بعيداً عن الرياضة والتصفيات وكل ما له علاقة بكرة القدم، فإن كأس العالم التي أقيمت لأول مرة في بلد عربي مسلم أحيت روح العرب المنتصرة لفلسطين، أنا كجزائرية ومحبة لكرة القدم أحزنني كثيراً غياب بلدي عن مونديال 2022، لكن في المقابل ما شاهدته في قطر كان أهم من تأهل الجزائر وتأهل كل العرب، وأسعد قلبي وكأن منتخباً عربياً فاز بكأس العالم.
مع بدء البطولة بدأت روح فلسطين تحيا فينا، وهي التي غابت عنا منذ بدأ المتخاذلون في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث كانت للشعوب العربية كلمة أخرى في الميدان، ولعل ما يثبت ذلك هو رد فعل الجماهير العربية التي وثّقتها كاميرا الصحافة على الهواء، عندما رأينا ما تعرض له المراسل الإسرائيلي في قطر، مصدوماً من ثبات العرب على القضية الفلسطينية، استحضر إلى ذهني ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو ذات يوم، محتفياً بالتطبيع مع بعض الدول العربية، ومتخوفاً من شعوبها؛ إذ كتب: "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي، الذي تعرَّض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
تُرى كم تحتاج إسرائيل من سنوات لتُصالح هذه الشعوب الثائرة؟
ما حدث في قطر تاريخي، ولا أتذكر أن العرب عاشوا حدثاً مماثلاً، وكأنها المرة الأولى التي نقف فيها وجهاً لوجه مع الإسرائيليين، لنخبرهم كم نحن مؤمنون بالقضية الفلسطينية، ولنصدمهم بالسؤال الذي شيّب رأس دولتهم المزعومة: أين تقع إسرائيل!
ردود الفعل العربية على القنوات الإسرائيلية كانت بمثابة كف اليقظة الذي أعاد تل أبيب إلى نقطة الصفر، وتأكَّد ذلك من رد فعل المراسلين الإسرائيليين الذين بَدَوا مصدومين وهم يتساءلون: يبدو أن العرب لا يريدون التطبيع معنا؟ وكأن حكامنا أرسلوا رسالةً خاطئة نيابةً عنا.
كأس العالم التي حضرها العالم وعشاق المستديرة ليستمتعوا بها أثبت العرب فيها أن فلسطين هي بوصلتهم، وليست صافرة الحكم ولا تطبيع حكامهم، الذي أغرى تل أبيب.
"العرب هم العرب"
صحيفة "إسرائيل هيوم" كتبت مقالاً عبَّرت فيه عن انزعاجها مما تعرَّض له الإسرائيليون في قطر؛ إذ قالت: "المونديال في قطر مرآة للإسرائيليين: "لا يحبوننا، ولا يريدوننا أيضاً". وأشارت إلى أنّ المونديال في قطر وضع إسرائيل أمام واقعٍ وحقيقة مؤلمة جداً للإسرائيليين.
ووثَّقت كاميرات وسائل إعلام إسرائيلية مشجعين عرباً وهم يرفضون التحدّث إلى صحفي إسرائيلي، وسط هتافات داعمة لفلسطين، حيث انتشرت تلك المقاطع بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ولقيت تفاعلاً وترحيباً واسعَيْن، وأثلجت صدورنا رغم عدم وجودنا بقطر.
فيما استنكرت صحيفة Jerusalem Post هي الأخرى، في مقال تحليلي لها عن مونديال قطر، مقولة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق شامير عام 1996، قال فيها: "إن البحر هو نفس البحر والعرب هم نفس العرب".
رأت جيروزاليم بوست أن مونديال قطر أثبت أن المزاج العام في الوطن العربي لا يزال ينفر من إسرائيل، رغم محاولات بعض القادة، فخُيّل بعدها لبعض الإسرائيليين أنهم باتوا يحظون بالقبول في الوطن العربي، وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى استطلاع أجراه معهد واشنطن للشرق الأدنى، في يوليو/تموز الماضي، خلص إلى أن موجة التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية في السنوات الأخيرة قابلها انحسار متزايد في التأييد الشعبي لاتفاقات أبراهام كما سمتها.
كما أشارت الصحيفة إلى أنه يتعين على الإسرائيليين ألَّا يكونوا سذَّجاً، وأن يعوا حدود اتفاقيات التطبيع، وختمت الصحيفة اليمينية مقالها بالتذكير بمقولة شامير، بأن "البحر هو البحر وبأن استطلاعات الرأي تثبت أن العرب لم يتغيروا".
وكانت كأس العالم في قطر، بعيداً عن الرياضة، هي الجواب القطعي الذي أعاد الشعوب العربية إلى كلمتها الواحدة، أما إسرائيل التي تجاهلت الواقع وحاولت منذ إعلانها التطبيع الترويج لاتفاقيات سلام مزعومة، ترفضها الشعوب العربية، فقد وصلتها الرسالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.