حكاية طفلي مع الوطن.. على هامش انتصارات منتخب المغرب في كأس العالم

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/17 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/17 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش

طفلي ذو الست سنين فتح عينيه على متابعة ومشاهدة مباريات كرة القدم، فكان من حُسن أقداره أن تتبع مباريات منتخبنا الوطني في نهائيات كأس العالم.

عاش مشاهد انتصارات منتخبنا بكل جوارحه، طلب منا أن نشتري له قميصاً للمنتخب وراية صغيرة ليظل مرتدياً للقميص وحاملاً للراية طيلة مشاهدته لمباريات المنتخب بل لجل مباريات كأس العالم بقطر.

أعرف أنه في لحظة سعادة وفرح وتمتع، وأعرف أنه يختزل المنتخب في الوطن وهذا ليس عيباً بل مطلوباً ومنشوداً من أجل ترسيخ الاعتزاز بالوطن، ويختزل انتصارات المنتخب في تفوق بلاده ووطنه ودولته، ويظهر له مغربنا رائداً بين الأمم، حاملاً لمشعل التفوق على سائر الأمم.

تساءلت مراراً وأنا أعيش معه هذه اللحظات، هل سيكون صحياً ومعقولاً أن يعيش كل هذه الاختزالات ولو تناقضت مع واقع الحال؟ أليس من الأفضل أن أنبهه إلى حقيقة الفرق تجنباً لأية صدمة مستقبلية؟ 

"الصدمة"… آه على هذا المصطلح الصادم، لقد عشتها قبله لكن ليس بنفس الزخم النفسي والعاطفي الذي يفضي إلى هذه الاختزالات التي سبق أن ذكرتها.. عشتها في عالم الرياضة وعالم كرة القدم لكن ظلت قدماي وعيناي وروحي مع عالم الرياضة وكرة القدم وكفى، ربما لأنني عشتها وقد اجتزت طفولتي وأنا في مقتبل شبابي مع إنجازات منتخبنا في مكسيكو 1986، ومع فوز عويطة والمتوكل والسكاح والكروج وبيدوان في مجال ألعاب القوى، لكن كنت أعي تماماً أنني في عالم الرياضة والكرة ومع ذلك صدمت بعد طول مدة إخفاقات رياضية وكروية من التسعينيات وبداية الألفية صدمات تلو أخرى جعلتني أفهم جيداً أن الرياضة هي تجلٍّ من تجليات سياسات التنمية البشرية الشاملة المنفذة في بلادنا، وأن استمرارية الإنجازات دون قطائع عمرية طويلة هي علامة من علامات النهضة التنموية والإخفاقات المتكررة والتي تطول هي علامة من علامات التخلف التنموي لسياسات بلادنا العمومية والعامة.

لنعد إلى حكاية طفلي الصغير وتساؤلاتي الداخلية، خشيتي من الصدمة الكبرى التي قد يتلقاها وعي طفلي وهو يكبر معنا جراء المفارقات التي قد تتضح له مع نمو وعيه بالأشياء وبالعالم وبمحيطه، خشية معتبرة.

أنا مع مقاومة محبطات أحلامنا الجميلة، وأسعى رغم موقفي "العدمي" من هذه السياسات الارتجالية والقطائع التنموية والتخطيطية، أن أبث روح مقاومة كل المحبطات التي تدفع نحو اليأس والاكتئاب والتشاؤم.. لهذا أصررت بداخلي ألا أوضح لطفلي أي شيء وأن أتركه يعيش أحلامه واختزالاته التي تصنع الطاقة الإيجابية الضرورية لصناعة مستقبل مشرق.

لكن أوجه نداءً عبر أثير سطوري التي أخطها من أعماق قلبي إلى هؤلاء الذي يقررون في سياساتنا العامة والعمومية، وهؤلاء الذين يدبرونها وينفذونها، وهؤلاء الذين أنيط بهم تقويمها وتقويم تنفيذها، رجاء اجعلوا من هذا الانتصار اللحظي والرمزي والقيمي لوطننا مع انتصار منتخبنا، فرصة لاستئناف إعاقاتنا التنموية في جل المجالات.

لتكن فرصتنا للتصالح مع الذات، وللتأمل الجاد في مفاتيح النهضة التنموية المنشودة التي تجعلنا رواداً ولنا صيت دولي ومكانة مؤثرة في المنتظم الدولي كما فعل منتخبنا الوطني الذي بوأ لنفسه مكانة مؤثرة في المنتظم الدولي الكروي.

لنُسائل سياساتنا وقراراتنا وبصوت مرتفع: لماذا هذه القطائع التي تجرنا إلى الوراء والتخلف، بل وتجعلنا نهوي إلى قاع مراتب التنمية البشرية؟ ما العيب أن يتخذ مسؤولونا قرارات جريئة لتحرير القرار الوطني من أية تبعية سياسية ومن ارتهانات المؤسسات النقدية المهيمنة؟ وهل بقدرتنا أن نتصالح مع ذواتنا ومع شعبنا ونطلق سراح كل معتقل رأي وكل مظلوم، ونحتضن طاقاتنا العلمية كما احتضنا لاعبي منتخبنا من المهجر الذين أبلوا البلاء الحسن، ومنحونا درساً في الوطنية حتى وإن عاشوا ووُلدوا خارج الوطن؟ ما الذي يمنع أن نجعل من قرارنا السياسي نتاج ديمقراطية واسعة وفعلية تشرك المواطن وتجعله مساهماً في بلورة قرارات دولته ومقوماً لها ولمن ينفذونها؟ لماذا لا نصنع فرحنا بريادة في مجال التعليم والصحة والاقتصاد والثقافة والعلم فيضرب بنا المثل بالمؤشرات والأرقام والإحصائيات في هذه المجالات؟ ألا نستطيع ذلك؟

نعم نستطيع.. يكفينا حُسن النية وصفاء السريرة، وحب الوطن، والتفاني من أجل خدمته ونكران الذات، والقطع مع كل أشكال الفساد العمومي الذي ينخر جسمنا المجتمعي والدولي.. نعم نستطيع ومنتخبنا الوطني لقننا درساً بأننا نستطيع بالقيم التي بثها فينا وبالعشق الغرامي للوطن الذي أحياه فينا..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد