علم الطب من العلوم الأساسية في الحياة البشرية، وفي تطبيقه كثير من المصالح العظيمة والمنافع الجليلة، التي منها حفظ الصحة ودفع ضرر الأسقام والأمراض عن بدن الإنسان، فيتقوى المسلم بذلك على طاعة ربه تعالى ومرضاته.
أولاً: الطب والأزمات
لا بد للمجتمع من وجود الطبيب، وتختلف حاجته إليه بحسب اختلاف الظروف والأحوال، وإذا لم تسد حاجة المجتمع إلى الأطباء، فإن حياة الناس وأرواحهم ستكون مهددة بخطر الأمراض وجراحات الحروب والحوادث التي تفضي بهم إلى الموت والهلاك في الغالب.
وخلال الأزمات والحروب الأهلية، فإنه عادةً ما تتعرض الشعوب للصدمات النفسية التي تحتاج إلى مصحات ومستشفيات وعلماء متخصصين في هذا المجال.
ولما كانت شريعتنا الإسلامية مبنية على الرحمة بالخلق ودفع المشقة والحرج عنهم في التكاليف والتشريعات التي جاءت بها، فإنها راعت تلك الحاجة التي لابد من سدّها في المجتمعات المسلمة، فأجازت تعلم الطب وتعليمه، والاستفادة من علومه المتعددة، سواء كانت نفسية أو جسدية أو عقلية وغير ذلك.
ثانياً: علم الطب من فروض الكفاية
قال النووي، رحمه الله: وأما العلوم العقلية، فمنها ما هو فرض كفاية، كالطب والحساب المحتاج إليه. وقال الغزالي رضي الله عنه: ولا يُستبعد عد الطب والحساب من فروض الكفاية، فإن الحرف والصناعات التي لا بد للناس منها في معايشهم، كالفلاحة فرض كفاية، فالطب والحساب أولى. فقوله: المحتاج إليه: فيه دليل على أن الحكم بفرضية الطب على الكفاية، إنما هو مبني على وجود الحاجة إليه، ولا شك في أن هذه الحاجة موجودة في كل زمان ومكان، ولكنها تتفاوت في قدرها على حسب تفاوض الظروف والأحوال، وفقهاء الإسلام وأئمته الأعلام نجدهم ينصون في كتبهم على حكم فرضية تعلم الطب على الكفاية، بل لم يقف الأمر عند ذلك، وإنما تعداه إلى شحذ الهمم وحفزهم النفوس لتعلمه، حتى قال الشافعي: لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب.
وقد بيّن رسول الله (ﷺ) لكل داء دواء، فإذا أصيب الداء برأ بإذن الله -عز وجل- (رواه مسلم (4/ 20)).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" (رواه البخاري (4/ 8)).
إن كلا الحديثين الشريفين دلَّا على أنه ما من داء إلا وقد جعل الله له دواء، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يشرع للإنسان أن يستعمل الدواء الذي عرف تأثيره في الداء بالعادة والتجربة.
وعن أسامة بن شريك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي (ﷺ) وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: "تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم" (سنن الترمذي (3/ 258)، حديث حسن صحيح).
إن هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- سألوا النبي (ﷺ) عن التداوي، فأجابهم النبي (ﷺ) بجوازه وندبهم إليه بقوله "تداووا"، وهذا اللفظ عام.
ثالثاً: الصحة في الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية
تهتم الدولة الحديثة بصحة مواطنيها النفسية والقلبية والعقلية والروحية والبدنية، وتلتزم بالتوجيهات الربانية في هذا المجال وفي غيره، وهي تهدف إلى:
توفير رعاية صحية لائقة لكل مواطن.
تنظيم القطاع الطبي العام والخاص وفق استراتيجية وطنية للرعاية الصحية في الدولة.
اعتبار الصحة الوقائية ركناً من أركان السياسة التنموية للدولة.
تطوير نظام الرعاية الصحية حتى يرتقي إلى مستوى المعايير العالمية.
تحسين خدمات المستشفيات من خلال تحديد مهامها وتصنيفها وتعيين نطاق عملها وتحسين فرص إجراء العمليات الطبية السريعة.
تحسين تصميم الرعاية المستمرة، وخدمات الصحة النفسية، وتقديم خدمات الطوارئ، والوصول إلى صيدليات المجتمع ورفع كفاءتها.
تأمين الوصول إلى بيانات رعاية صحية دقيقة.
تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتحسين إدارة الصحة العامة مع نظام شامل للتغذية، والنشاط البدني، والتركيز على التعليم التخصصي الصحي، وضمان خبرة وتأهيل أخصائي الرعاية الصحية وجودة مرافقها ومنتجاتها، والاستجابة لشكاوى المرضى وضمان حقوقهم.
استقلالية وتعزيز موازنة قطاع الصحة.
سد وتفعيل مظلة التأمين الصحي الشامل؛ لتضم كل المواطنين، دون تفرقة، ولتغطي كافة مناطق الدولة بذات القدر والاهتمام.
إدارة أكثر كفاءة وفاعلية للعلاج الطبي الصحي خارج الدولة.
دعم النظام الصحي ببحوث عالية الجودة.
ربط عدد الأطباء وعدد الأسرة في المستشفيات بتعداد المواطنين الذين يقطنون في دائرتها.
الاهتمام بجدول الأجور لكافة العاملين بالقطاع الصحي، بما يلبي متطلبات الحياة الحديثة.
الاهتمام بتأهيل وتدريب الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي، وذلك على نحو علمي منهجي، وتبادل الخبرات العلمية والعملية مع كافة القطاعات النظيرة في الخارج.
تطبيق لا مركزية التخطيط والتنفيذ واتخاذ القرار من حيث إعطاء الصلاحيات المالية والإدارية لمكاتب الشؤون الصحية في المناطق والبلديات وصولاً إلى معالجة كافة أوجه القصور في السياسة الصحية بالنسبة للمناطق النائية والمهمشة والمحرومة.
تشجيع مشاركة المجتمع في إدارة النظم الصحية على مستوى الوحدات الصحية والمراكز والمستشفيات.
وضع سياسة للأدوية وإعادة تنظيم الإمدادات الطبية والدوائية.
استقلالية المستشفيات المركزية من خلال تفويض السلطات وتشكيل مجالس إدارة ومجالس أمناً من الوزارة والمجتمع للإشراف على تقديم الخدمة ومراقبة الإيرادات.
تحفيز مشاركة القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتشجيع الأساليب المبتكرة في الرعاية الصحية.
وضع خطة منهجية لتلبية الاحتياجات الصحية لكافة المواطنين، وذلك من خلال تبني حزمة من البرامج ذات الصلة بالصحة الإنجابية، وتدريب قابلات المجتمع لما لهن من دور كبير في سلامة الأمهات والأطفال وتقديم خدمة رعاية الحوامل والرعاية لما بعد الولادة وتنظيم الأسرة وإنشاء المراكز التخصصية في مكافحة الأوبئة والتحصين والتطعيم والأمصال، والصحة الوقائية والعمل على اعتمادها كمراكز تعاونية إقليمية لمنظمة الصحة العالمية في الدولة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.