بين المرء والنجاح إيمان بالله وثقة بالنفس، ليس النجاح رهين الجنسيات أو الأعمار، وليس للأغنياء من الناس؛ هو رفيق الكل، حيثما أردته وجدته، لكن إياك ثم إياك وأنت في طريقك نحو النجاح أن تحاول الاقتراب من دكاكين الفاشلين وأزقة المتشائمين، وكن كوليد الركراكي، حين تولى مهمة تدريب المنتخب الوطني المغربي دون خبرة تذكر مع المنتخبات.
المنتخب المغربي والمؤتمر الصحفي
في مؤتمر صحفي لمدرب المنتخب المغربي وجه "وليد" رسالة لهؤلاء الفاشلين، وقال: "تريدون أن أخسر لتقولوا كنا نتوقع ذلك، وديروا النية وشجعوا الدراري"، لهذا ذهب وليد نحو المونديال من أجل النجاح وتحقيق ما لم يحققه مدرب وطني قبله.
وبهذه العقلية وبإيمان الكبار هاهو وليد يسير بأسود الأطلس نحو المجد الكروي، وهانحن اليوم قد فزنا على بلجيكا، ذلك المنتخب الأوروبي المصنف الثاني عالمياً، والمتوفر على ترسانة من أبرز اللاعبين يتقدمهم جميعاً الأشقى الطائر "كيفين دي بروين".
نعم فزنا بهدفين نظيفين، فزنا في الوقت الذي توقع وتمنى كثيرون هزيمتنا، والمتفائل والخجول منهم تعادلنا، ولكننا لم ننهزم ولم نتعادل وفزنا نتيجة وأداءً، ولم نسجل هدفاً واحداً بل اثنين، ولم نسجل أهدافاً بالصدفة بل أهدافاً عالمية، فالأول من ضربة خطأ لا يسجلها إلا الكابتن ماجد وعبد الحميد الصابري.
والثاني من قدم زكرياء أبوخلال بعد جملة بديعة ومهارة عجيبة من حكيم زياش الذي راوغ مدافع الحمر ووضع الكرة على قدم زكرياء مخاطباً إياه "أن سجّل في شباك البلجيكيين، واهدم صروح المتشائمين، وأطلق من رجلك أفراحنا".
أي فوز هو الذي حدث اليوم، وأي فرحة هي تلك التي عمت المغرب والبلدان العربية، ففي كل بلد عربي خرجت الجموع، كم أفرحني مشهد الفلسطينيين وهم يهتفون للمغرب، وتأكيداً على أن الفوز يتجاوز الرياضة، فقد غرد مسؤولون عرب كثر على رأسهم أبو الغيط أمين الجامعة العربية، فانظر كيف تفعل هذه الكرة بالناس، وكيف يمكنها أن توحد بين بلدان متوترة علاقاتها السياسية.
فالكل يتناسى ما دون الرياضة وعلى قلب رجل واحد يهتفون، ولك أن تقرأ تعاليق الإخوة الجزائريين، الذين أوجه لهم أصالة عن نفسي وعن الشعب المغربي، تحية من القلب.
لم أتصور أن أعانق شخصاً لا أعرفه ولا تجمعني به أي علاقة، لكني فعلت اليوم بعد نهاية المباراة، فأي سحر تحمله هذه المستديرة حتى تفعل بنا ما تفعله، حتى نعانق الغرباء ونروي لهم القصص ونرقص كالمجانين ونصرخ بكل ما نملك من قوة بعد كل هدف، إنه الجنون بعينه.
تستطيع هذه الكرة أن تسعد الناس كما لا يفعل إنشاء خط للسكك الحديدية أو وصول بشري للمريخ، وبإمكانها أن تدخل الحزن على القلوب، فأي سحر هو ما لم أفك طلاسمه بعد ولا أتوقع أن أفعل يوماً!
فوز المنتخب الوطني هو فوز تاريخي على المنتخب البلجيكي الذي لم يسبق أن فزنا عليه، وهو الذي هزمنا بهدف لصفر في مونديال أمريكا 94.
فوز يذكرنا بمباراة البرتغال 86، بجيل الزاكي وبودربالة عزيز والتيمومي، كما يذكرنا بجيل 98، جيل مصطفى حجي وصلاح الدين بصير وطاهر الخلج، هكذا يرحل بنا عبر دروب الزمن وفوق بقاع المعمورة، رافعاً راية المغرب عالية وهاتفاً "هذي البداية ومزال مزال".
هذا الفوز هو رسالة لكل المنتخبات العالمية أن الوضع قد تغير، وأضحى الانتصار حقاً للجميع والهزيمة قريبة من الكل، فغض الطرف، فهذا المونديال لا يعترف بالأنساب، فلا مكان لقول جرير: "فغض الطرف إنك من نمير، فلا كعباً بلغت ولا كلابا".
إنما هو يصدق قول أبي الطيب المتنبي:
"على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم، وتعظم في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم".
اليوم ليس عليك أن تحفل بمن تواجه، نعم عليك أن تدرسه وتحترمه ولكن لا تخضع له وتهزم على أن تبدأ، إنما اعزم وتوكل على الله وآمن بحظوظك، وهذا يصدق على جميع حياتك، ففي دراستك كما في عملك كما في محنك.
إياك أن تستسلم وترمي المنديل، وإياك أن تنصاع للفاشلين وكن كـ"وليد الركراكي" ولاعبي المنتخب الوطني المغربي والسعودي، كن كـ"الصابري وسالم الدوسري".
وأخيراً، هنيئاً لنا وللعرب جميعاً بهذا الفوز التاريخي، وكل التوفيق لباقي المنتخبات ولنا كذلك في الجولة الأخيرة الفاصلة، التي سندخلها وأملنا في أن نصل جميعاً للدور الثاني، ولا ننسى ونذكر بأننا نشد على يد رفقاء أكرم عفيف لتقديم مباراة تليق بالعنابي وبقطر، وبما قدمته قيادة قطر للعالم وللعرب خاصة، إذ رفعت رأسهم عالياً بين الأمم وأعادت لهم بضعاً مما يستحقون، وقدمت صورة رائعة وحقيقية عن المجتمع المسلم.
فلتمضوا يا رفاق ولنرَ الوجه الحقيقي لبطل آسيا، الذي لم يكن هو الذي رأيناه في المباراتين السابقتين. ورسالة للمسؤولين "ديروا النية"، وثقوا في أنفسكم وفي أبناء بلدكم، فبلدانكم وأبناؤها يستحقون فرصة ليقولوا كلمتهم، فكم أتمنى أن نرى كل منتخباتنا بمدربين محليين، وكم أتمنى أن نصل للنهائي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.