جاءت نسخة مونديال 2022، التي تستضيفها حالياً دولة قطر متفردة في كل شيء تقريباً، من توقيت البطولة في نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول، خلافاً لما هو معتاد، إلى إقصاء منتخبات كبيرة كانت مرشحة لنيل اللقب، مثل البرازيل وإسبانيا والبرتغال، مقابل صعود غير متوقع لمنتخبات أخرى مثل كرواتيا وأسود الأطلسي "المغرب"، والأخير هو أول منتخب عربي يصل إلى هذه النقطة في كأس العالم على مدى التاريخ.
قبيل انطلاقة نهائيات كأس العالم 2022، كانت قطر تستحوذ على اهتمامات وسائل الإعلام العالمية، فبتنظيمها المونديال كسرت قطر احتكار الأمريكتين وأوروبا بامتياز استضافة كأس العالم، لتصبح أول دولة عربية وشرق أوسطية تستضيف المونديال الكروي، فخارج نطاق أوروبا والأمريكتين لم تتمكن سوى الأوروغواي من استضافة المونديال عام 1930، بينما استضافت كل من اليابان وكوريا الجنوبية بشكل مشترك مونديال عام 2002، كما تميّزت جنوب إفريقيا بأنها أول دولة إفريقية استضافت الحدث الرياضي الكبير عام 2010.
ربما شعر بعض الناس بالقلق عندما سمعوا بأن قطر ستنظم كأس العالم في 2022، لأنهم لم يستوعبوا كيفية استضافة الدوحة -المعروفة بأنها المدينة الرئيسية الوحيدة في قطر- الحدث العالمي بأكمله، لكن الكثير منهم لم يكن على علم بالتخطيط الضخم الذي شرعت فيه قطر منذ العام 2010 لبناء بنية تحتية استثنائية، وكيف أن استضافة الدولة الصغيرة للمونديال سيوفر للناس فرصة مباراتين في اليوم الواحد، كما سنوضح لاحقاً.
قامت قطر ببناء وإعداد 8 ملاعب حديثة للغاية في 5 مدن لاستضافة هذا الحدث العالمي، كما أنشأت شبكة طرق حديثة وشبكة قطارات سريعة تضمن وصول عشرات الآلاف من المشجعين إلى هذه الاستادات في وقت قياسي، كذلك أنشأت عدداً كبيراً من الفنادق والوحدات السكنية لاستيعاب أكثر من مليون مشجع لمدة شهر تقريباً.
على الرغم من الانتقادات الدولية، حافظت قطر على وضع قيود صارمة على مجتمع الميم، كما لم تتنازل عن منع الشرب التعسفي للكحوليات في شوارع البلاد، ورغم أن الغربيين لا يحبون مثل هذه المحظورات، فإن الدوحة كانت قادرة أيضاً على التعامل مع هذه الأزمة المحتمَلة دون التسبب في الكثير من المشاكل، فقد خصصت منطقة المشجعين "Fan Fest" قرب الكورنيش لتناول الجعة الخفيفة بما لا يؤثر على الأمن والسلامة العامة.
كثيراً ما اقتبس المراقبون أن نسخة مونديال قطر 2022 هي "كأس العالم الأكثر سلاماً على الإطلاق"، بحيث استمتعت العائلات بمشاهدة المباريات والفعاليات المصاحبة مع الأطفال والمراهقين بكل أمان دون خوف من مضايقات أو مناظر خادشة للذوق العام، فالأجواء اللطيفة سيطرت على الجميع في كل الملاعب الـ8 ومناطق الفعاليات، مثل حديقة البدع والكورنيش وسوق واقف وغيرها.
وقد اعتبرت الدولة المستضيفة، مونديال 2022 بمثابة فرصة ذهبية لتحسين جسور الحوار والتواصل بين الشعوب، والتقريب بين الثقافات المختلفة، وقد نجحت في صناعة هذا الجو الودي بشكل مبهر.
ومن بين أبرز الأمور التي ميّزت مونديال 2022 بقطر، قرب المسافة بين الملاعب الحديثة والمتطورة للغاية التي أُنشِئت خصيصاً لاستضافة النهائيات، حيث تمكنت جماهير المونديال من متابعة أكثر من مباراة في يوم واحد، وهو ما لن يتكرر بسهولة في النسخ القادمة من المونديال.
وقد أنشأت الدوحة 7 ملاعب جديدة، هي استاد "لوسيل" الذي سيحتضن المباراة النهائية لمونديال 2022، واستاد "الثمامة"، واستاد "المدينة التعليمية"، واستاد "974"، واستاد "أحمد بن علي"، واستاد "البيت"، واستاد "الجنوب"، إضافة إلى تطوير وتحديث استاد "خليفة الدولي" التاريخي.
لم تقف استعدادات دولة قطر للمونديال عند الجوانب الكروية والإنشائية والأمنية فحسب، بل امتدّت – كذلك – إلى تسخير أبرز وأحدث التقنيات المتطورة في مجال كرة القدم، من أجل تهيئة مناخ ممتع وفريد لجماهير اللعبة في الحدث الأبرز لديهم، والذي ينتظره مئات الملايين من المشجعين حول العالم.
وشهدت نسخة قطر 2022 تطبيق تقنية جديدة، ساهمت في توفير تجربة أمتع للمباريات والعدالة التحكيمية للمنتخبات المتنافسة، وهي تقنية كشف التسلّل شبه الآلية "VAR"، التي ساعدت الأطقم التحكيمية على اتخاذ قرارات أكثر سرعة ودقة وشفافية في تحديد حالات التسلّل من عدمه، لضمان العدالة التحكيمية في مباريات البطولة.
وتعتمد التقنية على نظام ذكاء اصطناعي (AI) يرسل رسالة فورية إلى حكام "VAR"، عندما يكون اللاعب متسللاً، مع ترك الحرية للحكام لتحديد ما إذا كان اللاعب متسللاً أثناء تمرير الكرة أو لا، بوسعهم في غضون ثوانٍ معدودة التحقّق من لحظة التمريرة، وكذلك خط التسلّل، قبل إبلاغ الحكم الرئيسي للمباراة، الذي سيتخذ القرار النهائي.
كذلك، شهد مونديال 2022 في نسخته الثانية والعشرين، الذي تستضيفه قطر، تسجيل 160 هدفاً، بعد إقامة 61 مباراة، بدءاً من دور المجموعات، ثم الدور الثاني، إضافة إلى الدور ربع النهائي.
وتبقى مباراتان في المونديال الجاري، مباراة المغرب وكرواتيا لتحديد المركزين الثالث والرابع، ثم مباراة الأرجنتين وفرنسا لتحديد حامل اللقب.
بحسب CNN عربية، تقترب هذه النسخة من المونديال من تحطيم الرقم القياسي التهديفي الخاص في بطولة كأس العالم على مر التاريخ، وينتمي الرقم القياسي إلى مونديال فرنسا عام 1998 ومونديال البرازيل 2014، وكلاهما شهد تسجيل 171 هدفاً.
ويفصل مونديال قطر عن الرقم القياسي 11 هدفاً، ويحتاج حتى يكون الأكثر تهديفاً أن تشهد المباريات المقبلة تسجيل أكثر من 3 أهداف في المباراة الواحدة، إذ شهدت 53 مباراة إحرازاً للأهداف في المسابقة القائمة حالياً، فيما سيطر التعادل السلبي على نتيجة 7 مباريات فقط.
ووفقاً لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، هذا ترتيب أفضل 5 نسخ في تاريخ المونديال، حسب عدد الأهداف المسجَّلة:
1- فرنسا 1998 والبرازيل 2014: 171 هدفاً.
2- روسيا 2018: 169 هدفاً.
3- كوريا الجنوبية واليابان 2002: 161 هدفاً.
4- ألمانيا 2006: 147 هدفاً.
5- إسبانيا 1982: 146 هدفاً.
أبرز مفاجآت مونديال قطر كانت في دور الـ16 ودور الثمانية، حيث أُقصي العديد من المنتخبات المرشحة لنيل اللقب مثل إسبانيا والبرتغال والبرازيل، وكانت المفاجأة في هذه النسخة التفوّق العربي المدوّي لأسود الأطلسي (منتخب المغرب) الذي شرّف العرب في مونديال العرب ووصل للدور قبل النهائي، وهو أول منتخب عربي يصل لهذه الأدوار في كأس العالم.
كان المنتخب البرازيلي مرشحاً بقوة لنيل اللقب من جديد، إذ يضم كوكبة من اللاعبين المتميزين النجوم يتقدمهم نيمار صاحب المهارات العالية والأهداف الغريبة التي تمتع المشاهدين، التوقعات في البداية كانت تشير إلى فوز البرازيل على كرواتيا، خاصة بعد تسجيل نيمار الهدف الأول، ولكن تعادل الكروات غيّر مجريات اللعب، وأصبح سجالاً بين الفريقين إلى أن احتكم الحكم إلى الأشواط الإضافية، ثم ركلات الترجيح، التي أخرجت البرازيل وأهّلت كرواتيا.
عمّ الحزن في أرجاء البرازيل والجماهير الغفيرة التي ساندته في كل بقاع العالم، وبعد الخسارة بكى نيمار بحرقة؛ لأنه لم ينجح في إهداء البطولة للبرازيل، ولم يقدّم المنتخب المستوى المطلوب في المباراة، وخرج خالي الوفاض والدموع تنهمر من عينيه بسبب عدم تحقيق النتيجة التي كان ينتظرها مواطنوه.
الأمر نفسه تكرر مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي أُصيب بصدمة نفسية من خلال فسخ عقده مع ناديه مانشستر يونايتد قبل البطولة، كما زاد من هول الصدمة عندما وضعه مدرب البرتغال فرناندو سانتوس على دكة الاحتياط ولم يكن لاعباً أساسياً، وهذا ما جعله مهزوز الأعصاب وفاقد التركيز في ملعب مباراة منتخبه أمام المغرب، بل إنه استهتر بالمنتخب المنافس عندما قال من هو المنتخب سنلعب معه: هل هو (إنجلترا/فرنسا) ولم يعطِ منتخب المغرب أهمية، فنجح أسود الأطلسي في تلقينه درساً لن ينساه في حياته، عندما نجحوا في إذلال منتخب البرتغال صاحب السمعة الكروية وبطل أوروبا، بل أبكى أسود الأطلسي رونالدو بعد نهاية المباراة، التي لم يكن مصدقاً لما حدث.
تقترب بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 التي تختتم منافساتها يوم الأحد المقبل من خط النهاية ويوم التتويج لتدون في تاريخ البطولات كآخر نسخة مونديالية بمشاركة 32 منتخباً، وستودّع البطولة في النسخة الحالية نظام 32 منتخباً وتبدأ في النسخة المقبلة 2026 بنظامها الجديد، والذي يضم 48 منتخباً للمرة الأولى، ويعتبر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أن هذه الخطوة ستزيد الاهتمام باللعبة وترفع العائدات المالية.
إذ قرر مجلس "فيفا" بالإجماع في شهر يناير/كانون الثاني عام 2017، أن تكون النسخة الـ23 من كأس العالم والتي تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا عام 2026 بمشاركة 48 منتخباً للمرة الأولى في التاريخ.
في الكثير من أحياء الدوحة، يمكن رؤية العديد من المشجعين من دول مختلفة مشاركة في المونديال، وقد ارتدوا أثواباً عربية وأشمغة بألوان أعلام أو قمصان بلادهم، ويحرص الكثير من المشجعين على حضور مباريات بلادهم في الملاعب بهذه الملابس غير التقليدية بالنسبة لهم، في عرض مبهج ومتعدد الألوان للأزياء العربية التي يطغى عليها اللون الأبيض إجمالاً.
ولم يغب الطعام العربي عن تجربة جمهور مونديال قطر، حيث قالت مشجعة يابانية لوكالة "CNA"، إنها أصبحت تعرف كلمة "حمص" بعد أن تمكنت من تذوّقه وأُعجبت به كثيراً.
تميّز مونديال قطر كذلك، بإبراز صورة الأم المغربية البسيطة وهي تحتفل مع ابنها بالفوز من فوق المدرجات، وفي أرضية الملعب صورة تختزل كل لحظات الفرح، فمن أجمل المشاهد المؤثرة في كأس العالم، هي لحظة ارتماء مدرب المغرب في أحضان أمه بعد الفوز على البرتغال، ولا أجمل من صورة الأكف التي رفعتها والدة سفيان بوفال وهي تدعو له بالنصر، فمن منّا ينسى صورة أشرف حكيمي، ويوسف النصيري التي تكررت عقب كل مباراة في عناق حار مع والدتيهما؟
الثقافتان العربية والإسلامية تربطان الأم بصورة ذهنية جماعية أساسها الاحترام، بل والتبجيل، فالإسلام كرّم الأم أيَّما تكريم، وفي كل الديانات والثقافات كذلك تحتل الأم مكانة خاصة.
شهدت الحركة الجوية حتى نهاية الأسبوع الثالث من بطولة "مونديال قطر 2022″، تسجيل أكثر من 18 ألف رحلة عبر مطاري حمد والدوحة الدوليين.
جاء ذلك بحسب ما أبلغت عنه الهيئة العامة للطيران المدني، لافتة إلى أن "الحركة الجوية بلغت 18298 حركة جوية عبر مطاري حمد والدوحة الدوليين".
وأضافت الهيئة أن "الحركة الجوية في مطاري حمد والدوحة الدوليين شهدت زيادة كبيرة، حيث بدأت العديد من شركات الطيران الخليجية بتسيير رحلات مكوكية إلى دولة قطر، بالإضافة إلى العديد من الرحلات الإضافية من باقي دول العالم، وذلك لتوفير نقل جوي متكامل لمشجعي المونديال"، حسب البيان.
وأشارت إلى "استمرار تطور النقل الجوي في دولة قطر مع تفعيل إقليم الدوحة لمعلومات الطيران، وزيادة الطاقة الاستيعابية والمسارات الجوية القادمة والمغادرة إلى دولة قطر، بهدف تحقيق انسيابية أكثر في الحركة الجوية وضمان أكبر للسلامة الجوية".
سبق المونديال استعدادات كبيرة شملت تنفيذ خطط تطوير مهمة وشاملة تتعلق بالمجال الجوي القطري، على صعيد تنظيم الملاحة الجوية، ولضمان انسياب الحركة الجوية في المجال الجوي القطري.
وشملت إجراءات تطوير منظومة الطيران المدني كذلك، تحديث كل الأنظمة والتقنيات المستخدمة في عمل الملاحة الجوية، والقيام بفصل إجراءات الهبوط والإقلاع إلى مدرجين مطار حمد الدولي HIA، ومطار الدوحة الدولي (DIA)، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية لعمليات الإقلاع والهبوط.
عندما كشفت قطر عن ملفها لاستضافة كأس العالم 2022، وعدت بتقديم حلول مبتكرة لمجموعة من التحدّيات، كان أحدها تطوير تقنية التكييف لملاعب كرة القدم.
وعدت قطر بأن البطولة ستكون نسخة "لا مثيل لها عبر التاريخ"، حيث كانت المَرافق والفَعاليات مترابطة بشكل يضمن المحافظة على البيئة، ومنذ العام 2010، بدأت اللجنة العليا للمشاريع والإرث، بالتعاون مع جامعة قطر، بتصميم وتنفيذ أنظمة تبريد مبتكرة لملاعب كأس العالم لكرة القدم، حيث تم إسناد العمل على هذه التقنية للدكتور السوداني سعود عبد العزيز عبد الغني، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة قطر، الذي نجح في مهمته.
صُمّمت تقنية التبريد في الملاعب لضمان وصول درجات الحرارة في الملعب ومنطقة المتفرّجين إلى نحو 26 درجة مئوية، مع الحفاظ على الاستدامة والكفاءة العالية في استخدام الطاقة مقارنة بتقنيات التبريد التقليدية، وذلك بنسبة تصل إلى 26%.
وهي من أفضل التقنيّات المتعلّقة بتكنولوجيا التبريد الذكية، تتيح التحكّم بدرجة الحرارة بحسب عدد الأشخاص الموجودين في الملعب، بغضّ النظر عن درجة الحرارة في الخارج، كما تضمن تنظيف وتنقية الهواء في الملاعب أثناء التكييف، وهو ما تحقق بالفعل إذ لم يتم الإبلاغ عن أية شكاوى متعلقة بالتكييف وجودة الهواء حتى الآن.
كانت هذه وقفة مع عدد من الأمور التي ميّزت نسخة مونديال 2022 التي تستضيفها دولة قطر، والتي تُعد الأولى من نوعها في المنطقة، إذ لن يتم في القريب "على الأقل" إسناد شرف استضافة البطولة لدولة عربية شرق أوسطية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.