خروج البرازيل على يد كرواتيا، وإنجلترا أمام فرنسا من ربع نهائي كأس العالم فيفا قطر 2022 شكل صدمة كبيرة في الأوساط الإعلامية والجماهيرية التي كانت تتوقع معانقة رفقاء نيمار لتاج عالمي يهرب منهم منذ عقدين من الزمن، وتتوقع أن يعوض الإنجليز خسارتهم في نهائي كأس أمم أوروبا الأخيرة بجيل ذهبي بلغ درجة كبيرة من النضج كان بإمكانه المنافسة على اللقب، لو لم تضع البطولة في طريقهم حامل اللقب المنتخب الفرنسي رغم غياب كانتي، بوغبا وبنزيمة بداعي الإصابة، لكن هوية البطل صنعت الفارق وسمحت بتأهل الفرنسيين والكروات إلى نصف النهائي، وتكرار سيناريو نهائي مونديال روسيا، إلا إذا كان لميسي كلام آخر في آخر بطولة كبرى يخوضها مع منتخب بلاده بعد تتويجه بكوبا أمريكا الصائفة الماضية.
الإنجليز أجمعوا على عدم قدرة الكرة الإنجليزية على التتويج في الظرف الراهن بالبطولات الكبرى لأسباب نفسية أكثر مما هي فنية، وراحت بعض وسائل الإعلام تحمل الحكم البرازيلي التون سامبايو مسؤولية الإقصاء بسبب بعض أخطائه التحكيمية حسب تقديرها، ولم تنس بالمقابل تحميل المسؤولية للقائد هاري كين الذي ضيع ركلة جزاء في الخمس دقائق الأخيرة، وجزء من المسؤولية للمدرب جاريث ساوثجيت خاصة عندما قام باستبدال بوكايو ساكا أحد أحسن لاعبيه في الهجوم، وعندما تأخر في إقحام جاك غريليش، وهي جزئيات لم تكن لتمنع توهج الفرنسيين، وحسن تسييرهم أطوار المباراة من الناحية التكتيكية التي صنع فيها الفارق المدرب ديدي ديشان في لقاء كلاسيكي كان يقتضي كثيراً من التركيز والخبث الفني والتكتيكي بين لاعبين يعرفون بعضهم البعض جيداً.
البرازيليون من جهتهم حملوا المدرب تيتي والنجم نيمار مسؤولية الإخفاق في ربع النهائي للمرة الثانية على التوالي بركلات الترجيح بعد الخروج المفاجئ حتى ولو كان أمام منتخب كرواتي محترم بقيادة الكهل لوكا مودريتش والحارس العملاق دومينيك ليفاكوفيتش، والمدرب زلاتكو داليتش الذي تفوق على مدرب برازيلي لم يقدر على إعادة مجد الكرة البرازيلية الضائع منذ عشرين عاماً رغم أرمادة النجوم الذين يزخر بهم البرازيل والذين أبدعوا في الرقص بعد تسجيل الأهداف أكثر من إبداعهم في الدفاع عن تفوقهم أمام كرواتيا قبل ثلاث دقائق من نهاية المباراة، مما قادهم إلى سلسلة ضربات الترجيح التي لم يملك فيها نيمار الشجاعة لكي ينفذ واحدة منها، ولا الشجاعة لكي يتحمل جزءاً من مسؤولية الخروج مثلما فعل مدربه تيتي الذي أعلن رحيله عن المنتخب، مما قاد اللاعب الدولي السابق والتر كازاغراندي لمطالبة المدرب المقبل بالاستغناء عن نيمار؛ لأنه صار يشكل عبئاً على المجموعة .
خروج البرازيل وإنجلترا شكل صدمة وزلزالاً تكون له تداعيات كبيرة في بطولة لم يكن مستواها الفني عالياً جداً، وكان بإمكان العديد من المنتخبات بلوغ المربع الذهبي على غرار الإسبان رغم صغر سن ركائزه، والبرتغاليين الذين وقعوا في فخ المنتخب المغربي رغم توفرهم على جيل مخضرم ومبدع من الناحية الفنية بقيادة رونالدو في أسوأ أحواله النفسية والفنية بسبب متاعبه مع المان يونايتد منذ بداية الموسم، لينهي مشواره الدولي دون تحقيق اللقب الذي يجعله فعلاً الأفضل في العالم، وهو الأمر الذي لا يزال ممكناً لغريمه ليو ميسي الباحث منذ 2006 عن التاج العالمي الذي ضيعه في نهائي مونديال البرازيل أمام ألمانيا، ولا يريد تضييعه مجدداً خاصة بعد خروج منافسه العنيد البرازيل.
المفاجآت كانت كثيرة والصدمات كبيرة في مونديال قطر الذي لم يرتق فنياً إلى مستوى مونديال روسيا الأخير، حسب الكثير من المحللين، لكن ذلك لا ينقص من مستوى وقيمة المجهود الذي بذلته المنتخبات المتأهلة إلى المربع الذهبي، والتي تملك حظوظاً متساوية للفوز باللقب، بما في ذلك المنتخب المغربي، لأن الذي يفوز على بلجيكا، وإسبانيا والبرتغال يستحق التتويج حتى ولو لم يكن فيها الألمان والبرازيليون والبرتغاليون والإنجليز في أفضل أحوالهم، في بطولة توفرت فيها كل الشروط والإمكانيات التي تسمح للاعبين والمنتخبات بالتركيز على ممارسة الكرة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يشتت تركيزهم ويفقدهم توازنهم، ويؤثر على مستوياتهم الفنية والبدنية.
أما أكبر صدمة حدثت في مونديال قطر فلم تكن إنجليزية ولا برازيلية ولا ألمانية وبرتغالية، بقدر ما كانت مغربية من صنع منتخب بلغ نصف النهائي على الطريقة الإيطالية التي كانت حاضرة في خطة لعب أشبال وليد الركراكي الذين لم يتلقوا سوى هدف واحد في خمس مباريات، أضيفت لها توابل مشكلة من مهارات إفريقية وروح جماعية عالية، وإرادة وعزيمة قوية لصناعة تاريخ جديد لكأس العالم فيفا قطر 2022 الاستثنائية في كل شيء، فهل ستكون استثنائية في اسم بطلها الجديد؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.