حلم بصورة مع ميسي فلعب بجانبه في كأس العالم.. قصة الأرجنتيني ألفاريز الذي سجل هدفين في شباك كرواتيا

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/14 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/14 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
جوليان ألفاريز مع ميسي في كأس العالم بقطر 2022 / رويترز

"أهلاً بكم في كالشن، مسقط رأس جوليان ألفاريز"

من بين كل المدن الأرجنتينية الشهيرة، يعرف العالم العاصمة بوينس آيرس، ويعرف روزاريو، لكن لا أحد تقريباً يهتم لأمر كالشن، وكالشن هي بلدة صغيرة للغاية في الأرجنتين، لكي تخرج منها قاصداً العاصمة، تحتاج إلى ما يقارب سبع ساعات أو أكثر بسيارتك، وهي البلدة التي لا يزيد عدد سكانها عن 3500 نسمة.

يمكنك أن تقرأ، على بوابات كالشن، ما قرأته في بداية الفقرة، وكالشن كما قلنا هي بلدة صغيرة، تعمل في الفلاحة والزراعة، تهتم بأمر الماعز والأبقار وإطعام معظم سكان الأرجنتين، وجوستافو ألفاريز، الرجل الذي يعمل كسائق في مجال الحبوب الغذائية، لم يكن يحلم بأن تتحول حياته بهذا الشكل الكبير.

حينما حلت الألفية الجديدة، كان جوليان ألفاريز يصرخ صرخته الأولى مستقبلاً الألفية الجديدة والعالم بأسره، وجوليان بدا عليه من صغره حب كرة القدم، لكن، لأسرة كتلك، فإن الأحلام تظل أحلاماً، ربما لأن أجوستو ورافاييل ألفاريز، لم يتمكنا من مواصلة أحلامهما في لعب الكرة، وتحول أحدهما إلى المحاسبة، والآخر إلى التدريس.

كانت ماريانا ألفاريز، أمه، تعمل معلمة في رياض الأطفال في كالشن، تعرف أن هوجو رافاييل فاراس، وهو رجل يبيع البيتزا، ويمتلك أكاديمية يمكنها أن تأخذ جوليان إلى ما هو أبعد من هذه البلدة الصغيرة؛ فتواصلت أسرة جوليان معه، في البداية رفض الرجل الفكرة وأقنعهم بأنه سيحاول البحث عن فرصة أخرى إذا شاء القدر.

في عام 2011، كان جوليان ألفاريز في إسبانيا، هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها من كالشن قاصداً أية مدينة غير العاصمة بوينس آيرس، لكن في هذه المرة بالتحديد كان في ممرات البيرنابيو، وتحت أنظار خبراء ريال مدريد، الذين يُقيمون المواهب ويختارون أيها أفضل للاستمرار.

مشكلة ألفاريز أنه كان صغيراً للغاية، في الحادية عشرة من عمره كان من الصعب أن ينضم إلى ريال مدريد ويراهن عليه الفريق، في إسبانيا يُفضلون أن تصل المواهب إلى الثالثة عشرة حتى يمكن تسجيلها واعتبارها ذات أهلية وقادرة على ترك بلدانها والانضمام إلى الأكاديميات الكروية هناك، خاصة إذا كان الصبي أجنبياً كما هو الحال مع جوليان ألفاريز وقتها.

ألفاريز
جوليان ألفاريز

بالنسبة لأسرة عاملة، والده جوستافو ووالدته ماريانا، كان من الصعب أن يتركا مصادر رزقهما في كالشن والمخاطرة بفرصة ربما لن تدوم طوال العمر؛ لذا عاد جوليان رفقة أسرته إلى حيث أتى، وبدأت الأحلام في التلاشي.

حتى إذا اتصل به ليونيل ميسي ووالده خورخي ميسي، يطلبان من والده أن يعود جوليان إلى إسبانيا ويستقر في إحدى أكاديميات برشلونة ويستنفع منه برشلونة حينما رفضه ريال مدريد!

ميسي هو أسطورتك واللاعب الذي مررت بجواره لتلتقط معه صورة، تماماً مثلما فعلت مع نجوم ريال مدريد: سيرجيو راموس، دي ماريا، هيجوايين، يوم أن كنت هناك، في إسبانيا، لكنها الحياة، تختار فيها أن لا تختار أحياناً، وما حدث أن كالشن تنتظرك.

يوم أن عادت الأسرة إلى كالشن، رائحة البلدة العتيقة تجتاح أنفك، بعدما دخلت ملعب سانتياغو بيرنابيو وقُلت إن الملعب يبدو وكأنك لا ترى السماء من ضخامته.

ولقد أتتك فرصة إضافية، من نفس الرجل الذي رفضك وقال إنه سيبحث عن فرصة إذا شاء القدر؛ هوجو رافاييل فاراس، لقد أتاهم هوجو بنية أن يصطحب معه جوليان في أكاديميات أرجنتينية يمكنها أن تصل به إلى المنتخب في يوم من الأيام.

هوجو، لم يكن رجلاً عابراً في قصة جوليان ألفاريز، بل كان "الحارس" له طوال مسيرته، الرجل الذي منحه فرصة حينما أغلقت في أبوابه خير الفرص، كيف لا ورفض ريال مدريد ما زال يلوح في الأفق، المهم أن جوليان قد انضم أخيراً إلى فريق البلدة، أتلتيكو كالشن، حينها قال إن حلمه أن يقف بجوار أسطورته، ليونيل ميسي، ويتشاركا حلم تمثيل الأرجنتين في كأس العالم، وكان حلماً بسيطاً لطفل ربما لما يبلغ حينها بعد!

والفرصة التي منحها إياه هوجو لم تكن فرصة واحدة في حد ذاتها، بل كانت مجموعة فرص فتحت له الأبواب التي ظن أنها أُغلقت، إنه ريفر بليت، الفريق الذي يحبه جوليان منذ صغره، ورغم أنه سيسافر تقريباً لسبع ساعات من البلدة الصغيرة إليه، إلا أن الأمر يستحق كل هذا العناء، وإذا كانت الأسرة العامة قد رفضت مدريد لأنها في نطاق جغرافي مختلف، فمن الصعب أن ترفض ريفربليت لأنه الفريق الذي يمكنه أن يكون جسر الوصول إلى مدريد نفسها فيما بعد.

جوليان أحب ريفر بليت، وعاش معه لحظاته الرائعة والمؤلمة، رآه يهبط إلى الدرجة الأولى، وتذكر كيف كانت حياة معظم عشاق ريفربليت مؤلمة، لدرجة جعلت مشجعي بوكا جونيورز يسخرون منهم بتحويل الأمر إلى جنازة رسمية وكأن ريفر بليت قد تلاشى إلى الأبد.

ريفربليت وفر لألفاريز كل ما يمكن أن يحلم به، التدريبات الاحترافية، الدورات الأكاديمية التي علمته مختلف لغات العالم، لكن ريفربليت أعاد إحياء حلمه، حدث ذلك في عام 2018، نهائي القرن التاريخي بين ريفربليت وبوكا جونيورز في كوبا ليبرتادورس!

جلس ليلتها جوليان ألفاريز على دكة البدلاء، جلس على دكة بدلاء سانتياغو بيرنابيو، الملعب الأسطوري الذي قال عنه، إنك حين تقف فيه قد لا ترى السماء من ضخامته، لكنه لم يكن سعيداً كما تظن، كان طامعاً في فرصة للبدء أساسياً، قال إنه قرص نفسه من شدة الحسرة على ذلك، لكنه حل بديلاً في نهاية الأمر، وانتصر ريفربليت على غريمه التقليدي بوكا، والجنازة الرسمية التي قدمها مشجعو بوكا جونيورز منذ ست سنوات تقريباً، لم يكن أي واحد منهم يدري أن ريفربليت سيعود ويدفنهم أحياءً في مدريد ويُشهد العالم كله على ذلك.

بعد كل ما حدث، كان على جوليان ألفاريز أن يقصد أوروبا أخيراً، أصبح بالغاً، ولديه من المهارات ما يجعل أسرته تقبل بذلك، وهذه المرة في مكان مختلف تماماً، مانشستر سيتي الإنجليزي، ويستدعيه ليونيل سكالوني، مدرب المنتخب الأرجنتيني، إلى التشكيلة النهائية لكأس العالم وكوبا أمريكا.

وليس لشيء أكثر من أن جوليان لم ينس فضل الرجل الذي كان سبباً مهماً في كل ذلك، هوجو رافاييل فاراس، كان حلم هوجو أن يحصل على قميص مُوقع من جوليان بألوان ريفربليت، وفي يوم هادئ من حياة فاراس، مر عليه جوستافو ألفاريز، والد جوليان، يحمل شيئاً يفوق أن يُحفظ، كانت سيارة، سيارة يهديها جوليان ألفاريز لحارسه ومعلمه الأول والأخير في بلدة شالكن، سيارة تُوفر عليه عناء يومه الذي يخرج فيه لبيع الطعام والاهتمام بعض الشيء بمصادر دخله الأخرى.

كانت دموع هوجو خير دليل على أنه أحب جوليان حقاً، وأن جوليان، خرج من بلدة جعلته مهذباً، خجولاً وكريماً، وعلى بوابات شالكن، يمكنك أن تقرأ رسالة الترحيب الكبيرة: "أهلاً بكم في شالكن، مسقط رأس جوليان ألفاريز".

البلدة الصغيرة المنسية، أصبح سكانها يصرخون من شدة الفرح بأن واحداً منهم قد استطاع أن ينقل البلدة إلى خريطة العالم، ويُعرف الناس عليها وعلى ثقافة أهلها، رغم بساطة ثقافتها وصغر مساحتها وقلة الفرص فيها.

في عام 2021، وقف جوليان ألفاريز بجوار أسطورته التاريخية واللاعب الذي كان يتمنى أن يحصل منه على صورة أو توقيع فحسب، واللاعب الذي لم يكن يعرفه ولا يهتم لأمره حينها، اللاعب الذي لم يتوقع أبداً أن السلاح الذي سيستخدمه كثيراً في قطر يُريد أن يُسلم عليه دون أن يُعرفه بنفسه؛ ليونيل ميسي، وقف بجواره ممسكاً لقب كوبا أمريكا الغائب عن خزائن الأرجنتين منذ عام 1993، والآن يقف بجواره حاملاً أسطورته ومعانقاً إياه في كأس العالم قطر 2022، والرجل الذي كان يركض أمام كرواتيا كأن كرواتيا كلها تركض خلفه وتلاحقه، الرجل الذي وضع الأرجنتين في نهائي مونديال قطر، ومنح ميسي دافعاً لاستكمال حلمه التاريخي بأن يُمسك كأس العالم بين يديه، بعدما مر بجوارها في البرازيل عام 2014 وحاول بشتى الطرق أن يتلاشى النظر إليها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد