الكل أجمع قبل انطلاق بطولة كأس العالم قطر 2022 بفترة طويلة أن هذه أفضل نسخة لمنتخب البرازيل منذ فترة طويلة، وأنه بلا شك المرشح الأول للفوز بهذه النسخة من البطولة، وفي هذا كانوا محقين بالفعل، حيث لديه أفضل اللاعبين الذين يلعبون في أفضل البطولات الأوروبية وأعرق أنديتها، والأهم الحالة الفنية الرائعة التي يمر بها نجم المنتخب الأول (نيمار جونيور)، الذي كان الجميع متأكداً أنه سيحمل المنتخب على أكتافه لتحقيق النجمة السادسة التي طال انتظارها.
هل تستحق البرازيل وضعها كمرشح أول للفوز بلقب كأس العالم؟
سؤال ربما عزيزي القارئ قد تجده مثيراً للسخرية أو استفزازياً، ولكن لا بد من طرح هذا السؤال من وجهة نظري، لماذا؟ لأن البرازيل لا تلعب وحدها في هذه البطولة، فهناك (31) منتخباً آخر في البطولة، منها منتخبات تستطيع الوقوف أمامها بقوة وحتى هزيمتها، ومنتخبات أخرى تعتبر (حصالة نقاط) لمنتخب عملاق مثل البرازيل، بينما البعض الآخر لديه الجرأة في مقارعتها، ولكن لا مجال أمامها للتفوق عليها مهما فعلت، ولكن وسط هذه المنتخبات هناك أخرى تعرف جيداً (من أين تؤكل الكتف)، مثل منتخب كرواتيا، الذي فجّر المفاجأة، بعد أن ظننا أن مرحلة المفاجآت قد ولى زمانها مع نهاية دور المجموعات، فكيف تمكن أحفاد (دافيد سوكر) من هزيمة أقوى منتخبات كأس العالم 2022 والإطاحة به من الدور ربع النهائي؟
ثقة عالية تصل إلى حد الغرور
لا يخفى على الكثيرين حالة الثقة الكبيرة، والتي يمكن وصفها بغير الطبيعية (Overrated)، في معسكر المنتخب البرازيلي، أتوا إلى الدوحة وجميع ملامحهم تخبرنا بأن مسألة عودتهم باللقب هي مسألة وقت فقط ليس إلا، وحتى إصابة الملهم والنجم الأوحد في المباراة الأولى أمام صربيا لم تمثل أي قلق لدى الجماهير والمدير الفني واللاعبين.
لأن الثقة بغض النظر عن الحصول على النقاط الثلاث من أول مباراة كانت عالية للغاية، وبدأ للجميع لاعبين وجهاز فني وجماهير أن القادم أجمل، والبرازيل بمن حضر، وهذه الثقة بالتأكيد مطلوبة للغاية، ولكن في المعسكر البرازيلي كانت الثقة مضاعفة، ووصلت إلى حد الغرور بالفعل، وهذا أول خطأ ارتكبه اللاعبون، ومن خلفهم المدرب، الذي لم يكبح جماح لاعبيه ويضع أقدامهم على الأرض.
مدرب يعتمد على مهارات لاعبيه فقط
منذ المباراة الثانية أمام المنتخب السويسري، عرف الجميع- إلا المدير الفني– أن اللاعبين يعانون جداً أمام الفرق التي تدافع جيداً وتعمل بمبدأ (ركن الباص) في وسط الملعب أو أمام مرماها، حيث عانى المنتخب كثيراً لتسجيل هدف الفوز، حتى أتى المنقذ كاسيميرو في الدقائق الأخيرة وسجل هدف الفوز، الذي أدى إلى ضمان النقاط الثلاث والتأهل رسمياً للدور الثاني من البطولة متصدرين لمجموعتهم.
وفي المباراة الأخيرة من دور المجموعات، وكالعادة عانى الفريق أيضاً أمام منتخب الكاميرون، الذي دخل المباراة بشعار (إن لم تتأهل للدور القادم، نقطة أمام منتخب بحجم البرازيل تكفي)، ولكنه تمكن من تجاوز أكثر من ذلك، بتحقيق فوز تاريخي لم يعره المدرب أي اهتمام، من واقع أن فريقه قد ضمن التأهل، وبالتالي لا يهم ما هي الدروس المستفادة، فنحن متأهلون سلفاً، والأهم العودة لمقر الإقامة ومواصلة الرقص على أنغام السامبا، فنحن البرازيل، وهذا وحده يكفي.
قد يقول قائل: ولكن انتصرنا على كوريا الجنوبية بنصف دستة من الأهداف وأداء عالي المستوى؟ نعم لا جدال في ذلك، ولكن ماذا تقول التفاصيل الفنية للمباراة؟ ببساطة كوريا الجنوبية لم تدرس جيداً منتخب البرازيل، وأشك أنها قد راجعت أو اطلع اللاعبون أو الجهاز الفني على مباريات المنتخب البرازيلي في دور المجموعات.
وأعتقد جازماً في حالة اطلاع المدير الفني حتى على مباراة واحدة من المباريات الثلاث للمنتخب البرازيلي، لن يتهور ويمتلك تلك الجرأة التي دخل بها المباراة، وبالتحديد مجاراة لاعبي المنتخب البرازيلي واللعب معهم كأنهم أرجنتينيون أو ألمانيون أو حتى إسبانيون، والنتيجة خسارة تاريخية وترك الفرصة لأمهر لاعبي الكرة في العالم باستعراض مهاراتهم في كيفية تسجيل الأهداف والسيطرة والرقص.
الجميع يلعب لنفسه وليس للمنتخب
قبل اختيار تشكيلة المنتخب البرازيلي كان الجميع مشفقاً على المدرب (تيتي)، والحيرة الكبيرة التي ستنتابه في مسألة الاختيار، حيث إن معظم اللاعبين المرشحين للمنتخب متألقون جداً في فرقهم، خاصة أن الدوريات الأوروبية قد قطعت شوطاً لا بأس به، جعل جميع اللاعبين يبذلون قصارى جهدهم للتألق لنيل شرف تمثيل المنتخب في كأس العالم قطر 2022، ولكن اتضح أن أكبر ميزة لدى المنتخب كانت السبب الأساسي في خروجه من البطولة.
حيث رأينا جميعاً كيف يتفنن لاعبو المنتخب في استعراض مهاراتهم في المباريات، وحالة الفرديات التي ظهروا بها، وكأن لسان حال أي واحد فيهم يقول (أنا النجم الأوحد)، وفي مقدمتهم نيمار، الذي لا يقوم إلا ليسقط، وفينيسيوس جونيور الذي لا يزال مصراً على أنه (رونالدينيو آخر)، فلا يزال مصراً على أنه قادر على المرور من ثلاثة لاعبين دفعة واحدة، وكثيراً ما يفشل، بالإضافة إلى أنتوني ورافينيا، حيث كانوا جميعاً فرديين في لعبهم، ما أضر بالمنتخب كثيراً في حسم بعض المباريات مبكراً.
ماذا فعل الكروات للإطاحة بالمرشح الأول للقب كأس العالم 2022؟
بداية، ما أفاد المنتخب الكرواتي هو أن معظم ترشيحات الفوز كانت تصب في صالح المنتخب البرازيلي، فمعظم المتابعين رشحوا البرازيل للفوز عليه، فقط الاختلاف كان على عدد الأهداف التي ستتلقاها شباكه، لكن مدرب المنتخب الكرواتي عرف جيداً أن مفتاح العبور هو حرمان المنتخب البرازيلي من التسجيل مبكراً، وهذا ما اتضح من أسلوب اللعب الذي انتهجه بالاستحواذ على الكرة لأطول فترة ممكنة، مع معرفته أن لاعبي المقدمة (نيمار وفينسوس ورافينا) لا يحبذون كثيراً الضغط من أجل انتزاع الكرة من الخصم.
لذلك لم يكن هناك الكثير من الخطورة على مرمى المنتخب الكرواتي، الذي أجاد لاعبوه في امتلاك الكرة، والضغط على الخصم في نصف ملعبه في حالة فقدان الكرة، وبالتالي تم تعطيل المفاتيح الأساسية للمنتخب البرازيلي؛ لأن الكرة أصلاً لم تصله باستمرار، وفي حالة حدوث ذلك يتم الضغط عليهم، سواء أدى ذلك إلى انتزاع الكرة منهم أو إحداث مخالفة تكتيكية للحد من خطورتهم وتقدمهم للأمام.
وفي الوقت نفسه، عمل لاعبو المنتخب الكرواتي على اقتناص هدف، ثم العودة مرة أخرى لملعبهم، ومع استمرار لاعبي المنتخب الكرواتي في البحث عن اقتناص هدف، ثم العودة مرة أخرى في حالة فقدان الكرة، فإن لاعبي المقدمة ازدادت الثقة لديهم، وباتوا يؤمنون بقدرتهم على الفوز، أو على الأقل عدم تلقي هدف والذهاب للركلات الترجيحية، لإيمانهم بقدرة حارسهم على التصدي لركلات الترجيح، وقد فعلها سابقاً بالفعل، وحتى عند تسجيل المنتخب البرازيلي لهدف التقدم في الشوط الإضافي الثاني لم يتوتروا أو يتأثروا ذهنياً، فقد استطاعوا تسجيل هدف التعادل بعد دقيقتين فقط، وهو سيناريو كان متوقعاً في أي وقت من زمن المباراة؛ نظراً لكيفية لعبهم منذ بداية المباراة بشكل عام، والأشواط الإضافية بشكل خاص، ولكن يبدو أنهم كانوا بحاجة إلى سبب من أجل ذلك، وقد كان ذلك السبب هو حاجتهم إلى التعادل بعد التقدم البرازيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.