لأسباب يطول شرحها، ولأن طبيعته الانطوائية كانت سبباً رئيسياً في ذلك؛ كان على ليونيل ميسي أن يبحث عن أصدقاء يُواصلون رحلته الشاقة في نيولز أولد بويز.
حينما كان ميسي صغيراً، في فريقه الشهير نيولز أولد بويز، كان في أمَس الحاجة للبحث عن أصدقاء، هناك، كان لوكاس سكاليا، ولوكاس لم يكن لاعباً فزاً على الإطلاق، لكنه كان يتمتع بروح طيبة ومرحة.
توطدت علاقتهما بمرور الأيام، وأصبح ميسي من المقربين للوكاس، حينما دعاه إلى منزل العائلة ليلعبا سوياً، مرت فتاة صغيرة من أمامه، كانت من النوعية التي تمر أمامك ثم يحدث كل شيء بعد ذلك، في مرورها خطفت قلب ونظر اللاعب الذي سيصبح أسطورة بلدها بعد زمن.
"من تكون؟" التفت ميسي إلى لوكاس يسأله، وشرح له لوكاس بالتفصيل من هي؛ إنها أنتونيلا روكوزو، ابنة عمه، والفتاة التي يكبرها ميسي بعام واحد فقط، وهي الفتاة التي حين رآها لم يستطع أن يكبح مشاعره البريئة نحوها.
بعد مدة، يكتب إليها ليو رسالة غرامية، يكتبها بمشاعره التي تتغير مع الزمن والتجربة حاله كحال معظمنا، لكن معه بالتحديد لم تتغير أبداً تلك المشاعر، يقول فيها: "يوماً ما سنصبح حبيبين، يوماً ما سأتزوجكِ".
وبعد أن لعبا ومرحا، يكتشف ليو أن عليه أن يتركها، بل ويترك الأرجنتين كاملة إذا أراد أن يعيش حياته التي يحلم بها، أن يصبح نجماً كبيراً في عالم كرة القدم، وأن يصبح أسطورة الأرجنتين، ويقف على منصة الأبطال كما فعل دييجو أرماندو مارادونا.
السبب بالتأكيد يعود إلى قصة نقص هرمون النمو الذي عانى منه في صغره، والذي كان حله الوحيد في برشلونة، المدينة التي لم يسمع عنها إلا في التلفاز، والتي لم يتوقع أن يصل إليها إلا في أحلامه.
حدث ذلك في عام 2000، غادر ميسي روزاريو، لكن أنتونيلا لم تغادر قلبه، وحاول بكل الطرق أن يبقى على تواصل معها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لكن وسائل الاتصال حينها لم تمنحه فرصة تعميق علاقتهما بالشكل الكافي.
سارت الحياة بطبيعتها العادية، هو في برشلونة، وهي في روزاريو، هو يلعب كرة القدم، وهي تمارس حياتها العادية، وتلتحق بالجامعة لتدرس طب الأسنان، وصديقتها المقربة أورسولا نوتز معها، تُواسي أيامها الثقيلة بدونه.
في عام 2005، تستيقظ أنتونيلا في يوم غريب، وتتلقى خبر وفاة أورسولا، رحلت أورسولا في حادث سير، وتظن أنتونيلا أن الحياة قد انتهت برحيل صديقتها، في نفس الوقت، عرف ميسي بالقصة، وطلب إجازة من برشلونة للسفر إلى روزاريو لأسباب شخصية، وأسبابه الشخصية تعود إلى رغبته الشديدة في مساعدتها للخروج من الحالة السيئة التي تعيشها، على أن يعود فيما بعد إلى برشلونة ويستكمل مسيرته الاحترافية التي كانت في مهدها.
بالمناسبة، لم تكن أنتونيلا هي المرأة الوحيدة في حياة ميسي، وبالمثل، لم يكن ميسي هو الرجل الوحيد في حياة أنتونيلا، من جانبه، كانت ماكارينا ليموس، التي أصبحت عارضة أزياء أرجنتينية حالياً، والتي كانت في مستوى اجتماعي أفضل بعض الشيء من ميسي وأسرته في ذلك الوقت.
والتي كانت تتعامل مع أمه، سيليا كوتشتيني بعجرفة وغرور وجفاف، ما جعله يُنهي علاقته بها، وأيضاً لأن والد ماكارينا كان يعتقد أن ميسي هو مجرد فرد في منظومة ضخمة سينتهي به الحال إلى ما انتهى به لكثير من قبله، أي أنه لاعب عادي لا يليق بابنته، كما أن حالة أسرته المادية لا تُناسب تطلعاتهم الكبيرة!
ارتبطت أنتونيلا بشاب من الأرجنتين، لم يتم الإفصاح عن اسمه لكن خرجت من تُراب الماضي صورته، هو شاب كان يعتقد أن أنتونيلا هي الفتاة التي ستشاركه بقية حياته، والتي شعر منها بالخيانة، يوم أن علمت بأن ميسي سيعود قريباً إلى الأرجنتين وقررت أن تستقبله وأن تستكمل حياتها معه.
لم يبح الشاب بتفاصيل كثيرة عن العلاقة، لكنه لم ينكر غضبه وحزنه من شعور الخيانة، وفي الوقت نفسه يعتبرها محظوظة؛ لأنها حين خانته لم تذهب لأي رجل، بل ذهبت إلى ليو ميسي شخصياً!
بعد تخبطات الحياة، تعود علاقتهما للترابط بعض الشيء، هدية غالية يهديها لها ميسي، هاتف من ماركة Black berry، ويحاولان بقدر الإمكان إخفاء علاقتهما عن الجميع، إلى أن تكتشف إحدى صديقاتها الأمر، وتدرك أن علاقة ميسي وأنتونيلا قد بدأت بالفعل في التحول إلى علاقة رسمية.
ربما نشأ الحب الكبير بينهما في مرحلة البراءة، وتغير في مرحلة المراهقة، لكنه وُلد فعلياً في مرحلة الشباب، في عام 2007 يُصبح ميسي وأنتونيلا حبيبن فعلياً أمام العالم كله، ويتحدث ميسي عن فتاة هناك، في الأرجنتين، يحبها ويتمنى أن تكون زوجته.
ويسجل هدفه المارادوني الشهير في خيتافي، ثم يتحول إلى الأسطورة الوحيدة التي يمكنها أن تُعيد إحياء إرث مارادونا، ثم يتحول إلى بطل الأرجنتين وأملها في المحافل الدولية، كل هذا وأكثر، وأنتونيلا بجواره.
لكنه يشعر بأنها أهم من ذلك بكثير، حينما أفصح للمرة الأولى عن اكتئابه، بعد خسارة النهائيات الكبرى مع الأرجنتين، وبعد السنوات العجاف في برشلونة وهزيمة البايرن التاريخية، تحدث عن دورها الكبير في مساعدته للخروج من أزمته النفسية.
رشحت له فكرة أن يذهب لطبيب نفسي، يشرح له ما يشعر به، ويُزيح عنه الضغوطات المهولة التي لا يستطيع تجاوزها لليلة واحدة، تماماً كما فعل معها في 2005، حينما رحلت أورسولا نوتز، صديقتها المقربة، والتي ما زالت أنتونيلا تذكرها إلى يومنا هذا، بأن وفاة أورسولا محسوسة وملموسة حتى خلال يومها العادي.
ليس الحب وحده ما يؤدي إلى الزواج، إنه الصدق أكثر، يوم أن مرت أمامه في سن التاسعة، ويوم أن كتب لها رسالته الجميلة، كان صادقاً تماماً في مشاعره نحوها، وأراد لهذه المشاعر أن تتحول إلى أشياء يلمسها ويشعر بها، والأشياء التي يلمسها حالياً هي: تياجو، ماتيو وسيرو، الأبناء الذين يشبهونه ويشبهونها.
إنها الأسرة التي تبدو سعيدة، ورغم أن أنتونيلا لا تستمتع أبداً بكرة القدم، ولا تهتم بها، ولا حتى تتابع معظم المباريات التي كان يلعبها في السابق، وهو ما قاله ميسي بنفسه، إنه حين يسجل هاتريك أو يقدم مباراة رائعة، يعود إلى المنزل ويخبرها بما حدث، فيكتشف أنها لا تهتم، أو تهتم لكنها تهتم من أجله فقط وليس من أجل أنها تحب ما يحكي عنه.
لماذا أنتونيلا رغم كل هذه الشهرة؟
أعتقد أن دخول أنتونيلا في حياة ميسي غيره كثيراً، أصبح اجتماعياً أكثر من الماضي، هو الذي عهدناه خجولاً، يصمت حينما تهاجمه الصحافة، ويتغاضى حينما تمتد المشكلات الإدارية في الفريق إلى داخل الميدان.
لسنوات كان ميسي بمفرده، حتى صداقاته في غرفة ملابس برشلونة والأرجنتين كانت شحيحة، يكتفي بشخص واحد ربما، تراه يسير معه في أي مكان وكل مكان، الأمر انعكس عليه كلاعب داخل الملعب، كان باهتاً من حيث الشخصية والسلوك، الآن تغيرت هذه الصفات، وتبدلت شخصيته تماماً كأن شخصاً جديداً قد وُلد.
رأيناه يتحدث بعد مباراة هولندا في كأس العالم قطر 2022، ويُهاجم لويس فان خال مدرب المنتخب الهولندي، ويدخل في مناقشات كلامية مع لاعبي المنتخب الهولندي، ورأيناه يسخر من ياري مينا، زميله السابق في برشلونة، خلال ركلات الترجيح في نصف نهائي كوبا أمريكا 2021 في البرازيل.
لقد أصبح أرجنتينياً بصفة رسمية، ومنتخبه يحبه ويدعمه، لذا كان عليه أن يتغير من أجلهم، والقصة تعود إلى أنتونيلا، التي ساعدته في هذا التغير، والتي تجاوزت معه أشياء لم يكن ليتجاوزها لولا وجودها معه.
ولماذا أنتونيلا؟ لأن من هو مثله من الصعب أن يدخل في علاقات مع عدد كبير من النساء، أنتونيلا تعرفه وتفهمه، حفظت سلوكياته منذ الصغر، ولو لم تكن هي لعانى ميسي ليجد إنسانة تفهم طبيعته دون أن تهتم كثيراً بشهرته وحياته التي تحتاج إلى أشخاص تعاملوا معها.
وتحولت هي أيضاً، باتت تحضر معظم مبارياته، وتسانده من الميدان الذي يُشارك فيها قائداً لمنتخبه، لكي تمنحه شعوراً بأنها معه، هنا، تماماً مثلما تتواجد في قلبه وجسده، وقصة جسده تعود إلى الوشوم الكثيرة التي تُغطي جسده.
على ذراعه اليمنى، عين امرأة، العين تبدو جميلة، إنها عينها، عين أنتونيلا زوجته، وفي مكان قريب يوجد تاج، تاج حبهما كما سمّياه، وأسفل بطنه توجد قبلة، إنها قُبلتها، وفي قلبه تسكن هي، بكل الذكريات التي عاشها معها، وكافة التفاصيل التي تشاركا فيها.
رأى الناس، كيف تجلس بجواره، وكيف يتخلى عن شهرته الكبيرة ويتحول إلى طفل صغير بجوارها، يمسك هاتفه ويلتقط صوراً لها رفقة كأس العالم، وفي نهائي كوبا أمريكا، بعد أن حقق اللقب في البرازيل وأمام البرازيل، كان أول ما فعله أن اتصل بها عبر مكالمة فيديو، ليُشاركها الإنجاز التي تقاسمت أحزان خسارته معه طوال هذا العمر.
كان بإمكان ميسي أن يتزوج شخصية مشهورة، وأن يتحول إلى شخصية أكثر شهرة بذلك الزواج، لكنه اختار الفتاة التي تحرك لها قلبه منذ أن كان في التاسعة، الفتاة التي أصبحت زوجته وحبيبته، بعدما فرقتهما الظروف وجمعهما الحب، والفتاة التي فاز بها بعد عناء الفراق والسفر، مثلما فاز بمعظم ألقابه الفردية والجماعية بعناء الابتكار والاختراع في لحظات لم تكن لتحدث لولا عبقريته وموهبته، وكانت هي روعة الأشياء البائسة في حياته، كما وصف فرانز كافكا حبيبته ميلينا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.