خطف اللاعب المغربي عبد الحميد صابيري أنظار الجماهير الرياضية العالمية، وخاصة العربية، خلال المباراة التي فاز بها منتخب بلاده على نظيره البلجيكي، بهدفين نظيفين، لحساب الجولة الثانية من الدور الأول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، المتواصلة حالياً بدولة قطر.
إذ سجل صابيري هدفه الأول للمغرب، في الدقيقة الـ73 من المباراة، بعد 5 دقائق فقط من دخوله أرضية الميدان كلاعب بديل، وذلك بركلة حرة مباشرة خادع بها "ثيبو كورتوا"، أفضل حارس مرمى في العالم في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم، قد احتسب الهدف باسم زميله رومان سايس الذي لمس الكرة قليلاً قبل دخولها مرمى منتخب بلجيكا، إلّا أنّ الاختصاصيين والجماهير أيضاً ترى أنّ صابيري هو مسجل الهدف الجميل.
فمن يكون هذا اللاعب، الذي اعتاد على تسجيل الأهداف بتلك الطريقة الرائعة، والذي لم يتكون ضمن أكاديميات الأندية الكبيرة.
ولد بالمغرب ونشأ بألمانيا
ولد عبد الحميد صابيري يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1996 بمدينة كلميمة بشرق المغرب، ثم هاجر إلى ألمانيا رفقة عائلته، عندما كان يبلغ من العمر 3 سنوات فقط، حيث استقر بمدينة فرانكفورت التي نشأ بها تعلم بها المبادئ الأولى لرياضة كرة القدم.
وبعدما كان يمارس رياضته المُفضلة بشوارع وساحات الحي الذي كان يقطن به، رفقة شقيقه الأكبر وأقرانه من مختلف الجاليات المهاجرة، انضم، في سن السادسة، لفريق "تي إس جي فرانكفورت برغ"، ثم لنادي "روت ويس فرانكفورت" في عام 2006، الذي بقي معه 5 مواسم، قبل أن ينتقل لنادي "إف بي باد فيلبل" في 2011، ثم لـ"توس كوبلانس" في 2013 ، فنادي "إس في دارمستاد" في 2014.
وكانت كل هذه الأندية عبارة عن فرق صغيرة تنشط بالأقسام الدنيا للدوري الألماني لكرة القدم، ما يؤكد أنّ عبد الحميد صابيري لم يتكون ضمن أكاديميات الأندية الكبيرة، ولكنّ موهبته الرياضية المميزة سمحت له بالتألق ولفت انتباه الكاشفة الباحثين عن العصافير النادرة.
فضمه نادي "سبورتفروندن سيغن" لفريقه الأول عندما كان يبلغ من العمر 19 سنة، فزاد من درجة لفت انتباه الاختصاصيين، بتسجيله لـ18 هدفاً في 30 مباراة بدوري الدرجة الخامسة الألمانية، مُسهماً بها في صعود النادي إلى دوري "روجيوناليغا" المرادف لدوري الدرجة الرابعة.
ونجح صابيري من خلال ذلك التألق الجديد في الدخول ضمن "رادار" الأندية المحترفة، فظفر بخدماته فريق نورنمبيرغ، في صيف 2016، الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية الألمانية.
توقيع أول عقد احترافي في سن الـ20
وقع عبد الحميد صابيري أول عقد احترافي له وهو على مقربة من سن العشرين، وقد كانت سعادته جد كبيرة إلى درجة أنه صرح، حينها: "سيمكنني أخيراً دفع مستحقات إيجار شقة والدي، ولما لا أشتري منزلاً جيداً في المستقبل القريب!".
واكتفى الشاب صابيري بخوض 9 مباريات فقط، في موسمه الأول مع نورمبريغ، بسبب عدم تأقلمه السريع مع عالم الاحتراف، وبسبب أيضاً معاناته من إصابة أبعدته عن الميادين لقرابة شهرين كاملين، ولكنه برز في ذلك العدد القليل من اللقاءات في تسجيل 5 أهداف في دوري الدرجة الثانية الألمانية، من بينها ثنائية في مرمى فريق هايدنهايم يوم 4 فبراير/شباط 2017.
تجربة فاشلة في الدوري الإنجليزي الممتاز
توسعت آفاق النجم المغربي الواعد وازدادت طموحاته لما انتقل، في أغسطس/آب 2017، إلى دوري من المستوى الأعلى، حيث تعاقد، مقابل 1.5 مليون يورو، مع نادي هدرسفيلد تاون، الذي كان ينشط في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويدربه الأمريكي دايفيد واغنر، الذي عاش وقضى كل مشواره الاحترافي بألمانيا والذي كان يعرف جيداً القدرات الفنية لعبد الحميد صابيري.
ولكن يمكن القول إنّ تجربة صابيري مع نادي هدرسفيلد تاون كانت فاشلة، إذ لعب 13 مباراة فقط، في موسمين كاملين، لم يسجل خلالها أي هدف، واكتفى بمنح تمريرة حاسمة واحدة، كما تعرض لكسر في الترقوة في ديسمبر/كانون الأول 2018، خلال إحدى الحصص التدريبية، ما أبعده عن الميادين طيلة النصف الثاني من موسم ( 2018- 2019).
وبعد نهاية تعاقده مع هدرسفيلد تاون في يونيو/حزيران 2019، عاد صابيري إلى ألمانيا، وكان يتمرن بمفرده رفقة مدرب اختصاصي لاستعادة لياقته البدنية التي فقدها بسبب ابتعاده لمدة طويلة عن المنافسة، وذلك قبل أن ينجح، يوم 27 أغسطس/آب، في الظفر بعقد احترافي جديد عندما ضمه نادي بادربون الصاعد حديثاً إلى دوري الدرجة الأولى الألماني "بندسليغا".
استعاد صابيري حماس وإثارة المباريات الرسمية مع فريق بادربون، بحيث شارك في 24 لقاء بالدوري، سجل خلالها 4 أهداف وصنع هدفاً آخر، لكن النادي أنهى موسم ( 2019- 2020) في المركز الأخير لمسابقة "البندسيلغا"، ليسقط من جديد إلى دوري الدرجة الثانية.
الدوري الإيطالي فتح له آفاقاً جديدة
فضّل عبد الحميد خوض تجربة احترافية جديدة خارج ألمانيا، فانتقل، في شهر سبتمبر/أيلول 2020، إلى نادي أسكولي كالتشيو بدوري الدرجة الثانية الإيطالية.
وكان اختياراً صائباً، بحيث تألق اللاعب المغربي في موسمه الأول مع أسكولي، بتسجيله 8 أهداف، ومنحه 4 تمريرات حاسمة في 32 مباراة، ثم واصل البروز، في بداية الموسم الثاني، فشارك في 11 مباراة، سجل خلالها 3 أهداف.
وقد كان ذلك التألق كافياً ليلفت انتباه نادي سامبدرويا الذي كان ينشط في دوري الدرجة الأولى الإيطالية (سيري أ)، فضمه لصفوفه على سبيل الإعارة، لمدة 6 أشهر، بداية من 29 يناير/كانون الثاني 2022، وهي المدة التي كانت كافية ليقنع مسؤولي النادي بمستواه الجيد، فقاموا بضمه بشكلٍ نهائي عند نهاية موسم (2021- 2022) بعقد لمدة سنتين، في صفقة بلغت قيمتها مليون يورو.
وقد فرض صابيري نفسه ضمن التشكيلة الأساسية لفريق سامبدوريا في الموسم الجديد (2022- 2023)، بحيث شارك إلى حد الآن في 12 مباراة رسمية، سجل خلالها هدفين اثنين، واحداً منها، يوم 17 سبتمبر/أيلول الماضي، في مرمى نادي سبيزيا بقذفة قوية عن بعد 30 متراً.
على الرغم من أنّ عبد الحميد صابيري قد وُلد بالمغرب، إلّا أنّه حصل على الجنسية الألمانية حينما كان طفلاً صغيراً، فكان الأمر عادياً أن تكون بداية مشواره الدولي رفقة منتخب بلد نشأته، بحيث شارك في 5 مباريات رسمية مع منتخب ألمانيا (أقل من 23 سنة) من 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى 26 مارس/آذار 2019، سجل خلالها هدفاً واحداً، وكان ذلك في مرمى منتخب هولندا في مباراة ودية جرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
خاليلوزيتش فكر فيه في سنة 2020 ثم تخلى عنه
بعدما أبدى صابيري، في مطلع سنة 2020، رغبته في تغيير جنسيته الرياضية والانضمام لمنتخب بلده الأصلي المغرب، فإنه كاد أن يدشن بدايته الدولية مع "أسود الأطلس" في شهر مارس/آذار 2020، لما كان اسمه ضمن القائمة الموسعة للمدير الفني السابق للمنتخب، وحيد خاليلوزيتش، تحسباً لمواجهة منتخب جمهورية إفريقيا الوسطى، لكن المدرب البوسني أبعده عن القائمة النهائية لخيارات فنية.
وتأخر، إذاً، التحاق عبد الحميد صابيري بمنتخب بلد مولده المغرب، حتى إقالة المدرب خاليلوزيتش من الإدارة الفنية، وقدوم المدرب الوطني وليد الركراكي، في شهر أغسطس/آب الماضي، والذي وجه الدعوة لنجم نادي سامبدوريا الإيطالي للمشاركة في معسكر تحضيري في شهر سبتمبر/أيلول.
وخاض صابيري مباراته الأولى مع منتخب المغرب يوم 21 من الشهر ذاته، بملعب "محمد الخامس" بمدينة الرباط، وكانت ودية، أمام منتخب مدغشقر (1-0)، ثم سجل هدفه الأول بألوان منتخب بلاده يوم 23 بمدينة برشلونة الإسبانية، في مباراة ودية، أمام منتخب التشيلي (2-0).
وبقية القصة معروفة، فقد اختاره مدرب منتخب المغرب، وليد الركراكي، ضمن قائمة الـ26 لاعباً للمشاركة في مونديال قطر الحالي، وقد نجح صابيري، في ترك بصمته في تاريخ نهائيات كأس العالم لكرة القدم، بتسجيله، عفواً، بإسهامه يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، للهدف الجميل في مرمى المنتخب البلجيكي، وفي انتظار الأفضل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.