أجساد؛ بل هي قوة قلوب ونفوس، فيبقى من حظي بقلب قوي يفتك بكل سوء، ويضيء كل عتمة، فيا حسرة على من امتلك قلباً ضعيفاً هيناً سيغرق في وحل الظلمة واليأس والإحباط.. ولكن هل هناك حلول؟!
تعريف الإحباط
هو شعور الإنسان بضيق وعتمة، وضعفٍ في التركيز واتخاذ القرار، ويولد هذا الشعور عبر مواقف متتالية متكررة سلبية، إما داخل محيط المحبط أو خارجه، فتؤثر في القلب بالحزن والقهر.
هل هناك أسباب لهذا الشعور، أم يأتي فجأة دون مقدمات؟
بعض أسباب الإحباط
أولاً: عدم التقدير الكافي
عندما يفني الإنسان نفسه في عمل ما، ويجتهد ليظهر عمله للنور، وبعد كل هذا لا يرى ما يقدر عمله، فستذهب كل أعماله هباءً منثوراً في مهب الريح، يشعر حينها أنه معدوم، بلا أي قيمة، الإحباط يتغلغل إلى نفسه وقلبه فيهلكهما دون رحمة أو رأفة.
ثانياً: المادة والوضع الاقتصادي
يغوص المرء طوال حياته ليكفي أهله مادياً ونفسياً، يسعى لأن يوفر لهم جميع سبل العيش المريحة، إذا بلغ الأمر أن يحرم نفسه ويعطي أهله سيفعل، فرؤية أحد أطفالك في جوع أو احتياج تنشر الذل والقهر للرجال، وتبعث في القلب الضيق والوهن، فكل ما يزيد الوضع المادي والاقتصادي سوءاً.. تزيد المرارة والإحباط وقلة الحيلة، فالأمران يتناسبان طردياً.
ثالثاً: عدم فهم طبيعة الحياة
قلة الوعي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين البشر في هذا العصر، وظهور إنجازات وهمية على السطح، بأموال أو ممتلكات، أو بأي إنجازات لا تمت للنجاح بصلة غير أنها زيادة لعدد المتابعين وعدد الإعجابات والتعليقات، فكل هذه الأمور عندما يراها الشخص السطحي الذي لا يمتلك وعياً كافياً لطبيعة السوشيال ميديا أو الزيف الذي ينتشر بسببها، سيؤثر عليه وسيحبط، وسيرى نفسه دوناً عن مشاهير السوشيال ميديا، فهو لا يمتلك الشهرة أو المال أو عدد الإعجابات التي يمتلكونها، بعد كل هذا ستضيق عليه الدنيا بما رحبت، وسيشعر أنه لا شيء، على الرغم من أنه من الممكن قد حقق إنجازات على أرض الواقع، لكن عندما تتملك العقل فكرة خاطئة فمن السهل أن يقع الإنسان في ظلمة داخلية.
رابعاً: السقوط المفاجئ
في مرحلة ما يصل الإنسان إلى ذروة النجاح الذي تمناه، إما دراسياً أو عملياً، أو عاطفياً.. إلخ، لكن ليست المشكلة هنا، فالمشكلة هو بعد هذا النجاح يشعر الشخص بسعادة، ثم بعد فترة قصيرة تقل هذه السعادة تدريجياً؛ لأنه توقع أن السعادة ستبقى إلى ما لا نهاية، وأن وصوله لهذه النقطة التي تمناها من النجاح هي التي ستحول حياته إلى جنة على الأرض، فيدخل في دوامة من الإحباط التدريجي الذي يصحبه الاكتئاب، ولا يخرج من هذه الدوامة إلا إذا وصل لنقطة أخرى يشعر بها بنشوة السعادة السابقة.
خامساً: فقد العادة
يعيش معظم البشر في دائرة مغلقة من العادات اليومية التي يطلق عليها الروتين، فالاستيقاظ يومياً مبكراً للعمل أو الدراسة الجامعية أو المدرسية يخلق في النفس نوعاً من الروتين الغريب يتعود عليه الإنسان بعد فترة وجيزة، حتى إذا أراد الراحة فبعد مدة قصيرة يريد أن يرجع إلى روتينه الخاص ليشعر أن فراغ يومه ممتلئ، وأن حياته فيها نوع من العمل والإنجاز، إذا انتقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة كتغيير روتين ما، مثل التخرج من الجامعة أو الذهاب إلى التعاقد من العمل سيشعر حينها ببعض الأحاسيس السلبية، كالإحباط والاكتئاب بسبب خروجه من دائرة الروتين الخاصة به.
رأينا في السطور السابقة بعض أسباب الإحباط الحياتية التي تفتك بالإنسان، ولكن هل هناك حلول لتثبيط تلك الأسباب ومحوها في نفس الإنسان؟
بعض الحلول لتفادي الإحباط:
أولاً: فهم دائرة الحياة
فكما يقال: "يوم لك ويوم عليك"، فالحياة ليست دائماً سعيدة، هناك أحزان وسقطات، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، فالإنسان إذا لم يعِ أن التعب والإرهاق والمآسي جزء من حقيقة الدنيا، فلن يشعر أبداً بالجانب الآخر من الدنيا وهو السعادة والرضا، وسيغرق في ظلمات الإحباطات، إنما عليه أن يتقبل آلام الدنيا لتقل وتزول، وتظهر السعادة في حياته مرة أخرى.
ثانياً: اللجوء إلى الله
الإنسان في هذه الحياة لا حول له ولا قوة، فالله هو المعين الذي يمد الإنسان براحة البال، فاللجوء إليه في وقت الضيق هو الهدف الأسمى الذي يفرج أي هَم أو تعب أو إحباط الذي يكون كالسجن في حياة الإنسان ويعميه عن النعم التي يمتلكها.
ثالثاً: خلق روتين
الروتين وملء الفراغ هو حاجة ملحة لملء القلب والنفس، فخلق روتين كقراءة يومية أو ممارسة الرياضة، أو مشاهدة ما يملأ قلبك بالمتعة والتشبع، فذلك يجعلك ناسياً لهمومك، متذكراً لما يسعدك، فيقتل التوتر والضغط، اللذين يؤديان في آخر المطاف للإحباط والاكتئاب.
رابعاً: طلب النصيحة
في أحيان كثيرة يقف الإنسان عند مفترق طرق، ولا يدري ماذا يفعل أو أين يذهب، ففي هذه الحالة من الحكمة أن يطلب الشخص من أحد يثق فيه نصيحة أو مساعدة تعينه على حل مشاكله، فالبشر لبعضهم البعض عون ودفء، فعندما تتوقف عقولنا عن التفكير السليم نحتاج بلا منازع لعقول أخرى خارج دائرة مشاكلنا؛ لترينا حلولاً لم تخطر على بالنا قبلاً.
خامساً: تجنب السموم
أن يسمع الشخص السموم السلبية يومياً يثبط من عزيمة المرء، ويشعره أنه مهما فعل لن يفلح، فتجنب سماع تلك السموم المحبطة يقلل من خطر تغلغل الاكتئاب أو الضيق إلى النفس، ويجعل الغمامة التي تغطي العين تختفي، فيظهر النور الذي يضيء القلب والنفس.
الإحباط نابع من الداخل، هو كالشعلة التي يمكن أن تنطفئ بالماء، فعندما تزول تلك الشعلة تهدأ، ولكن إذا جعلتها تستمر في الفوران كالبركان تحرقك، وتصبح كالرماد، فتسْود حياتك، ولكن إذا أخمدتها فور إشعالها ستعيش هانئاً بلا ضيق أو تعب يعكر صفو حياتك كلها، فالتحكم في شعلة الإحباط هو الذي يحدد مسار حياتنا إلى الأبد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.