هناك أعمال درامية تبقى لوقت طويل، لا ترتبط مشاهدتها بتوقيت صدورها وحسب، ولكنها تبقى كأثر دال على العام بالكامل، نستعيده فنستعيد الزمن والمشاعر والأجواء ذاتها، أردت أن أنظر إلى حصاد العام 2022 الدرامي، وسط عدد ضخم من الأعمال الدرامية، وسألت نفسي: ما المسلسلات التي يمكنني تدوين أسمائها لمشاهدتها لاحقاً دون أسف على وقت ضائع، مسلسلات تركت داخلي شعوراً ما، أو ربما أثراً، أرغب في العودة إليه بين الحين والآخر، هكذا راجعت القوائم الطويلة للمسلسلات التي جرى إنتاجها على مدار العام، وانتهيت إلى عدد قليل أرشحه لك، إن لم تكن شاهدتها من قبل.
الغرفة 207
عادة ما تبدأ القوائم من الأقل قوة إلى الأكثر قوة، لكنني هذه المرة سأخالف القاعدة، هذه المرة سأكتب عن مسلسل "الغرفة 207"، من إنتاج منصة شاهد السعودية، برأيي هو الأقوى هذا العام، ليس لأني من القراء المخلصين جداً للمؤلف الأصلي للقصة، وهو الدكتور أحمد خالد توفيق، ولكن بسبب التنفيذ المتقن للغاية لهذا العمل، الذي يدفعك للتركيز بقوة في كل تفصيلة، فلا ترى به أثراً لجمل من عينة "المخرج عاوز كده"، ولن تعثر على أخطاء تقريباً يرصدها المشاهدون أو المهتمون بالتقاط الهفوات، هذا عمل متكامل، جديد من نوعه، وقوي جداً أرشحه بقوة.
في الكتاب الأصلي الذي يبلغ عدد صفحاته 79 صفحة، يقول أحمد خالد توفيق: "بالإضافة إلى قصص دفن الأحياء، على كل كاتب رعب أن يقدّم قصة واحدة على الأقل عن غرف الفنادق المسكونة، لأن غرف الفنادق أماكن مخيفة بطبعها، تخيل كم من الناس نام في الفراش قبلك؟ كم منهم كان مريضاً؟ كم منهم كاد يفقد عقله؟ كم منهم كان يفكر في قراءة بضع آيات أخيرة من الكتاب المقدس الموضوع في درج الكومود بجوار الفراش قبل أن يشنق نفسه في خزانة الملابس بجوار التلفزيون؟ بالفعل غرف الفنادق أماكن مرعبة، وأكثرها إرعاباً هي الغرفة 207.. في هذه الغرفة تحتشد أشنع مخاوفك التي أخفيتها حتى عن نفسك منذ كنت طفلاً، في هذه الغرفة يتلاشى الحاجز بين الحقيقة والوهم، بين المخاوف المشروعة والكابوس، في هذه الغرفة يتلاشى الحاجز بين الماضي والمستقبل، وبين ذاتك والآخرين، لا تتلصص ولا تختلس النظر عبر ثقب المفتاح، فقط فلتُدر مِقبض الباب في هدوء وحذر، ولتدخل الغرفة رقم 207".
هكذا انتقل صناع العمل بأعمال الرعب التي اعتاد المشاهدون أن يكون مصدرها أمريكياً أو أوروبياً، إلى رعب مصري خالص، اعتبره البعض "طفرة"، تدور أحداثه في محافظة مرسى مطروح، تتسع عينا المشاهد وهو يتتبع التفاصيل، اللوحة المعلقة على الجدار، المذكرات، التماثيل، كل وأي تفصيلة تحمل معنى قوياً، مسلسل أتقن لأجله الممثلون اللغة الإيطالية، واستطاع كل من السيناريست تامر إبراهيم، والمخرج محمد بكير أن يصنعا لوحة متكاملة متقنة وممتعة، تحبس الأنفاس، وتعِد أصحابها بمزيدٍ، في انتظارهم في جزء قادم ربما ينتظرهم في العام 2023.
"الكبير أوي" الجزء السادس
هذا مسلسل لا يموت، أتخيل مشهد أحفادي وهم يجتمعون حول الطعام في أحد الأيام، ربما أكون موجودة أو لا، لكنني أراهم منذ هذه اللحظة حول مسلسل، ما إن تهدر موسيقى مقدمته حتى تشيع البهجة على وجوه الجميع، سيظل -برأيي- يجمع الناس حوله، يُضحكهم ويمنحهم ذكريات جميلة مجاناً مع كل مشاهدة جديدة، أو على طريقة المثل المصري الشهير "تدبل الوردة وريحتها فيها".
بعض الأعمال الدرامية لن تكفّ عن إضحاكك أبداً، كما هو الحال مع أعمال إسماعيل ياسين، أتحدث عن هذه الكوميديا البريئة، غير المحملة بإيحاءات جارحة، وحتى وإن حملت إيحاءات فهي مضحكة أيضاً، الجزء السادس من مسلسل الكبير أوي واحد من تلك المسلسلات، ستة أجزاء يعمل صناعها حالياً على الجزء السابع، من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وصفة هادئة للتخلص من الاكتئاب، هكذا يخطفك التتر فتستعيد ذكريات 6 أجزاء مضت، يمتعك بأحداث مضحكة للغاية، متحدياً غياب إحدى أبرز الأبطال وهي دنيا سمير غانم، ومؤكداً على أن الكتابة الجيدة قادرة على الإمتاع، لذا برأيي فإن حالة "الاكتساح" التي حققها المسلسل هذا العام سوف تدوم لأعوام قادمة، حيث كلمة السر في البطل والصانع الأول للمسلسل أحمد مكي.
مكتوب عليّا
قليلة هي المسلسلات التي تنجح في رسم الابتسامة على وجه أمي، بالنسبة لي هي مسلسلات عزيزة جداً، في زمان صارت فيه القدرة على الإضحاك صعبة جداً، صار أكرم حسني معتمداً بالنسبة لي كممثل كوميدي، يصلح لأوقات الحزن والإحباط، هكذا نشاهده فنضحك من القلب، وعلى الرغم من البطولة المطلقة الأولى تقريباً له هذا العام، فإنه استطاع احتمالها بقوة، بقصة مميزة لشخص يستيقظ في كل يوم، ليجد مكتوباً على ذراعه أحداث اليوم.
المسلسل الذي حقق نسب مشاهدة لا بأس بها حقق معادلة صعبة بأغنية ضمن الأحداث، صارت ضمن الأكثر استماعاً، وصارت أيضاً المفضلة لابنتي الصغيرة، أغنية تسطيع تهدئة غضب صغيرتي حين تخرج الأمور عن السيطرة، أغنية "ستو أنا"، والتي حظيت وحدها بملايين من مرات الاستماع، مروراً بكمّ "الإفيهات" و"المواقف" التي ظلت بذات القوة والقدرة على الإضحاك من بداية المسلسل وحتى الحلقة الأخيرة، لن أقول إنه مسلسل عميق، ولكنه ليس في خفة وتفاهة أعمال أخرى تُصنف على أنها كوميدية، لم أكن أحتمل استكمال مشهد منها لآخره، رغم الكوميديا، شعرت بلوعة شديدة حين كادت والدة البطل تموت، وتعاطفت معه كثيراً حين كاد هو نفسه يموت، حين اختقنت بالدموع علمت أنه نجح بامتياز.
العيلة دي
محاولات عديدة شهدتها الدراما المصرية لتكرار "حالة" الجزئين الأول والثاني من أبو العروسة، فكرة استعادة الأجواء العائلية الحميمة، والمواقف اللطيفة، بعيداً عن الانحرافات، والجرائم، وأجواء المخدرات، حتى إن صناع المسلسل أنفسهم حاولوا تكرار الحالة من جديد في الجزء الثالث، لكنه لم يكن أبداً بقوة الجزئين الأول والثاني، كان لدي ما يكفي من الأسباب لأكره الجزء الثالث، المحاولة ذاتها تكررت في مسلسل "إيجار قديم"، لكن لم يكن أبداً بالقوة الكافية، لكن مسلسل "العيلة دي" استطاع أن يضع مشاهديه، وأنا منهم، في الحالة ذاتها، وأن يتصدر الترند أيضاً، معادلة صعبة لمسلسل عائلي لطيف، بين التأثر الشديد والضحك الصافي، أواصل مشاهدة المسلسل الذي يحمل من المفارقات والتفاصيل ما يجعله واحداً من مسلسلاتي المفضلة لسنوات قادمة.
ربما من الأمور غير الملحوظة التي قدّمها هذا المسلسل الدور المختلف تماماً لـ"الحماة"، هذه المرة ليست شريرة ولا ظالمة، ولا مستفزة، هذه حماة تقدم دورها القديرة إنعام سالوسة، ويندر تقديم النموذج الخاص بها على الشاشة نموذج الحماة الأم، السيدة المنصفة الجادة، الطيبة دون سذاجة.
منعطف خطر
قارنت بين مسلسل الثمانية ومنعطف خطر، يندرج كلاهما تحت بند الإثارة والتشويق، كما أن تكاليف إنتاج الأول تبدو أضخم لفرط الفخامة والضخامة، لكنني حين أردت مسلسلاً يمكنني العودة لمشاهدته مرة أخرى وجدتني أختار منعطف خطر، من إنتاج منصة شاهد الأصلية، دون تردد، وأملك أسباباً لهذا، أهمها الصدق الشديد والإجادة والأداء الاستثنائي لأبطال المسلسل، دراما حقيقية، وتشويق من حلقة لأخرى، حتى إنه قد ظهرت مجموعات عبر مواقع التواصل لتخمين مَن القاتل، وظهرت آراء مع وضد، أما أنا فقد كنت أتوقف طويلاً أمام الأداء الرائق للممثلين، ينقبض قلبي تارة، وأبكي تارة، وأشعر بالخوف والتوتر، هذا عمل جيد جداً حقاً.
جزيرة غمام
ما سأحكيه عن هذا المسلسل شخصي تماماً، صحيح أن المسلسل المصري الشهير حصد 6 جوائز كبرى، ووُصف بالملحمة السحرية، لكنني سأتحدث عما يتعلق بي أنا، فأنا كلما سمعت موسيقى هذا المسلسل انقبض قلبي، وصرت أدخل إلى ذات الحالة من جديد، هي ذاتها الحالة التي دخلت إليها قبل عشرات السنوات في مسلسل حديث الصباح والمساء ولم أخرج، حالة من التجرد عن كل شيء، حالة من الشعور باللاجدوى للصراعات والأزمات، أو على غرار الجملة الشهيرة "كله رايح".. هكذا أجدني أرغب في البكاء، ربما على نفسي أو على الحياة التي لا تساوي الكثير، أو على هذا الكم من الشقاء الإنساني بين لحظتَي الميلاد والوفاة، حيث كل شيء حرفياً يتكرر بالكيفية ذاتها من جديد في دائرة لا نهائية.. هذه أعمال للعمر، تنتمي إلى منطقة لا تطرقها الكثير من الأعمال الدرامية بذات القوة والتمكن، استطاع هذا العمل غسل عيني بكادرات متقنة وجميلة، أزال عني كثيراً من قبح الواقع، وكذلك فعل مع نفسي.. أحب جزيرة غمام، ربما لن أقوى أن أذهب بإرادتي لمشاهدته من جديد، لكنني إن رأيته على الشاشة فسوف أتوقف وأنصت وأسهب في الشعر بالتجرد والزهد في كل واي شيء من جديد، ربما لهذه الأسباب وأكثر عليك مشاهدته إن لم تكن قد شاهدته من قبل!
البيت بيتي
بعيداً عن البؤس، والأخبار الحزينة، يستحق المرء بعضاً من الضحك، ولأن الواقع بائس بما يكفي، بين موجات التعويم، وحروب وأوبئة، أجد أنه من الجيد جداً أن أحتفظ بقوائم أطول لمسلسلات كوميدية قوية، كمحاولة للتعافي، لن أتردد في إضافة مسلسل البيت بيتي لها، المسلسل الذي ينتمي لفئة الرعب الكوميدي، خرج بطريقة لائقة جداً، أنتجته منصة شاهد السعودية، وتصدّر المشاهدات وقت صدوره، ولا يزال المشاهدون ينتظرون جزءاً جديداً منه في العام الجديد، وأنا معهم، حيث صار الضحك الصافي من القلب عملة نادرة جداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.