التعليم بالعنف، واقعة جديدة تهز الشارع المصري، ومنهج تتبعه حضانة -مرموقة- بالإسكندرية، خاصة أن الضحية أطفال في عمر الزهور، لم يدركوا أن طريقهم الأول للتعلم وتنشئتهم سيكون نهجه العنف والترويع "قبل أن تطلب الطعام وإلا فإنك ستأكل ضرباً مبرحاً ساخناً بدلاً من وجبتك. لتقول كلمة please.".
كما أن طفولتك لن تشفع لك خطأك، وسترتفع لأعلى محلق ليس تكريماً وإنما تعليقاً من أذنيك حتى تصبح زرقاء اللون، كي لا تكرر ما فعلت ثانية! قصص مروعة سردتها المعلمات العاملات بالحضانة، اللواتي قررن الخروج عن صمتهن؛ لأن ما يحدث لا يتحمله قلب بشر، وإعطاء الإجابات الشافية للأهل عن كل الأسئلة التي حارت حولها عقولهم في سبب الكدمات المتلونة في وجوه وأجساد صغارهن، وسبب زرقة أذنيهم، أو جرح رؤوسهم، إضافة لتسجيلات صوتية لتعذيبهم من قبل مديرة الحضانة، لم أستطع إكمال سماعها من هول ما فيها ضد طفل صغير، بدلاً من أن يلقى الرحمة والحب وترغيبه في التعلم وتعليمه السلوك القويم لقي كل عنف وقسوة ممن يفترض أن يقدموا له الرعاية، فأي رعاية تلك!
الكثير من الأهالي لم يتبادر لأذهانهم إمكانية تسبب الحضانة في تلك الكدمات والحوادث والأزمات النفسية التي يمر بها أطفالهم، فكيف ذلك وهم الذين اختاروا لهم أغلى وأفضل الحضانات ذات الجودة، ومتعددة اللغات، ويعتقدون أنهم في أيدٍ أمينة، وربما لم ينتبه الأهل للمؤشرات التي دلت عليها سلوكيات أطفالهم، وفي مقالنا الحالي سنذكر لكم كيفية الكشف عن تعرّض طفلك للعنف في الحضانة، وكيف يؤثر العنف على شخصيته؟ كيف تساعد طفلك على التعبير عن العنف الذي تعرّض له في الحضانة؟ وما سبل العلاج التي يمكن اتباعها؟
كيف أعرف أن طفلي يتعرّض للتعنيف بالحضانة؟
يعاني الوالدان من صعوبة معرفة ما يمر به الطفل داخل الحضانة، ما يؤدي لتفاقم المشكلة دون علمهم نتيجة لصغر سن الطفل وعدم مقدرته على الإفصاح عما يمر به من تعنيف داخل الحضانة، ولكن يجب أن يكون الوالدان على قدر كبير من الوعي والمتابعة اليومية للطفل؛ لمعرفة كيف يسير يومه، والفحص الجيد لجسده وملابسه حين عودته من الحضانة وملاحظة الفرق قبل وبعد عودته، وكذلك متابعة الحالة النفسية والسلوكية للطفل، ومدى تطورها أو اندثارها لمعرفة هل تؤثر عليه الحضانة سلبياً أم إيجابياً، ولمزيد من التوضيح إليكم أبرز المؤشرات التي تدل على تعرّض الطفل للتعنيف داخل الحضانة:
– وجود آثار للعضّ والقرص أو كدمات ملونة وبقع، أو حروق وإصابات على جسده.
-حدوث صعوبات في نومه ورؤية كوابيس وأحلام مزعجة تفزعه، أو الخوف من النوم وحيداً.
– الخوف من إغلاق الضوء في الغرفة، أو الرعب من البقاء في غرفته وحده.
-زيادة التصاقه بوالديه وملازمتهما بعد أن كان قد تعود عن الانفصال التدريجي عنهما.
-اكتساب سلوكيات عنيفة وعدوانية.
-الشعور بالخوف والهلع والرعب.
-قضم الأظافر بشكل مَرضي، وعودة التبول اللاإرادي، بعد أن تعوّد على التبول بشكل طبيعي.
-رفض الذهاب للحضانة، والبكاء الشديد عند ذكر اسمها.
-الميل للعزلة ورفض اللعب مع الأطفال الآخرين.
-الشعور بالحزن والقلق وعدم الأمان معظم الوقت.
-ظهور صعوبات بالكلام (كالتأتأة)، بعد أن كان يتحدث جيداً.
-صدور ردود أفعال تحسسية شديدة تجاه بعض حركات الراشدين تجاهه كتقريب الوالدين يديهما من وجهه.
-ظهور علامات تعنيف جنسي مثل ألم بالبطن، التهاب المسالك البولية، آلام أو نزيف في الأعضاء التناسلية، أو ظهور مرض يُتناقل جنسياً، وغير مناسب لعمر الطفل.
-الشعور بالجوع والعطش بشكل مستمر ويومي عند عودته من الحضانة.
-ظهور علامات تشير للتراجع في النمو (للحصول على الأمان والحماية) كمص الإبهام والبكاء المفرط والمستمر.
-عدم التحكم في انفعالاته في المواقف الاجتماعية، كأن يصبح غير مطيع وأكثر تحدياً، أو لا يشعر بالذنب، ولا يعتذر عما سببه من ضرر، ويعتبر العنف هو الأساس في العلاقات الاجتماعية، وذلك على غير طبيعته السابقة.
-ظهور سلوكيات جنسية غير ملائمة لعمر الطفل.
-الخوف والقلق تجاه أحد العاملين بالحضانة بشكل محدد.
-ظهور متلازمة الرضيع المهزوز، والتي تحدث نتيجة تنكيل شخص بالغ بالرضيع، ما يؤدي إلى تلف دماغ الرضيع أو وفاته، ومن علاماتها على الرضيع: نوبات صرع، التقيؤ المتكرر، فقدان الشهية، العيون الزجاجية، متصلباً وخاملاً، البكاء المتكرر، عدم القدرة على تركيز رؤيته على جسم محدد.
كيف يؤثر التعنيف بالحضانة على شخصية طفلك؟
تعنيف الطفل وحرمانه من احتياجاته المختلفة، وعدم إشباعها يؤدي إلى إصابته بأمراض وإصابات قد تصل للإعاقة وأحياناً الوفاة، فتعرض الطفل للتعنيف المباشر والمقصود به الإيذاء المتعمَّد له بأشكاله المختلفة اللفظية والمعنوية والجسدية، كالسب والشتم والقرص من الأذنين، وحرمانه من الطعام والشراب، والضرب المبرح، ووضع شريط لاصق علي فمه لتكميمه وحجب بكائه، أو حجزه في غرف مغلقة لترويعه، أو رجه بشدة لإسكاته، كلها من أشكال العنف والجريمة المقصودة والمتعمَّدة تجاه الطفل، في حين أن الطفل في هذه السن الحرجة يحتاج إلى العاطفة والحب التي تجعله ينمو بشكل سليم في بيئة آمنة داعمة بما يسمح له أن ينمو بحرية مطلقة ومحتفظاً بحقه في المحاولة والخطأ، بما يسمح لنمو إبداعه وذكائه العقلي والابتكاري، وأيضاً تطور المجال اللغوي لديهم، وكذلك التواصل الاجتماعي.
والفشل في توفير كل تلك الاحتياجات وتوفير بيئة داعمة له يحرمه من النمو بشكل سليم، ويؤدي إلى غياب الإبداع لديه مستقبلاً، وانخفاض معدل الذكاء، وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين والانعزال الاجتماعي، كما يمكن للضغط النفسي الذي يتعرض له الطفل في ذلك السن المبكرة، ما يؤدي لارتفاع هرمون الكورتيزول بشكل مفرط يغير طريقة نمو دماغه، ويجعله أكثر شعوراً بالخجل، وأقل قدرة على ضبط النفس، وتكون عقد نفسية يصعب التعافي منها، وذلك وفقاً للدراسة التي نشرت في مجلة التنمية والرعاية للطفولة المبكرة.
كيف تساعد طفلك على التعبير عن العنف الذي تعرَّض له بالحضانة؟
قد لا يعبّر الطفل كلامياً عما يحدث له، ولكنه يعبّر سلوكياً وعاطفياً، لذا يجب الانتباه جيداً لسلوكيات ومشاعر الطفل إذا لم يكن هناك علامات جسدية تدل علي تعنيفه، ويجب أن يكون لدى طفلك قاموس من الكلمات التي يعبّر بها عن مشاعره، مع متابعتك اليومية له وسؤاله عن مشاعره، كما يمكن استخدام الرسوم المعبّرة عن المشاعر، والاستعانة بها في وصف مشاعره مثل "الايموجي"، فيستطيع اختيار وجه منها يدل عما يشعر به الطفل بداخله، وإذا كان الأمر معقداً للحد الذي لا يريد الإفصاح به عن مشاعره لك، فيمكن استخدام "اللعب الدرامي" لمساعدته في التعبير عنها، وهي استخدام وسائل وأدوات والعاب، وإسقاط القصة الواقعية التي نريد للطفل أن يخبرنا عن مشاعره فيها بقصة أخرى خيالية، وبشخصيات خيالية، ونجعل الطفل يتحدث بلسان الدمية أثناء اللعب، ويعبر عن مشاعرها في ذلك الموقف- الذي هو بالأساس يعبر عن قصة الطفل الواقعية- ومنها تستطيعين أن تتعرفي على مشاعر طفلك وتساعديه على البوح به باللعب الدرامي.
كما يمكن استخدام "القصص" وانتقاء قصة ملائمة للموقف وسردها على الطفل وإثارة بعض الأسئلة التي نهدف منها مساعدته على التعبير عما بداخله بإسقاط غير مباشر على بطل القصة أيضاً، أو سرد تام للقصة وتوجيه الطفل للتعبير عن مشاعره من خلال المحاكاة لبطل القصة، وسيتبين الأمر من ردود أفعال الطفل، ومدى تجاوبه مع القصة.
ويمكن اتباع أسلوب "المحاكاة" أيضاً، بأن نسرد للطفل حدث ما سبق أن حدث معنا وكيف تعاملنا معه وعبرنا عن مشاعرنا بطريقة صحيحة وتجاوبنا مع والدينا، مع التأكيد على تعليم الطفل تلك الطريقة تفصيلاً وعدم الاكتفاء بالسرد الإجمالي، واختيار حدث مشابه، مناسب لعمر الطفل، وأيضاً تعزيز الطفل إيجابياً عند تجاوبه معك.
سبل العلاج!
إذا كان لدى الأم أو الأب شك بأن طفلهما قد تعرّض للتعنيف أو سوء المعاملة، فيجب الاتصال فوراً بالجهة المسؤولة عن الحضانة، كما يجب استشارة الطبيب، فالأطباء ملزمون بالتبليغ عن أي حالة يشتبه أنها نتيجة تعنيف الأطفال أو إهمالهم، إلى السلطات المختصة، كما يمكن مراجعة معالج سلوكي يقدم الإرشاد للطفل ولوالديه؛ كي لا يتحول الأمر لصدمة طويلة الأمد لا يمكن تخطيها، ويجب تزويد السلطات المختصة بالمعلومات اللازمة لإجراء تحقيق في الحادثة والحصول على المساعدة، حيث إن التأخُّر في التبليغ عن هذه الجريمة يقلِّل فرص الطفل في الحصول على الشفاء التام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.