كيف أصابتني متابعة البلوجرز على السوشيال ميديا بأزمة نفسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/22 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/05 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش

كانت الساعة الثانية صباحاً تقريباً، بينما كنت أقوم بترتيب بعض الكتابات التي عليّ تسليمها في اليوم التالي، أفكر أنني لن أتمكن من النوم قبل أن يحل الصباح، فأبحث عما يمكنني طهيه ولا يستغرق الكثير من الوقت حتى أتمكن من الاستيقاظ قبل موعد رجوع أفراد الأسرة بساعة، وإتمام تجهيزه لتقديم وجبة شهية. وقع اختياري على إحدى الدجاجات المخزنة بتتبيلتها في الفريزر… أخرجتها "لتفك" حتى أتمكن من طهيها وتجهيزها في اليوم التالي.

لا أتخيل شكل الحياة دون وجود بعض الأكل المخزن والجاهز على التسوية، الحلول السريعة التي تنتهي عندها الحيرة وتنقذك في المواقف الصعبة. لكن لأن اختيارات الناس في ذلك العالم غير محدودة بالطبع وأولوياتهم غير متشابهة، فقد خرجت علينا إحدى البلوجرز في فترة ما لتخبرنا بأنه على الرغم من احترامها لمن ينتظر الفرخة لتفك إلا أنها لم تتصور أبداً شكل حياتها بأن يكون أقصى "طموح" لها بأنها "قاعدة مستنية الفرخة تفك".

البلوجرز

لا أعرف البلوجر ولم أشاهدها ولا أعرف ولا أنوي البحث عما تقدمه من محتوى بالحقيقة، لأن ما قالته يكفي..

هل تنتظم الحياة من دون بعض الأفعال مثل "فك الفراخ"؟

دعني أطرح عليك سؤالاً، ما هي الأعمال التي لا يمكن أن تتصور شكل الحياة اليومي وانتظامها من دونها؟

بالنسبة لي، لا بد من وجود منزل نظيف، وطعام مطهو جيداً، وملابس نظيفة ومهندمة… تلك الأمور اليومية التي تساعدني وتعينني لأن أسد احتياجاتي الأساسية، ومن ثم أشرع في تحقيق المزيد. مثل العمل والإنجاز والكتابة ومعرفة أصدقاء جدد وود أقارب وتربية الأطفال والعناية بالزوج… لكنني بالتأكيد يمكنني أن أتخيل يومي دون متابعة الفيسبوك ومشاهدة الإنفلونسرز المختلفين.

أعتقد أنه من الممكن أن تحدث بعض التغيرات في أولويات الأفراد، لكن يأتي سد الاحتياجات الجسدية الأساسية على رأس أولويات أي فرد طبيعي، لكي يتمكن المرء من المحافظة على غريزة البقاء ثم ينطلق في ممارسة شؤون الحياة.

أما عن التقليل ممن يقوم بتلك الأفعال فهو يدل على فكر ضحل وتفكير مختل، يشبه تفكير المراهقين الذي يعلنون تمردهم على أي شيء مهما كان طبيعياً ومنطقياً ولا تستقيم دونه الحياة.

ولكن يبقى السؤال: لماذا يسعى بعض البلوجرز لتقديم محتويات ليست لها قيمة حقيقية؟

وما هي الأسباب النفسية للاستعلاء الذي يمكن ملامسته بسهولة في بعض كلماتهم؟

تفسيرات نفسية لأفعال بعض البلوجرز غير المنطقية

واحدة من أشهر وأسهل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المرء في عالمنا اليوم هي أن يكون "بلوجر" أو "إنفلونسر" للأعمال المتعلقة بتقديم محتوى مكتوب أو مرئي ونشره على صفحات التواصل، ليجني آلاف بل ملايين المشاهدات، بالتأكيد يمتلك البعض منهم الكثير من الموضوعات القيمة والكاريزما والموهبة التي تمكنهم من تقديم محتوى يعرض على الملايين، لكن لماذا يسعى البعض لتقديم محتوى لا يقدم شيئاً ودون أية مؤهلات؟  

أولاً: ما أسباب العمل في تلك المجالات؟

 الأسباب كثيرة بالطبع، ولكن من أهمها: 

1- الحصول على الشهرة بسهولة

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يحب العيش منفرداً بعكس بعض الكائنات الأخرى، لذا فإن ضمان الإنسان للوصول ليعرفه الجميع يحقق ولو نسبة من رغبته الدائمة بأن يشعر بوجوده وانتمائه للجماعة وللعالم.

من قبل كان يكفي الإنسان أن يكون معروفاً من دائرته المقربة، لكن الآن وبعد اتساع الدائرة يتطلع كل شخص لأن يكون معروفاً من أكبر قدر من الناس، تضمن لك وسائل التواصل الاجتماعي ذلك الانتشار وتحقيق الشهرة، حتى وإن كانت دون مجهود حقيقي.

2- سهولة وانتشار مواقع التواصل

واحد من مقاييس النجاح التي يتخدها البعض في تلك الأيام يأتي برعاية اللايكات والشير والمتابعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل الكثير يلجأ إليه بأية طريقة، لا يحتاج المرء سوى لابتوب وشبكة إنترنت، وصفحة للكتابة إن كان المحتوى مكتوباً، وكاميرا للتصوير إن كان المحتوى مصوراً، ثم الضغط على زر النشر ليصل إلى الكثيرين حول العالم.

أما عن نغمة الاستعلاء فلها أسباب أيضاً، ومن أهمها:

1- عدم فهم الحياة

هنا أود أن أتوسع قليلاً في النظر للأمر، وألا يقتصر الحكي عما يقدمه بعض البلوجرز، لكنّ نغمة الانفصال عن الواقع التي تأتي ببعض المسلسلات والأفلام واللقاءات التي تضج بها البرامج التليفزيونية، النغمة التي لا تقدم شيئً سوى أنها تزيد شعور الناس بالحسرة على ما يعيشونه من تفاصيل الحياة.

المسلسل الذي يخبر المرأة أن الحياة تبدأ بعد الطلاق، ويفرد الحلقات لما يحدث من تغييرات إيجابية في الحياة بمجرد الطلاق، ولكن بالطبع على أرض الواقع لا وجود لتلك الأحلام الوردية، ولا مجال لتحقيقها.

الإنفلونسر التي تقدم محتوى مكتوباً أو مرئياً لتقول إن الأعمال المنزلية لا قيمة لها، وتستنكر على أناس أن يمضوا حيواتهم يقومون بتلك الأعمال الروتينية على الرغم من أن تلك الأعمال هي ما تقيم تفاصيل الحياة، بل إنها الأساس الذي تبنى عليه الحياة بالكامل.

2- الرغبة في الشعور بالقيمة

إحدى الحاجات الطبيعية للإنسان أن يشعر بقيمته ووجوده، هناك العديد من الطرق لذلك؛ فمن الناس من يحقق ذاته بالعمل والاجتهاد والكد والسعي المستمر، وهناك فريق آخر يحقق شعوره بالإنجاز عن طريق التقليل من أفعال الآخرين حتى وإن كانت ذات أهمية.

تلك البلوجر التي سخرت من الأعمال المنزلية لا يمكن أن نتصور بحال أنها تعيش دون طعام لتسخر ممن يفعله وتقلل من قيمته.

وفي ذلك يقول علماء النفس إن من يحقق ذاته بالتقليل من أفعال الآخرين يكون في قرارة نفسه يشعر بالدونية وبأهمية ما يقوم به غيره، وكإحدى الطرق الدفاعية عن غريزة الإنسان في الشعور بالقيمة فإنه يهاجم من أمامه بضراوة.

أضرار انتشار ذلك النوع من المحتوى

تؤثر تلك الآراء التي لا تحتوي إلا على نغمة الاستكبار على تفاصيل الحياة اليومية على المرء بالطبع. 

تشير الإحصائيات النفسية -حتى من دون الرجوع إليها يمكنك ملاحظة الأمر- أن الإنسان يتأثر بشدة بما يشاهده ويراه عبر السوشيال ميديا، بداية من اختيارات ألوان الملابس حتى طريقة تربية الأطفال.

أما عن تأثير مشاهدة آراء تجعل الناس محبطة ومستاءة من حياتهم، فتخيل معي كيف يكون شعور مراهق بأمه ربة المنزل وهو يرى من يقلل من كل ما تقوم به من أعمال؟

كيف حال المرأة ذاتها أو الرجل الذي يرى ويسمع يومياً من يسفّه مما قضى حياته كلها يقوم به بشكل روتيني؟ 

ومن جانب آخر، إن انتشار مثل تلك الأقوال التي ترى أن الحياة الحقيقية لا يمكن أن تستقيم إلا بالتخلي عن الأفعال اليومية العادية، تضع ضغطاً هائلاً على أكتاف الكثير الذين يعتقدون أنهم لا بد أن يحققوا إنجازات ضخمة يشهد بها القاصي والداني.

أخيراً، أنا امرأة تعشق العمل وتؤمن بأهمية الاستقلال المادي لكل فرد، سواء أكان امرأة أم رجلاً، لكن لا يمكنني بحال أن أحقق ما أومن به من خلال التسفيه مما يقوم به البعض أو حتى الموافقة عليه من دون الكتابة وإعلان السؤال: "متى يتوقف البلوجرز عن إشعارنا بالإحباط والاستياء من حياتنا؟". 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دينا خالد
أم وكاتبة
أم، تخرجت من كلية العلوم وعملت بالتحاليل الطبية لسنوات قبل أنا أعيد أكتشاف نفسي من خلال الكتابة وأقرر أن أعمل بها.
تحميل المزيد