قبل سنوات انتشر مصطلح "العرس الإسلامي"، وأصبحت الدعوات إلى الأعراس تُصدّر بعبارة "عرسنا إسلامي"، من باب التحبيب والترغيب، وصار المتدينون يفتخرون بأنهم استبدلوا بالأغاني الأناشيد وبالآلات الدفوف، فأصبحت أعراسهم إسلامية!
ولكنّ الطقوس بقيت مستوردةً بالكامل، بدءاً من البدلة البيضاء الثمينة، والطرحة المزركشة الغالية، وباقة الأزهار التي تحملها العروس، إلى الكيفية التي تتأبّط بها عريسَها ذا البذّة الفاخرة، إلى مشيهما الهُوينى والورود تُرمى عليهما، إلى رفعه الغطاء عن وجهها، والخَاتم الذي يخلعه من يدها اليمنى ليصبح في اليسرى، إلى الكوب الذي يشربان منه معاً وأمام الناس! إلى قالب الحلوى ذي الطبقات، وكيف يضعان أيديهما فوق بعضهما ويقطعانه معاً، ثم يطعمها وتطعمه، إلى البوفيه والطعام الشهي والمنوع، والرقص والغناء… هذا كله وفوقه أمور أخرى كثيرة تعرفونها جميعاً، وتتكرر في كل عرس بنفس الطريقة وبنفس الترتيب، وكلما زاد الأجانب شيئاً على أعراسهم تعلّمناه منهم وطبقناه، فإذا وقفوا على شرفة وقفنا، وإذا رمت العروس الورود على الناس رمينا… فهل هذا الذي ورد على عصر الرسول عليه السلام، أو كان على عهد الصحابة والتابعين؟!
وليتهم أخذوا الثقافة الغربية كلها؛ فالغربيون يقيمون أعراسهم في الحدائق أو الكنائس ولا يبالغون بالزينة ولا بثمن الفستان، يميلون للبساطة ويتزوجون بحفل صغير يحضره المقربون، أما نحن فجمعنا طقوس أعراسنا من كل ثقافة وأرهقنا أنفسنا بتنفيذها في كل حفلة من حفلاتنا.
وإن الذي ورد في ديننا ما يلي: يُعلن عن النكاح، وتُزين العروس بما تيسر، وتقام وليمة للعرس بأقل التكاليف- ولو بشاة- تُذبح وتطبخ مع الأرز ويجتمع عليها الناس، ويُضرب بالدفوف، وتجلس العروس بحضرة المدعوات، وقد تقوم على ضيافتهم! والوليمة تكون على الغداء، بدليل استحباب الفطر للصائم (ليأكل منها)، وينتهي كل ذلك باكراً، وينام الناس بعد العشاء… هكذا كانت الأعراس قديماً، على أننا نعترف أن الدنيا تبدلت وتغيرت.
والتغيير سنة، ونحن نتقبله، ولا بأس بأن نتغير مع الدنيا ونتبدل فيما لا بأس فيه، ونستورد بعض الأفكار، على أن ننتبه لبعض الأمور:
1- اختيار الزمان
فينبغي أن تراعى مواعيد الصلوات اليومية، ومصالح الناس، عند تحديد ساعة الحضور للزفاف، فلا تفوت المدعوات سنة النوم باكراً، خوفاً من أن يفوتهن معها فرض صلاة الصبح (بسبب النوم المتأخر)، أو تؤثر (قلة النوم) على نشاطهن وجودة أدائهن في أعمال اليوم التالي، وعلى مهنهن المدفوعة الأجر (فكثير من النساء موظفات، فضلاً عن الرجال).
2- المكان
اليوم هناك تنافس كبير بين الصبايا في اختيار الصالات الفاخرة، والتي بها أرجوحة أو شرفة أو درج تنزل منه… فينفقون عشرات الألوف في ليلة واحدة على طقوس لن يبقى منها سوى الصور.
فما الضير أن يكون العرس في حديقة الدار أو على السطح؟ ولقد كان الناس في جيلنا يقيمون أفخر الأعراس في البيوت. فإن كان البيت صغيراً فحبذا لو يكون العرس في الصالات المعقولة الأسعار. أو تُستأجر استراحة وتكون الوليمة في الحديقة، وعلى طرف المسبح، وهذه سعرها عُشر سعر أرخص صالة، ولو أضفنا لها كراسي وطاولات وتجهيزات أخرى لبقيت رخيصة وجميلة.
ومن السنة تخفيف كلفة الأسكي (الكوشة)، وثمن الورود، ولا ضير من إحضار بعض الأشياء من البيوت وتزيين الصالة بها، لتخفيف النفقات. أو التزيين بطريقة ذكية وفنية بحيث تكون جميلة وغير مكلفة.
3- اختيار المدعوات
فلا يدعى إلى العرس الأغنياء ويُستثنى من الدعوة الفقراء والمساكين من الجيران والأصدقاء.
وإن العرس فرصة للقاء الأحبة وذوي القربى وتنمية أواصر المحبة بينهن، فليس من المروءة استثناء بعض المقربات ودعوة بعضهن الآخر بحجة ضيق المكان، فهذا يسبب المشكلات ويؤجج المشاعر السلبية. فينبغي دعوة سائر الأهل وذوي الأرحام وبناتهن، والإصرار على حضورهن جميعاً.
ومن السنة قبول الدعوة والامتنان لها، والحضور في الوقت. وفي حال تعذر الحضور ينبغي الاعتذار؛ فالبطاقات محسوبة، وهي فقط للمقربات والغاليات، وإن الاستهتار والغياب عنها بلا مبالاة محزن لصاحبة الدعوة.
ومن الممنوعات إرسال أحد من طرفكِ، فالبطاقة خاصة، وإرسالها باسمك يعني أني أريد حضوركِ أنت بالذات، وأريدك أنت شخصياً؛ فلا يصح منكِ هبة البطاقة لسيدة أخرى تأتيني عوضاً عنك، ولو كانت أختك أو بنتك، إلا بإذن من صاحبة الدعوة.
أما الأطفال فلا يحبذ اصطحابهم إلى الأعراس؛ لما يتسببون به من الصخب والفوضى ولما يعيثونه من الفساد.
ويتنظر من صاحبة الدعوة احترام ضيفاتها وإظهار الثقة بهن، وأقصد أن "منع الجوالات" في بعض الحفلات، و"التفتيش عليها" عند الباب (كما يُفَتَّش الناس في المعتقلات وفي المطارات)، فهذا السلوك غير لائق أبداً، وغير مستحب بين الأخوات والرفيقات، وإن التدقيق في التفتيش ولمس الجسم وفتح الشنط واستعمال الجهاز الكاشف… عيب لما فيه من تخوين. وإذا كان أهل الدعوة يفتقدون الثقة بضيفاتهم فالأفضل عدم دعوتهن أصلاً (بدلاً من إهانتهن).
وللعلم فإن إدخال الجوالات خُفية أمر سهل جداً، ومن أرادت الخداع استطاعت، ولن تمنعها هذه القيود من التصوير والنشر… فلا ينبغي إيذاء الضيفات اللطيفات بمثل هذا الإجراء.
وإن مصادرة الجولات وحجزها عند الباب مُربك؛ لأننا نحتاجها في الحفل، وقد تحصل طوارئ أو تحتاج إحدى الضيفات إلى المساعدة في الاستدلال على الصالة أو السؤال والاستفسار عن أي شيء.
إن هذه الأجهزة أصبحت بضعة منا، ومن الصعب التخلي عنها أو مفارقتها، خاصةً خارج البيت، فهي الهاتف والساعة ومخزن المعلومات والمفكرة… فلا يصح احتجازها لأي سبب.
4- ومن السنة المساهمة بتنمية المودة بين الناس
فالناس اليوم في شغل، والملهيات كثيرة، فلا يرون بعضهم بعضاً إلا لماماً، والعرس فرصة طيبة لجمع النساء وإعادة حبل الود فيما بينهن، والعرس فرصة للاسترخاء ولقاء الصديقات بعد طول انقطاع، ولذلك سأضيف شيئاً مهماً جداً وهو "وجوب تخفيض أصوات الأناشيد التي تصدح في الصالة"، لأنها تمنع الناس من السلام والكلام.
وقد تعجبون وتعترضون على اقتراحي، ولكن العرس من الفرص القليلة جداً التي أصبحت تتاح لنا (في هذه الحياة) لنلتقي بأخواتنا ونسعد بصحبتهن، و"الأصوات العالية" تمنعنا من الاستعلام عن أخبارهن، وتحرمنا من الاطمئنان على ظروفهن وأحوالهن.
ونتأذى فوقها من الأصوات العالية التي تضر سمعنا، وتسبب الصداع لرؤوسنا.
والاقتراح هو تخفيضها ببداية الحفل، وقبل حضور العروس لكي يتم السلام والتعارف والمودة، ثم حين تحضر العروس يمكن رفعها، فتترافق بهجة دخولها مع صخب الأهازيج والأغاني.
5- الامتناع عما يخدش الحياء
فالرقص المقبول يكون بحركات خفيفة مهذبة، ليس فيها ابتذال أو خلاعة، ولو استبدل بالرقص الدبكة لكان أحلى وأبهى، ولقد كانت الفتيات في بعض الأعراس التي حضرتها يلبسن زياً موحداً بدوياً، ويدبكن بطريقة فنية، ثم يدرن بين النساء في الحفل، وهن يضربن بالدف، وينشدن بعض الأهازيج بصوت رخيم، وكان شيئاً مميزا ومبهجاً ولطيفاً.
إن العريس قد لا يدخل على صالة النساء، ولكنهم ينقلون بثاً حياً (على الشاشات الكبيرة) لمراسم لقاء العروسين، وشربهما من كوب واحد، وكيف يضع اللقمة في فمها، ما يثير مشاعر الفتيات، ويؤذي مشاعر غير المتزوجات أو المطلقات.
6- التقيد بالموعد
فيكتبون ببطاقة الدعوة أن العرس يبدأ على التاسعة، والزفة على العاشرة، ثم يتأخرون ساعتين أو ثلاثاً!
وللأمانة فإن هذا الخطأ يكون من الطرفين، أي من المدعوات ومن صاحبات الدعوة، أما الضيفات فيتأخرن عن عمد لأنهن جرّبن الحضور باكراً في أعراس سابقة فلم يجدن أحداً قد حضر!
وأما صاحبات الدعوة فيتأخرن لخطئهن في تقدير الأوقات، ويتباطأن بالخروج لإنجاز مهامهن، ولا يحسبن لزحام الشوارع حقه، ولا يضعن (زمن أمان) في تقديراتهن للوقت اللازم لإجراءات ذلك اليوم المزدحم، مع أن المعوقات كثيرة (وقد يحدث أي شيء، وقد ينسين غرضاً ذا أهمية)، فيتأخرن فوق تأخرهن، وقد يصلن إلى الحفل بعد المدعوات (وهذا حدث فعلاً)!
ومهما تيسرت الأمور قد تتأخر العروس بالنزول إلى مكان الحفل؛ إذ جرت العادة بأن تنزل في الآخر، وبعد اكتمال المدعوات خوفاً من ذهاب بهائها وبهجتها، تجلس العروس وحيدة في غرفة منزوية، وتبقى محبوسة ساعة أو ساعتين حتى يكتمل النصاب وتمتلئ القاعة، وبذلك تُعاقب العروس بالسجن الانفرادي في يوم سعدها، وتُعاقب معها المدعوات النظاميات اللاتي حضرن في الموعد ويطول انتظارهن. وقد يضطررن للانصراف فلا يرين العروس ولا يأكلن من طعام الوليمة، وكثيراً ما حدث هذا.
ومن الأخطاء "انتهاء حفل الرجال في وقت مبكر جداً عن حفل النساء"، فتقع الزوجة بالحرج، ولكيلا تكلف زوجها عبء العودة لتوصيلها، تضطر لترك الحفل، وإنه بقليل من التنسيق والتخطيط يمكن تجاوز ذلك المشكل بإنهاء الحفلين معاً.
7- البذخ على الزينة
تبالغ العروس كثيراً وتدفع بسخاء على المكياج والبدلة البيضاء، فما المشكلة لو كان ثوب العرس رخيصاً أو مستأجراً (وهو سيُلبس لساعات معدودة)، وما الضير لو كانت الزينة في صالون معقول السعر (وهو سيُغْسل بنفس الليلة)، وما أهمية المغنية والتسجيلات متوفرة؟! فكل هذا يضاعف نفقات تلك الليلة، بلا فائدة ظاهرة سوى التفاخر والسير على خطى السابقات.
وتتزين المدعوات وكأنه يوم عرسهن، ويبالغن في كل شيء، وبالطبع لا مانع من الزينة ومن الحرص على المظهر الأنيق، وهذا يمكن الحصول عليه بلا بذخ ولا إسراف، ولكن وللأسف أصبح التجمل سباقاً محموماً، وتنافساً غير مقبول.
8- ومن السنة حفظ الطعام
فتكون قيمة الوليمة على قدر الحالة المادية للعريس؛ وإذا كان لا يملك المال الكافي فلا يولِم، وحسبه أن يقدم الحلوى على عادة أهل الشام.
ومن السنة الحسنة اختيار كمية الطعام بالمعقول، وحيث تتناسب مع عدد المدعوات (ولا ضير من إكرام الناس، ولكن بشرط توزيع ما يتبقى منه على الفقراء). ولكن جرت العادة بالإكثار من الأصناف، فتزيد كميات كبيرة بعد انتهاء الدعوة، وغالباً ما تفسد بسبب بقائها فترة طويلة على الموائد بغير تبريد، الأمر الذي قد يستدعي رميها، وهذا حرام.
9- ومن السنن الحسنة إدخال البهجة على قلوب الناس
والأعراس أصبحت مملة، وفي كل عرس تتكرر الطقوس وبنفس الترتيب، فلماذا لا نغير في أعرسنا قليلاً؟
كأن تقف العروس عند باب الحفل وتستقبل الناس بنفسها؟
أو تجلس في المكان المعد ويسدل عليها ستار، فتستأنس بسماع أصوات الناس بدل أن تجلس وحيدة بانتظار الزفة، ثم يرفع الستار عنها كما يرفع عن اللوحات الثمينة.
ثم وبدل أن تصعد المهنئات إليها لها تنزل هي إليهن فتدور عليهن جميعاً بصحبة والدتها وحماتها، وترحب بهن وتشكرهن على حضورهن… فهذا أكثر وداً من جلوسها أو رقصها كل الوقت، وإن اقترابها من ضيفاتها فيه ذوق ولطف، ويتيح لكل مدعوة رؤيتها عن قرب، والتمتع ببهائها وزينتها، والمباركة لها والسلام عليها.
والتجديد يكون بأسلوب تقديم الطعام، فيترك البوفيه مفتوحاً، بحيث تتناول كل مدعوة طعامها حين ترغب، أو يقدم العشاء كما تقدم وجبات الطائرة، أو في المطاعم السريعة، فيوتى به في صينية مرتبة، وتوضع أمام كل مدعوة وجبتها، بحيث تتناسب مع زمن حضورها، فلا تنتظر طويلاً، ولا تضطر للمغادرة بلا عشاء- كما يحدث دائماً- وهذه الطريقة توفر الازدحام على البوفيه، وتتيح لكل مدعوة تذوق جميع الأصناف. أو يوضع الطعام في أطباق صغيرة على كل طاولة، كما تقدم الطلبات في مطاعم ألاكارت.
فاشحذن أذهانكن أيتها الفتيات، وأظهِرن إبداعكن يوم عرسكن، وأخرجن حركات حلوة تسعدكن وتسعدنا، وستجدن بالتأكيد ما يبهج.
والتغيير لن يكون جذرياً بالطبع، ولكن القليل من التجديد سيضفي البهجة على العرس ويدخل الفرحة إلى القلوب، ويحقق التميز الذي تتمناه كل فتاة، فلا يُنسى عرسها، وبنفس الوقت يخفف التكاليف المادية، وقد بدأ بعض الناس ينحون هذا المنحى، فأختي عملت عرض أزياء، ولكن بطريقة فكاهية، وأنا يوم عرس ابني كان الربيع العربي، فجعلت الفتيات يمشين وكأنهن في مظاهرة، ويرفعن لافتات كتب عليها "نريد أعراساً بلا وجع راس"، "نريد أعراساً بلا بذخ ولا إسراف"… وأعطيت شهادة شكر ملونة وموقعة، لأول ثلاث مدعوات حضرن بالوقت، وكانت للطرافة.
والخلاصة:
1- الزواج لإنشاء أسرة
2- والعرس للإشهار والإعلان
وليسا للسرف والبذخ والتنافس والتباهي.
وإنها دعوة إلى الزواج على الطريقة العصرية الحديثة، والحرص على التجديد والإبداع، مع المحافظة على السُّنة المباركة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.