من لعبة ويجا والحبار إلى تشارلي، وباء إلكتروني خبيث لم ينته وباله على أبناء الجيل المعاصر، وتشارلي أو لعبة قطع الشرايين كما يسمونها مؤخراً تسببت في حدوث هياج عصبي لدى بعض الفتيات بمدرسة بالجيزة، وتم نقلهن للمشفى على أثره، وتسببت برعب وهلع الكثير من الأطفال في كل دول العالم، ومن ضمنها مصر التي انتشرت فيها اللعبة بين أوساط طلاب المدارس كالنار في الهشيم، فما الحكاية؟!
ما هي لعبة تشارلي؟
لعبة تشارلي هي لعبة مكسيكية الأصل، تعتمد على التواصل الروحاني -مثل لعبة ويجا- لاستحضار روح شخص يدعى تشارلي، وهي أحد الطقوس المكسيكية القديمة، وتشترط أن يكون لاعبوها من فئة المراهقين وطلاب المدارس ذوي العمر الصغير، كما يطلق عليها البعض لعبة القلم أو قطع الشرايين، فهي عبارة عن ورقة مقسمة إلى 4 مربعات، ويتم وضع قلميْ رصاص يشكلان علامة "+" فوق الخطوط التي تقسم تلك الصفحة، وفي كل مربع منها يكتب yes-no بالتبادل بين المربعات، ومن ثم يتم المناداة على تشارلي بصيغة محددة كالتالي "charlie charlie are you here"، أي هل أنت هنا يا تشارلي؟
ولوهلة لا يحدث أي شيء، حتى إن اللاعب يظن أن الأمر برمته مجرد خدعة رخيصة، ولكن سرعان ما يتحرك القلم نحو كلمة yes؛ ما يشعر اللاعب بالخوف والرعب، وبعدها يبدأ اللاعب في توجيه الأسئلة للمدعو تشارلي، ويجيب عليها تشارلي بتحريك القلم نحو الإجابات المكتوبة مسبقاً "yes-no"، وذلك حسب السؤال. وكما في لعبة ويجا، فإن اللاعب يجب ألا يترك اللعبة فجأة ودون صرف تشارلي بشكل لائق قائلاً: Charlie, Charlie, can we stop أي هل نستطيع التوقف عن اللعب الآن يا تشارلي؟، فإذا تحرك رأس القلم نحو كلمة نعم "yes" عندها يمكن للاعب أن يترك اللعب بعد أن يودّع شارلي، أما إذا تم ترك اللعبة دون موافقة شارلي فقد يتعرض لأمور غاية في السوء.
من هو تشارلي؟
اختلفت الروايات حول هوية تشارلي، فالبعض يقول إنه طفل مكسيكي انتحر من شدة فقره وبؤسه في سن صغيرة، وبعضها يقول إن تشارلي كان رجلاً منبوذاً، وكان الناس يؤذونه ومات في ظروف غامضة، وإن عينيه لهما لون مختلف، واحدة سوداء والأخرى حمراء، وهو يهيم في هذا العالم بحثاً عن الانتقام، ويفتش عن طرائد من البشر المتهورين الذين يطرقون أبواب العالم الآخر، فينالون مصيراً بشعاً أسود. كما أن بعض كبار السن والعجائز في الباهاما يزعمون أن تشارلي كان مدرساً شريراً يتحرش بالأطفال جنسياً، ما أدى بالنهاية إلى قتله على يد أهالي الأطفال، ولهذا هو يبحث عن طلاب المدارس الصغار على وجه الخصوص لينتقم منهم.
إضافة لذلك، فإن رجال الدين في أمريكا الجنوبية يقولون إن تشارلي ليس روحاً بشرية، بل هو كيان شيطاني "كالجن" يتلاعب بالناس ويخدعهم لكي يتمكن من التقرب منهم والتلبس بأجسادهم وتدميرهم، ولهذا يحذرون كثيراً من لعب هذه اللعبة، وهناك دعوات صريحة من بعض الكنائس لحظر اللعبة وحث أتباعها على منع أبنائهم من ممارستها باعتبارها شكلاً من أشكال الغواية الشيطانية.
كيف انتشرت لعبة تشارلي؟
ظهرت اللعبة عام ٢٠٠٨، لكنها لم تلق رواجاً آنذاك، ثم ظهرت ثانية في عام ٢٠١٥على منصة تويتر، وتسببت في انتحار شاب عام ٢٠١٩، إلا أنها انتشرت مؤخراً على منصة تيك توك بين طلاب المدارس كنوع من الغموض والمرح، غير أنها واجهت انتقادات عدة لقيامها على فكرة قراءة معوذات لاستحضار الجن والشياطين، واللعب في أماكن نجسة لسرعة استحضارهم، ما جعل الأمر ينتشر بشكل مخيف جداً، ما تسبب في حدوث أعراض وأمور غريبة لدى الأطفال، كرؤية ظلال غامضة تتحرك بسرعة وسماع ضحكات طفل خفي ورؤية كوابيس وأحلام مزعجة ومرعبة، والأسوأ هو حادثة مدرسة الجيزة التي أدت للهياج العصبي لدى الفتيات وقطع البعض منهن شرايينها ليتم نقلهن على أثرها للمستشفى، وفق رواية إحدى طالبات المدرسة وشهود العيان، غير أن المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم نفى صحة الرواية، ولكنها تسببت في حدوث حالة من الفوضى والرعب في قلوب الطلاب والأهالي والإدارة المدرسية، وفق ما تناقلته وسائل الأخبار وشهود العيان على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الرسمية المصرية.
كيف واجهت وزارة التربية والتعليم المصرية لعبة تشارلي؟
وجهت وزارة التربية والتعليم كافة الإدارات التعليمية على مستوى الجمهورية بالتنبيه على مديري المدارس بمراقبة أية أنشطة غير معتادة يقوم بها الطلاب قد تضر بهم، وتنفيذ حملات توعية بأضرار الألعاب الإلكترونية التي يسعى بعض الطلاب لتطبيقها على أرض الواقع، وطالبت الوزارة في بيان رسمي لها يوم الأربعاء الماضي، أن على أولياء الأمور مراقبة نشاط أبنائهم على الهواتف الذكية في ظل انتشار تطبيقات وألعاب إلكترونية قد تمثل خطراً داهماً على صحتهم العقلية والجسمانية، بعد انتشار لعبة تشارلي، كما أكدت على أهمية الرقابة الأسرية التي باتت ضرورة ملحة وأولوية قصوى في ظل ممارسة بعض الطلاب لأنشطة خطرة عبر تطبيقات الهواتف الذكية، ما يؤثر على صحتهم النفسية والجسمانية، والتي تنعكس بدورها على أدائهم الدراسي.
تقرير الإندبندنت يكشف حقيقة الأمر
بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية، كشفت فيه أن "الجاذبية الأرضية" هي السبب العلمي المباشر الذي يقف خلف حقيقة الأمر وخلف كل هذه الخدعة، خصوصاً أن القلمين لن يبقيا في مكانهما طوال الوقت بسبب شكل القلم الإسطواني، وإن أقل قدر من الهواء، وخاصة التنفس بوجه القلم قد يحرك تلك الأقلام، ولذلك لا يتحرك القلمان إلا بعد التحدث وبالتالي إطلاق الهواء تجاههما.
لماذا هي لعبة خطيرة؟
حذر علماء النفس من هذه اللعبة، مشيرين إلى أن الأطفال الذين اعتادوا لعب لعبة تشارلي تحدث لهم أعراض غريبة، مثل رؤية الظلال وسماع ضحكات طفل خفي ورؤية الكوابيس والتخيلات ورؤية شبح الطفل "تشارلي" في خزانة الملابس، بينما البعض لا يتعرض لمثل هذه الأعراض، وذلك حسب درجة التأثر بهذه اللعبة الغامضة، وأكدوا أن السر وراء الخوف الذي شعر به الطلاب هو "العقل" الذي يوحي بهذه الأمور نتيجة شعوره بالخوف، فالطفل يشرع في اللعب بعد قراءته لقصص مخيفة عنها، ورؤية فيديوهات مرعبة، وما يسرده زملاؤه من غموض وخوف، بالتأكيد ستراوده مشاعر سيئة في كل حركة أو همسة من حوله، ويبدأ بتخيل وجود كائنات خفية غامضة ترعبه، ما يؤثر على خياله وإبداعه ويحد من ذكائه العقلي ويؤثر على مستواه الدراسي لاحقاً.
هل لعبة تشارلي حلال أم حرام؟
حذر العديد من الأئمة والخطباء من هذه اللعبة وكل لعبة تقع على شاكلتها، واعتبروها مدخلاً من مداخل الشرك بالله، حيث يتم الاستعانة فيها بالجن، ويرى بعض العلماء أن اللعبة حرام لأنها تقوم على مبدأ العرافة والشعوذة والسؤال عن الغيبيات والمستقبل، ويتم تنفيذها في أماكن نجسة وقراءة تعويذات لاستحضار الأرواح والشياطين، وكلها من الأمور المحرمة والمنهي عنها في الدين الإسلامي.
الأزهر يحدد ضوابط الألعاب
وحدد الأزهر الشريف بعض الضوابط الواجب توافرها في الألعاب، سواء الواقعية أم الإلكترونية، ومنها:
- أن يكون اللعب نافعاً للنفس أو الذهن أو البدن.
- ألا يشغل عن واجب شرعي مثل أداء الصلاة أو بر الوالدين.
- ألَّا يؤدي إلى إهدار الأوقات والأعمار.
- ألَّا يشغل عن واجب حياتي كطلب العلم النافع والسعي في طلب الرزق أو حقوق الوالدين والزوجة والأولاد.
- ألّا يُلحق الضرر والأذى بأحدٍ بصوت أو فعل مثل إيذاء الجيران.
- ألَّا يُؤدي اللعب إلى خلافات ومُنازعات.
- أن يخلو من الاختلاط المُحرَّم أو كشف العورات التي يجب سترها.
- أن يخلو من إيذاء الإنسان، فلا تجوز إهانة الشخص بضرب وجهه أو إلحاق الأذى به.
- أن يخلو من إيذاء الحيوان.
- ألَّا يشتمل اللعب على مُقامرة.
كيف يتعامل الأهل مع أبنائهم لمواجهة لعبة تشارلي وأخواتها؟
احرص على تعليم طفلك العقيدة الصحيحة، ووضح له الخطر العظيم والعقوبة الشديدة التي تقع على كل من يأتي أمراً من أمور السحر والشعوذة والاستعانة بغير الله، ويعتقد فيها، فيقع تحت طائلة الشرك بالله والعياذ بالله، ويجب أن توضح له بلغة وطريقة تناسب عقله وسنه ولا تخيفه وترهبه بقدر ما تعينه على الفهم بحكمة.
يجب متابعة الأبناء عن قرب وبدقة ومعرفة النشاطات التي يقومون بها على الهواتف والأجهزة الإلكترونية، وأي التطبيقات يستخدمون، وأي الأفكار تستحوذ على إعجابهم وتركيزهم بشكل أكبر، وصحبتهم ومحاورتهم بشكل دائم؛ ما يسهل عملية التدخل السريع إن لزم الأمر.
علم طفلك كيفية انتقاء الأنشطة المفيدة والآمنة وكذلك المناسبة لعمره منذ الصغر ولا تكتفي بذلك، بل تتابعه باستمرار وحرص، وبذلك يكبر الطفل وهو يعرف كيف يميز بين الصواب والخطأ وبناء الضمير الإنساني، ويعرف الحدود التي لابد أن يقف عندها ولا يتخطاها في اختياراته، ومع التأكيد على المتابعة المستمرة له في كل مراحله العمرية وباستخدام الأسلوب المناسب لكل مرحلة.
عود طفلك أن يملأ وقته بما يفيده جسمانياً وعقلياً وروحياً، ولا يعرف للفراغ معنى، فالفراغ هو الباب لكل مفسدة ومدعاة لكل صحبة سوء قد يقع بها، وأن تجعله يدرك قيمة الوقت الذي هو حياته وتعلمه كيفية الحفاظ عليه باستغلاله فيما يفيده، وعدم إهداره فيما يعود عليه بالضرر والسوء.
لا تترك الهاتف في يد طفلك لساعات طويلة، وأكثر من الأنشطة الحركية والرياضية بدلاً من الإلكترونية، وكن قدوة صالحة لطفلك فلا تأمره أو تنهه عن شيئاً وأنت تأتيه، وشاركه جميع جوانب الحياة كي يتقبل منك النصيحة عند اللزوم، ولا يشعر أنك كالقاضي الذي يصدر الأحكام فقط.
تخيّر الرفقة الصالحة لطفلك، وعلمه كيفية الاختيار ومدى أهميته وكيف يؤثرون فينا ونؤثر فيهم، مستشهداً بالأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً". متفق عليه.
وظف مهارات طفلك، وأطلق له مساحات من الحرية الآمنة لتساعده على تنمية إبداعه ومواهبه، واجعله يكتسب الثقة بذاته من خلال تعزيز قدراته وتشجيعه على ما يقدمه من أعمال وسلوكيات إيجابية، وذلك بشكل دائم.
في النهاية سواء كان السبب قانون الجاذبية أو أن لعبة تشارلي تستحضر الجن والشياطين حقاً، فلقد تسببت في مشكلات عديدة بين طلاب المدارس بالبيئة العربية والعالمية، وتمثل خطراً عقائدياً ووجودياً حقيقياً على طلاب المدارس والمراهقين الذين يحتاجون لرعاية خاصة في تلك المرحلة الحرجة من العمر، لذا فلنقم بواجبنا الآن قبل فوات الآوان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.