الواحدُ منّا تنبتُ فيه مرةً واحدة بذرةُ حبٍّ لفريقِ كرةِ قدم، سواء استورث هذا الحب أو بذره بنفسه، ثم يبقي على هذه البذرة يكبرها ويرعاها، فاز فريقه أو خسر، وفي الأغلب لن يجد في قلبه مكاناً لفريقٍ آخر يمكن أن ينافسه.
أصفر؟ رونالدو؟ البرازيل دائماً
أبيض وأزرق؟ ميسي حتى النهاية
أحمر وأخضر؟ كريستيانو إلى الأبد
لكنَّ.. أحمر وأخضرَ آخَرَين هذه المرة غيرا المعادلة، أزاحا البذرة على جنب قائلَين لها: إن كنتِ قد بُذرت من عشرة أعوامٍ أو يزيد، فأنا هنا منذ الأزل، ابن هذا القلب وأخيه.. اليوم الأحمر والأخضر مغربيٌّ فقط!
لماذا نزيح انتماءنا الكرويَّ جانباً اليوم؟ ونتبنى انتماءً آخر؟
الموضوع بسيطٌ جداً، ومعقَّدٌ جداً جداً في الوقت ذاته!
لأننا مثلاً حين نقرأ اسم ياسين، وعزالدين، وحكيم، وأشرف.. نقرؤها دون أن نتلعثم، هذه أسماءٌ تشبهنا، هذه أسماؤنا! هؤلاء منا!
وحين نرى سفيان بوفال يحتفل مع والدته في الملعب، ننظر إليها بشيءٍ من استغراب وشغف، نتفرس ملامحها نقول: تشبه أمي، تشبه أمك، تشبهنا.. هؤلاء منا!
ولأننا حين نرى حكيمي يركض بعد كلِّ فوزٍ تجاه أمه يقبّلها كأنها تميمةُ حظه وسعده.. نقول ليست تميمة، بل دعاء وطريق جنة، إذاً هما منَّا!
ولأننا حين نرى دموع مرابط، الذي فضل فريق بلده على عافية جسده، نقول: تشبه تضحياتنا، تشبه تاريخنا، تشبه تفانينا تجاه ما نؤمن به، إذاً فهو منَّا!
ننظر إلى سايس، سايس يشبه شبابنا كلهم، السحنة، اللحية، السمار، العطاء والاندفاع ذاته.. سايس يشبهنا!
يجلس بونو في المؤتمر، يقولون له، وهو الذي يعرف ثلاث لغات خلاف لغته: تحدث بغير العربية، يرفض، يقول: ليس ذنبي أنكم لا تعرفونها، وتهتف عروقنا التي تتحدث لغته قبل ألسنتنا: يتحدث لغتنا، يفتخر بها، هذا منا!
يسألون الركراكي عن حلم التأهل.. الحلم الذي يشبه كل أحلامنا المستودعة عند خالقنا، الحلم الذي يشبه كل أحلامنا التي ما زلنا -ورغم كل المحن- نغذيها بالأمل، يسألونه فيجيب: ديروا النية!
هذا المدرب يعرف مثلنا تماماً أهمية النوايا! هذا المدرب يتحدث عن الجزء الأهم في معتقداتنا، يتحدث عنها في حدث عالميّ مهم، يقول أمام العالم أجمع: ديروا النية! يتحدث مثلنا، يقدِّم النية مثلنا! لا شك إذاً، هذا منَّا!
يفوزون، تحمل كل الفرق حين تفوز علماً واحداً، إلا هم يحملون اثنين، أحدهما علم فلسطين! هذه فلسطيننا! هذه قضيتنا منذ الأزل، يحملونها معهم، ويرفعونها في كل محفل، يحتفلون ويذكِّرون بها! كيف لا يكونون منا!
ننظر إليهم جميعاً، يقف الواحد منهم قبل دخول الأرضية، يضم كفيه جانب بعضهما، يقول دعاءً ما ثم يمسح وجهه، يا إلهي! هذه طريقتنا! والآخرون قبل ركلات الجزاء يرددون الفاتحة على مرأى ومسمع من العالم الذي يقول عن هذا الدين إنه دين إرهاب.. يقرؤون فاتحة كتابنا! هذا ديننا! ثم حين ينتصرون؛ يسجدون! إنها معتقداتنا! يدينون بديننا، يدعون دعاءنا، ويسجدون شكراً لربنا! إنهم حتماً منا!
الموضوع إذاً ليس: أنا أستمتع بكرة القدم أياً كانت!
القواعد تتغير، الموضوع أعمق وأكبر، نحن نتخلى اليوم عن فرقٍ لطالما عشقناها، بل نفرح ونهلل لخروجها مهزومة، لأن انتماءنا العقائدي وقربة الدم أعمق وأقوى!
تفرح سوريا، تهلل فيها البيوت الباردة ويدخلها رغماً عن أنف الظروف دفء السعادة، وتردد فلسطين بين كل أوجاعها أهازيج الفرح، وتقلب المقاهي في مصر رأساً على عقب وكأن مصر هي التي فازت، ترقص السودان، يسألون عراقياً: ما الذي تحتفل به: يقول: فزنا! "بال نا فضلاً" ويرفع الجزائري علم المغرب جنباً إلى جنب مع علم بلاده، ويردد العرب كلهم: ديماً مغرب! تصنع الكرةُ اليوم ما عجزت عنه السياسة، بل تكسر الكرة اليوم كل الحدود التي صنعتها السياسة، ويعود الانتماء لينمو فوقها، ضارباً كل المسافات عرض الحائط.. كيف لا نفرح؟ إنهُ فوزنا!
المغرب منا، يشبهنا، يوحّدنا، يلمّ شملنا، ويحمل قضايانا، يعيد لنا فرحتنا التائهة، لذا عذراً فرقنا التي نشأنا على تشجيعها.. نحبكم، ولكننا بالتأكيد نحب المغرب أكثر.
عذراً كريستيانو.. عذراً ميسي، الأخضر والأحمر مغربيٌّ اليوم، عربيٌّ وإفريقيٌّ اليوم، لا مكان لدينا لأخضرَ آخر، أو أحمر آخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.