عائلات اللاعبين في المونديال.. تفاصيل قطر الصغيرة التي قادتها للنجاح

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/08 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/08 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
عناق أشرف حكيمي ووالدته بعد فوز المغرب على بلجيكا / الشبكات الاجتماعية

لاعب يبهر العالم بمستواه لمدة موسم، وربما أكثر. يتراجع مستواه بشكل حاد يجعل الجميع يتساءل عن الأسباب. هو لم يتراجع لنصف مستواه، بل تحرك وبشكل مفاجئ من أقصى اليمين لأقصى اليسار.

تبدأ التحليلات الفنية والإحصائية عن دراسة أسباب تلك الحالة. يقول البعض إن تغيير طريقة لعب الفريق لم تعد مناسبة، ثم يحلل البعض الآخر معدلاته البدنية ومنحنيات صعودها وهبوطها. يذهب بعضهم بعد ذلك لما هو أبعد بكثير؛ ليقول إن تقييمه كنجم استثنائي من الأساس كان به كثير من المبالغة!

ما قرأته لتوّك هو أحد كليشيهات كرة القدم التي نمرّ بها كل عام تقريباً. الغريب في الأمر أن لا أحد ينظر لهذا اللاعب وهو يقيمه، نظرته الاعتيادية لزميله في العمل الذي يلاحظ تراجع مستواه فيسأله أولاً: "ماذا بك؟ هل تمر بأزمة ما في حياتك؟".

لا يذهب الجمهور عادة لمساحة العائلة في دراسة ذلك التراجع العنيف المفاجئ في المستوى. لا أحد يعامل لاعب كرة القدم معاملة الوظائف الأخرى في هذا السياق. أنت لاعب كرة قدم، تجني الكثير من الأموال والشهرة بمعاناة أقل بكثير من غيرك؛ لذا قدّم لي مستوى مبهراً ولا تحدثني عن أزماتك الأسرية.

ليست مبالغة

إن كنت ترى هذا الأمر كغيره من المبالغات في تفنيد تفاصيل كرة القدم بما لا تستحقه، فدعني اختلف معك تماماً، وأذكرك سريعاً بعدة مشاهد في السنوات العشر الأخيرة، لعلنا نصل إلى أرضية واحدة نتناقش عليها.

الإعلامية الإسبانية نوريا كونييرا، وصفها موقع جول بالمرأة التي دمّرت تيكي تاكا برشلونة، بعد تصارع تشافي هيرنانديز وكارلوس بويول على الزواج منها عام 2011.

عائلات اللاعبين
"نوريا كونيرا" وزوجها "تشافي هيرنانديز" لاعب برشلونة سابقًا

كذلك بونوتشي الذي فاجأ العالم كله بالانتقال من يوفينتوس إلى غريمه الأبدي ميلان، برر ذلك أن محركه الرئيسي لذلك الانتقال كانت الظروف الصحية السيئة لطفله ماتيو، وحاجته لأن يكون موجوداً بمدينة قريبة من مدينة تورينو.

دي خيا وموقعة الساعة 12:01، حين أرسل مانشستر يونايتد أوراقه متأخرة دقيقة واحدة عن موعد سوق الانتقالات، ففشل انتقاله إلى ريال مدريد. المحرك الرئيسي لتلك الصفقة كانت زوجته الإسبانية إدورين ورغبتها في تكوين أسرة مستقرة في إسبانيا بعيداً عن صخب كرة القدم.

والحارس الإسباني كيبا، الذي تحول من الحارس الأغلى في العالم إلى مثار سخرية الجميع بعد انفصاله عن صديقته أندريا بيريز بعد 10 سنوات من الارتباط.

أسرة نيمار وأصدقاؤه (TOISS) الذين يتقاضون مبالغ ثابتة معه أينما رحل، فارتفع راتبهم من 6 آلاف يورو/شخص في برشلونة إلى 12 ألف يورو/شخص في باريس سان جيرمان. مبالغ يجنونها لأنهم يساعدون على استقرار نجم البرازيل المعروف بمزاجيته الشديدة وطلباته الغريبة لأسرته أينما حلّ.

كم سأدفع؟ وكم سأجني؟

فطنت الأندية الأوروبية إلى أهمية استقرار اللاعبين نفسياً وأسرياً، فلم يعد من المُستغرَب أن يكون أحد أهم أعضاء الجهاز الفني لفرق الصف الأول أوروبياً طبيباً نفسياً، ولم يعد مفاجئاً ما نراه من شروط تتعلق بأوضاع الزوجات والأبناء، بل الأصدقاء في عقود اللاعبين.

هذه الشروط، وإن بدت غريبة للسواد الأعظم من الجماهير، فإنها لن تكون كذلك لإدارات الأندية. الإدارات لا تنظر للعقود نفس النظرة التي ينظرها الجمهور. مُلاك الأندية وإداراتها ينظرون للعقد من منظور واحد: "كم سأدفع؟ وكم سأجني؟". فطالما قد خضعوا لظروف اللاعبين وطلباتهم لأسرهم، فهم بالتأكيد سيجنون مقابل ما يدفعونه.

لم تحيد قطر عن هذا الطريق خلال تنظيمها لكأس العالم 2022. وفي رأيي أنها قد نظرت للأمر نفس النظرة: "كم سأدفع في استضافة أسر اللاعبين أثناء المونديال؟ وكم سأجني مقابل ذلك؟".

قطر والتفاصيل الصغيرة

منذ أيام، كتب محمد مصطفى، المدوّن المصري المقيم في قطر، وأحد المتطوعين في اللجنة المنظمة لكأس العالم قطر 2022، أن قطر بالاشتراك مع "فيفا" أولت اهتماماً كبيراً بملف عائلات اللاعبين وأصدقائهم، والتنسيق معهم من خلال وكالة ممثلة لكل منتخب، ضمن برنامج أطلقته دولة قطر خلال المونديال اسمه Family And Friends Services.

بداية من تجهيز إقامة عائلات اللاعبين في قطر وفقاً لطلباتهم كل على حدة، واستقبالهم في المطار عند وصولهم، وتوصيلهم إلى فندق الإقامة. مروراً بمرافقة متطوعين لهم في أيام المباريات أثناء التحرك من الفندق، وتخصيص أماكن قريبة من الملعب لركن سياراتهم، وكذلك أماكن داخل الملعب ليكونوا أقرب ما يمكن للاعبين أثناء المباريات، كما نرى في فيديوهات جلسات اللاعبين مع ذويهم بعد المباريات في الملعب.

وصولاً إلى مرافقة متطوعين لهم بعد نهاية المباريات؛ لتخليص إجراءاتهم وضمان عودتهم للفندق بسلام مرة أخرى.

عائلات اللاعبين
حارس بولندا مع ابنته بعد خسارة فريقه أمام فرنسا في مونديال قطر

من المهم بالنسبة لي، أن تسود روح العائلة في المنتخب داخل الملعب وخارجه؛ لهذا السبب وافقت على حضور عائلات اللاعبين إلى قطر.

وليد الركراكي، المدير الفني للمنتخب المغربي في كأس العالم قطر 2022

كما ترى، الركراكي يؤكد  أن وجود عائلات لاعبي المغرب معهم في قطر يساعدهم على تحقيق مزيد من التركيز، فاللاعبون يحبون البقاء بجانب عائلاتهم، ويشعرهم ذلك بالراحة بشكل أو بآخر.

هل يؤثر كل ذلك؟

والسؤال الآن: هل يؤثر وجود العائلات على اللاعبين بالفعل أثناء المباريات، أم أنهم يستغلون رفاهية الوضع المتاح إليهم فحسب؟

للإجابة عن هذا السؤال سنستعين بتقرير تم نشره على منصة The Mind Room عن مشروع الترميز النفسي الذي يحاول فريق تشيلسي الإنجليزي تعميمه في النادي. ولفهم المصطلح بشكل مُبسط، يقوم المشروع على تحويل كل فعل للاعب داخل أرض الملعب إلى دليل على شعور نفسي داخل اللاعب.

فالتصويبة من خارج منطقة الجزاء، والتي تصيب المرمى، هي فعل يدل على الثقة بالنفس، ويُحسب للاعب بنقطة. كذلك التمريرة البينية الناجحة فعل يدل على التركيز، وسيُحسب بنقطة أخرى. هجوم الظهير الأيمن أو الأيسر وتحوله السريع من الدفاع للهجوم فعل يدل على التحفيز، ويُحسب بنقطة… إلخ.

وبعد تجميع عدد من المباريات للاعب، يتم احتساب النقاط التي تدل على كل شعور، ومن ثم القدرة على تحليل الحالة النفسية للاعب، واتخاذ المسار المناسب للتعامل معه من الأخصائيين النفسيين للنادي.

أرى أن ذلك يعبّر عن أهمية الاستقرار النفسي للاعبين، وانعكاس ذلك على أفعاله خلال المباراة، بطريقة صار يمكن قياسها علمياً.

أما إذا كنت من كارهي تعقيد معطيات كرة القدم، وتحن دائماً إلى كرة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة الخالية من إحصائيات كرة القدم المتشابكة، فإني أرى أن الاهتمام بوجود عائلات اللاعبين يخدم نسخة كرة القدم التي تحبها أيضاً.

ذلك لأن وجود عائلات اللاعبين يخلق صور أيقونية خلال المونديال ستعيش لعشرات السنين. مشهد أشرف حكيمي مع والدته وهي تبكي فرحاً بثمرة معاناتها في الحياة، وتحية تيتي، المدير الفني لمنتخب البرازيل، للمشجع الفلسطيني الذي حمل حفيده النائم في طريقه للمترو، وغيرها من المشاهد الأيقونية، هي التي ستخلِّد مونديال قطر للأجيال القادمة.

عائلات اللاعبين
اللاعب المغربي أشرف حكيمي مع والدته

بشكل شخصي، أرى أن تلك التفاصيل الصغيرة هي التي تُخرج النسخ الرائعة من كأس العالم. تلك التفاصيل، وما تخلقه من مشاهد، هي التي ستستقر بذهني، وتجلعني متشوقاً للوصول إلى مونديال 2026 في الولايات المتحدة الأمريكية من الآن؛ لأرى هل سيزداد أهالي اللاعبين منهم قرباً في الملعب أم لا؟ وهل سيفند العلم نتائج وجودهم على الحالة النفسية للاعبين وأدائهم في الملعب بشكل يمكن قياسه رقمياً؟ لمَ لا؟ فتلك الطفرة التكنولوجية التي نعيشها الآن في ملاعب قطر 2022 جعلت كل شيء في خانة الممكن!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد ماهر
كاتب رياضي
مهندس مصري، وكاتب رياضي مهتم بكرة القدم المحلية والعالمية وعلاقتها بالشعوب.
تحميل المزيد