مشهد ضبابي يلتفّ حول ملف المصالحة الفلسطينية بعد شهرين من توقيع فتح وحماس على اتفاقية الجزائر، فيض من أسئلة لا تنتهي حول جدية هذا الاتفاق، وأين وصلت مراحله من الخطة التنفيذية، رغم لقاء بيروت الشكلي بين عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق، والتصريحات الإيجابية العامة حول الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، إلا أن الصلح الواقعي لم يبصر النور حتى الساعة، في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى التوحد تحت قيادة واحدة وتحقيق المصالحة الحقيقية على أرض الواقع، وتجديد الشرعيات لكل المؤسسات الفلسطينية على أسس الشراكة والوحدة الوطنية.
اختلافات جوهرية تعترض إنهاء الصدع الداخلي للبيت الفلسطيني حالت دون تحقيق مصالحة شاملة، إذ تريد فتح أولاً إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لإنهاء الانقسام في السلطة، ثم بعد ذلك يمكن إجراء انتخابات في المنظمة على قاعدة الاعتراف بالشرعية الدولية، وهو الطلب القديم المتجدد الذي ترفضه حركتا الجهاد الإسلامي وحماس، والتي تسعى إلى إبقاء سيطرتها على القطاع، مع دخول منظمة التحرير، وهو أحد المتطلبات التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب، باعتبار أنه يلغي شرعية السلطة الفلسطينية وحقها في إدارة القطاع باعتباره جزءاً لا يتجزأ من فلسطين.
ومع استمرار هذه الخلافات أصبح الحديث عن المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس تقليداً فلسطينياً، يعاد طرحه بين الفترة والأخرى مع كل جولة من جولات المصالحة المتجددة، والمختلفة في شكلها الخارجي، إلا أنها متشابهة في مضامينها، والتي كان آخرها قمة الجزائر التي جمعت الطرفين على مائدة مستديرة واحدة، شملت حوارات ونقاشات قدمت من خلالها الرئاسة الجزائرية مخرجات عديدة، لُخصت في وثيقة واحدة، أو ما يُعرف بـ"إعلان الجزائر"، إذ لم يبقَ مجال للهروب من المصالحة باستثناء الحسابات الضيقة التي عرقلت التنفيذ النهائي لنص الصلح، والصعود إلى مستويات الدولة الموحدة، خاصة بالنظر إلى الظروف الراهنة في فلسطين، والتي تترجم واقع الانشقاق والتشتت، هذا إن لم نقل الضياع بين وجهتين، استغل فيهما الطرف الثالث (الحكومة الإسرائيلية) هذه الحالة وكشّر عن أنيابه بصعود اليمين المتطرف، والذي يعمل على بسط عقليته العنصرية الفاشية، وهو تطور كبير يستوجب وحدة فصائلية وقيادية لمواجهته، وبالرغم من خطورته على الأوضاع في فلسطين، فإنه يمكن أن يقدم فرصة كبيرة لإزالة القناع عن الديمقراطية الزائفة التي تدعيها إسرائيل، والظهور بغطاء الإرهاب الفاشي، هذا ما يستدعي الإسراع في لمّ الشمل داخل البيت الفلسطيني لمواجهة هذا الخطر الوجودي، خاصةً مع توقيع الحكومة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير قراراً يقضي بالضم الكامل للمنطقة "سي" بالضفة الغربية، ما يعني تقسيم وتشتيت الضفة، وهنا لا يسعني إلا القول إن المسألة أصبحت مصيرية، فإما أن يكون الشعب الفلسطيني تحت ظل سلطة واحدة، أو لن يكون أبداً، وإذا كانت المصالحة الكاملة مستحيلة فعلى الأقل لا بد من التوحّد الفوري لإفشال ما تسعى إليه هذه الحكومة وبرنامجها، أو على الأقل إدراج الأحزاب الفاشية المشارِكة فيها على قائمة الإرهاب.
في ختام كل هذا لا بد من القول إن السلطة الفلسطينية تواجه الكثير من التحديات، التي تستدعي أن تضع يدها بيد حماس وجميع الفصائل الفلسطينية للنجاة، وإلا فإن القارب سيغرق بالجميع، وعليه فإن السعي وراء المحافظة على الأراضي الفلسطينية بما فما فيها قطاع غزة المحاصر، والوقوف ومدّ جسور الثقة، وإقامة كل أشكال التنسيق، والعمل المشترك، والتكامل، بين مختلف القوى والتجمعات الفلسطينية، أهمّ بكثير من الخلافات الأيديولوجية التي لن تجدي نفعاً، والمطلوب الآن هو استغلال الاجتماع التنسيقي الذي تنوي الجزائر عقده بين الفصائل الفلسطينية، نهاية الشهر الجاري، كفرصة لتحقيق ما لم يتحقق من قبل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.