لم يخسروا إلا مباراة واحدة منذ 2018.. هل تُنهي كرواتيا حلم ميسي في كأس العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/13 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/13 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
المنتخب الكرواتي بعد فوزه على البرازيل /رويترز

لو كان باجيو كرواتياً…

يوم أن تقدم روبيرتو باجيو لتنفيذ ركلته الشهيرة في مونديال 1994 في أمريكا ضد البرازيل، كانت العوائق أكبر بكثير مما نظن أو قد نعتقد، باجيو لم يكن جاهزاً لها، ولم تكن إيطاليا بأكملها مستعدة لها أيضاً.

"كرة القدم أصبحت لعبة نفسية في عصرنا الحالي" نعم، ما قرأته صحيحاً بنسبة 100%، كرة القدم أصبحت لعبة نفسية بشكل كامل، ولأن ركلة الجزاء كحد أدنى، وركلات الترجيح بالحد الأقصى، هي الصورة النقية والواضحة للعبة كرة القدم: حارس مرمى، لاعب، كرة، وتسديدة يمكنها أن تُحدد مسار فريق ودولة كاملة!

تعود القصة بالتحديد إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2017، حينما كان زلاتكو داليتش يطوف في آسيا باحثاً عن منصب في أي نادٍ من أسيادها، مر على الفيصلي والهلال في السعودية، والعين في الإمارات، ثم حدثت اللحظة التي تحدث في لحظة لا تتوقعها.

الاتحاد الكرواتي لكرة القدم يقرر أن يخاطر ويطلب عون المدرب الذي قرر أن يستقر في قارة آسيا؛ ليخلف أنتي كاسيتش، الرجل الذي قاد المنتخب لعامين فحسب، وكانت كرواتيا معه منتخباً عادياً للغاية.

لا يمكن أن تُراهن عليه لهزيمة البرازيل أو مناطحة الأرجنتين، أو أن يتسبب في أي قلق لأي فريق من كبار القارة في أية قارة قد تذكرها، وتسلم زلاتكو زمام الأمور وفكر كيف يُحول كرواتيا إلى فريق طموح، يقولون إن السماء هي أعلى نقطة لسقف التوقعات، وهو ما أراده زلاتكو لكرواتيا حقاً.

في كأس العالم روسيا 2018، وقعت كرواتيا في مجموعة تضم الأرجنتين، نيجيريا وأيسلندا، بحكم التاريخ وبحكم المنطق، كان الجميع يعتقد أن كرواتيا ستحل ثالثة في المجموعة خلف المتصدرة الأرجنتين، والوصيفة نيجيريا.

يُهدر ميسي ركلة جزاء أمام أيسلندا في المباراة الافتتاحية للمجموعة، وتبدأ الأرجنتين رحلتها بأسوأ طريقة ممكنة، بالتعادل مع أيسلندا، دولة حديثة العهد بكؤوس العالم وحتى المنافسات الدولية، وفي المساء تنتصر كرواتيا على نيجيريا، ثم تأتي الجولة الثانية، كرواتيا تُقارع الأرجنتين، وتدخل المباراة بنية الحفاظ على صدارتها وأن تحقق على أقصى تقدير تعادلاً يرضيها لتستكمل مشوارها أمام أيسلندا.

لكن لا، لقد سجل أنتي ريبيتش الهدف الأول، ثم فعلها مودريتش في الوقت الذي كانت الأرجنتين تلفظ فيه أنفاسها الأخيرة، وغرز السهم كاملاً في قلبها راكيتتش فيما بعد، انتصرت كرواتيا بثلاثية نظيفة!

ولم تكتفِ بما فعلته، بل تصدرت المجموعة برصيد تسع نقاط كاملة، سجلت خلالها سبعة أهداف واستقبلت هدفاً وحيداً، وجعلت الأرجنتين تنتظر خلاصها أمام نيجيريا؛ وهو ما حدث فعلاً.

إلى هنا، تكون رحلتهم السعيدة قد انتهت، سيواجهون الدنمارك، والفائز منهما سيتواجه مع الفائز من روسيا وإسبانيا، وحدث ما لا يتوقعه أحد، لقد استطاعت كرواتيا أن تصل بالدنمارك إلى الأشواط الإضافية ثم ركلات الترجيح وتأهلت من تلك النقطة بالتحديد، وظن الجميع أنها مجرد صدفة كما يحدث دائماً في كرة القدم.

ثم يتواجه الكروات مع الروس، ويتعادلان، ثم تتجه المباراة إلى ركلات الترجيح من جديد، وتنتصر كرواتيا! وكأن كرواتيا لم تصل بمحض الصدفة، بل خططت إلى ذلك، وتحمل أمتعتها وتُقرر أن تُلاحق إنجلترا في نصف النهائي.

نصف نهائي كأس العالم لم يكن دوراً تفتخر به كرواتيا كثيراً، لقد فعلت ما هو أفضل في مونديال فرنسا 1998؛ حينما حققت المركز الثالث خلف فرنسا والبرازيل متفوقة على هولندا في مباراة تحديد المركز الثالث والرابع، أي إن الرحلة لم تكن استثنائية بمنتهى الصدق، حدثت بالفعل من قبل.

لذا، كان على كرواتيا أن تخترع، أن تفعل الاستثناء حقاً، وبالفعل، وصلت كرواتيا إلى النهائي لتُقابل فرنسا، والمنتخب الفرنسي كان المنتخب الوحيد في البطولة الذي استطاع أن يوقف زحف الكروات نحو كأس العالم، واستطاع تلقينهم هزيمتهم الأولى في البطولة، بعد ست مباريات كاملة لم تخسر خلال أية واحدة منها كرواتيا!

زلاتكو داليتش، مدرب كرواتيا، يقول إن المنتخب الوطني لا بد من أن يكون مثل العائلة، أن يكون هناك والد، والدة، أخ وأخت، أن يجتمع اللاعبون حول بعضهم البعض ويشعر كل واحد منهم بأنهم إخوة، هذا الشعور سيُسهل كثيراً ما تريده كرواتيا.

وما الذي تريده كرواتيا؟ قبل داليتش لم تكن تُريد إلا ما نُطلق عليه "التمثيل المشرف" وبعد داليتش تحولت أحلامها إلى ما هو أكبر، المنتخب الذي يمتلك ذخيرة في مختلف الأندية الأوروبية الضخمة: مودريتش في ريال مدريد، راكيتتش في برشلونة، كوفاسيتش في تشيلسي، لوفرين في ليفربول، فيرساليكو في أتلتيكو مدريد، بروزوفيتش في إنتر ميلان، وبيريزيتش في بايرن ميونيخ، وأخيراً أنتي ريبيتش في ميلان.

بالنظر إلى قوام كرواتيا، فإنها تُشبه إلى حد كبير معظم المنتخبات الأوروبية، تمتلك قواماً قوياً، لكن بلا طموح يُذكر، وهو ما سهل الطريق لداليتش، كان داليتش يعتقد أن هذه المجموعة تستحق أن تؤمن بنفسها، وأن "لعبة كرة القدم أصبحت لعبة نفسية في عصرنا الحالي".

ما يُميز كرواتيا، أنها لا تمتلك لاعباً بعينه يمكنك أن تقول إنه النجم الأول للفريق، اللاعب الذي إذا ما فازوا مدحه الناس، وإذا ما خسروا انتقدوه بشكل خاص جداً، كرواتيا تقوم على أساس "المجموعة" بقيادة قائدها، الرجل الذي يُشبه المايسترو في الأوركتسرا، لوكا مودريتش بالطبع، هو يفعل كل شيء بدون أن يفعل أي شيء.

لا لشيء أكثر من أنه اللاعب الذي يجعلك تجلس وتتمنى أن يكون معك، وتكره أن يكون ضدك، بلمسة واحدة يفعل شيئاً جميلاً، إنه يكبر، وفي نفس الوقت لا يكبر، العمر يقول الحقيقة، والواقع ينفيها بشدة، في بعض الأحيان لا يركض، لكنه يفعل ما هو أفضل من الركض: التعامل بعقله!

من يحب كرة القدم؛ بالتأكيد سيحب لوكا مودريتش، أو ما يقدمه بشكل خاص جداً، ودور لوكا مودريتش لم يكن أبداً فنياً فحسب في منتخب كرواتيا، بل هو الرجل الذي تلتف حوله هذه المجموعة، هو القائد الصامت لها، لا يتحدث كثيراً لكنه حين يفعل فإن التغييرات قد تحدث بعد أن يتحدث.

ولم تكن الأمور بتلك البساطة داخل معسكر المنتخب الكرواتي كما نظن، بل تفرقوا في وقت من الأوقات، الأمر يعود إلى الصيف الماضي، بعد أن ودعت كرواتيا اليورو أمام إسبانيا في ثمن النهائي، وشعر زلاتكو داليتش، ولأول مرة، أن وقته قد انتهى بالنسبة للمنتخب.

حينها اجتمع مع القائد، لوكا مودريتش، وطلب منه أن يمنحه ثقته، وإذا قال لوكا لا فهذا يعني أنه لن يستمر ولو لدقيقة واحدة بعد ذلك في قيادة الفريق، لكن لوكا، وكما اعتاده الناس، كان متفاهماً ولم يستطِع أن ينكر فضل زلاتكو على هذه المجموعة التي كانت تائهة قبله، واهتدت به إلى طريق المجد.

ودخلت كرواتيا كأس العالم قطر 2022 كأي منتخب قد حقق مفاجأة في الماضي لكنه لن يستطيع ترسيخها من جديد في الحاضر، وهذا ما أخاف زلاتكو بشدة، أن تستريح كرواتيا على مجدها وماضيها.

وحلت ثانية هذه المرة خلف المغرب في مجموعة ضمت المغرب، بلجيكا وكندا، وصعدت إلى ثمن النهائي بأعجوبة بعدما تفنن روميلو لوكاكو في إقصاء بلجيكا وإراحة كرواتيا.

ولم تلعب كرواتيا بأفضل شكل ممكن أمام اليابان، المنتخب الذي فاجأ العالم بأسره، بتصدره مجموعة تضم ألمانيا، إسبانيا وكوستاريكا، بل استطاع أيضاً أن ينتصر على المنتخبين: الإسباني والألماني!

ووصلت به كرواتيا إلى ركلات الترجيح، حينها ظهر للعالم اسم جديد، حارس دينامو زغرب دومينيك ليفاكوفيتش، الرجل الذي كان بطل ملحمة اليابان، والرجل الذي قاد كرواتيا إلى إقصاء البرازيل الطامحة لنيل نجمتها السادسة على القميص، بعد مباراة كانت كرواتيا قاب قوسين أو أدنى من أن تُودع المونديال خلالها، لكنها، وبنفس البراعة المعتادة عنها، استطاعت أن تصل بالبرازيل، تماماً مثلما فعلت باليابان، إلى ركلات الترجيح.

كرواتيا
حارس المنتخب الكرواتي دومينيك ليفاكوفيتش 

إذاً، لماذا أذكر روبيرتو باجيو تحديداً؟ ببساطة لأن روبيرتو باجيو، في ركلته الشهيرة عام 1994، كان يصف ما يراه، الخطوات الثقيلة التي خطاها، بأن مجموعة إيطاليا كلها كانت خائفة، وهو ما سلل الفشل والتوتر إلى قلبه، وجعله يُسدد دون أي اعتبار يُذكر لما قد يحدث بعد تسديدته.

لو كان روبيرتو باجيو كرواتياً، ربما كان سيكون أكثر رزانة في ركلات الترجيح، وكان سيكتسب من مجموعة كرواتيا الهدوء الذي يتمتعون به، كبيرهم وصغيرهم، من يلعبون في كبار قارة أوروبا، ومن يلعبون في الدوري الكرواتي المحلي.

لقد استطاعت كرواتيا أن تصل إلى الأشوط الإضافية في 6 مباريات إقصائية خلال كل المنافسات الدولية الأخيرة لها من أصل 7 مباريات، ووصلت في 4 منها إلى ركلات الترجيح وانتصرت فيها كلها! 

وهو ما يجعل ميسي ورفاقه في مهمة صعبة للغاية، نعم، قد تكون مهمة الأرجنتين باتت أسهل بإقصاء البرازيل والنجاة من مباراة كلاسيكو في نصف نهائي كأس العالم، لكن على الأبواب كرواتيا، المنتخب الذي لا يُمكن الاستهانة به، والمنتخب الوحيد في النسخة الحالية والماضية من كأس العالم الذي لا يمكن مجاراته بسهولة مهما بلغ عتاد خصمه، وميسي نفسه كان شاهداً على ذلك، وهو ما يجعله بحاجة إلى أن يبتكر ليُقصيهم، أن يخترع، أن يفعل شيئاً استثنائياً كما عرفناه وعهدناه دائماً.

كرواتيا
ليونيل ميسي

ما تفعله كرواتيا، أنها تسحب خصومها بالتدريج، تماماً كأفلام الرعب، إلى المنطقة التي تستطيع التعامل فيها، المنطقة التي نُسميها "لعبة كرة القدم لعبة نفسية" وهذه المنطقة بالنسبة لكرواتيا هي ركلات الترجيح بالطبع، لأنهم يلعبونها كأنها حصة تدريبية، ولا يخشون اسم أي خصم يواجههم فيها، وبالتالي فإن فكرة أن تصل الأرجنتين معهم إلى ركلات الترجيح قد تعصف بالأرجنتين وأحلام ميسي، وقد تتلاشى أحلام ميسي على أقدام المنتخب الكرواتي بالتحديد!

على ميسي، أن يُفكر جيداً، بأن المنتخب الكرواتي لم يخسر أبداً خلال كأس العالم الحالي ولا في كأس العالم الماضي إلا في مباراة واحدة فقط، كانت أمام فرنسا وفي المباراة النهائية، المنتخب الكرواتي خاض سبع مباريات في روسيا، وخمس مباريات حالياً في قطر، ولم يخسر في الوقت الأصلي في أية واحدة منهم إلا أمام فرنسا، أي أن أحلام ميسي رهينة قدمه حالياً، إما أن يفعلها بهم ويقضي على طموحهم للوصول إلى النهائي الثاني توالياً، أو أن يفعلوها به ويمنعونه من ملامسة الكأس التي منحت مارادونا ميزة لم يمتلكها ميسي أبداً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد