في يومِ القديس فالنتين وفي عيد الحُب، وفي العاصمة ياوندي الكاميرون وُلد إمبولو لوالدين عاشا قصة حب نادرة الحدوث وغير معتادة في الأدبيات الرومانسية، فلن تقرأ كل يومٍ عن أدبيات في العشق بين حواري ياوندي وتحت الأمطار الاستوائية.
فكان التطور الطبيعي لهذا هو انفصالاً لوالديه بعد قصةٍ غُمرت بالعشق حتى فاضت وانتهت.
بعدها اتجهت والدته معه وبمرافقة شقيقه إلى فرنسا في مخاطرة ملأها الطموح؛ لأنها لم تستطع أن تراهم مثل أطفال الكاميرون يعانون من ضعف التعليم أو الفقر، ولطالما رفضت أن يراهم أحد يلعبون في الشوارع مثل باقي الأطفال عرايا، وإنما كان الاهتمام بحسن المظهر إحدى أولويات والدتهم التي حاولت دائماً إثبات اختلافهم بها عن جميع أقرانه، فبعد إتمامه الخمس سنوات وانفصال والديه كُتبت له مغامرة جديدة لبدء حياةٍ ستقاتل فيها الأم من أجل أولادها في سبيل حياةٍ أفضل لهم بعدما تولت هي الحضانة وقرر الوالد الدعم عن بعد.
اتجهت الأم إلى فرنسا عاصمة الحداثة وجنة الفرص للأفارقة، لتوفير فرصة تعليم جيدة للأطفال وللبحث عن شريك حياةٍ جديدٍ لها يعينها في رحلتها، وبالفعل تعرفت على زوجها الجديد السويسري الجنسية، ليقررا الزواج والانتقال لسويسرا في بداية طريقٍ كان يحمل الكثير من الخير لإمبولو حتى لو لم يعرفوا ذلك حينها.
مع بداية مسلك إمبولو التعليمي فوجئت الأم بتمرد ابنها وضعف درجاته في المدرسة وشغفه الغريب بلعبة كرة القدم في سيناريو تراه كل أم في العادة ضياعاً لأحلامها وضياعاً لعمرها الذي أفنته تخطط لحياة ولدها بالطريقة التي تخيلتها بها، وأنه قرر الاعتراف لها بشكلٍ مباشر وبشكلٍ فج يشبة صراحة الفرنجة، هذا ما أنتجته لنا التربية الحديثة، فالولد يخبرها أنه يريد التركيز بشكلٍ كامل على كرة القدم، لكن وعلى الرغم من هذا تمالكت الأم نفسها وطالبته بالتركيز والحفاظ دائماً على الخطة "ب" في حالة عدم نجاح رحلة كرة القدم.
ولكن مع مرور السنين استطاع الوصول لنجاحات ضخمة في كرة القدم جعلته يتأكد من هدفه الحقيقي.
ليأتي وقت القرار الذي لطالما هرب منه كثيراً، فالآن عليه التفكير في اختيار المنتخب الذي سيمثله خصوصاً بعد التأكد من قوة موهبته،
وبعد حصوله على الجنسية في عام 2014، قرر إمبولو الإكمال مع المنتخب السويسري رافضاً تمثيل المنتخب الكاميروني، فارتباطه بسويسرا التي قضى فيها أكبر فترات عمره أصبح ارتباطاً قوياً، رافضاً الانضمام للمنتخب الكاميروني رغم محاولة استدعائه وهو بسن الرابعة عشرة.
استطاع بعدها تمثيل المنتخب السويسري في عدة محافل دولية بينها وأكبرها كأس العالم روسيا 2018، وبعدها وللمرة الثانية استطاع الوصول لكأس العالم قطر، لتجمعه الأقدار بعدها في دور المجموعات وليواجه الدولة التي كانت مسقط رأسه وأول ما تعرف إليها بعد ولادته، فشم هوائها وطعم طعامها واستمتع بخيرها.
وعلى الرغم من رفضه للكاميرون فوجئ العالم بما فعله بعد إحراز الهدف ورفضه الاحتفال بأول هدف له في البطولة، فهو ما زال يكن للكاميرون كل الاحترام.
مشاعر مختلطة بين نشوة إحراز هدفٍ في المونديال وطعم الانتصار وبين صعوبة نسيان أصله وأهله ولون بشرته.
فلطالما اعتاد على أنه المختلف في سويسرا لم يكن يشبه أحداً من أقرانه في المدرسة ولا في الفريق، كان يشعر بالاختلاف حتى لو جمعت بينهم جوازات السفر.
لا بُد أنه عندما مرت الكرة أمامه بالتصوير البطيء وأثناء احتضانها للشباك دارت المعركة الداخلية وسأل نفسهُ سؤالاً هل انا خائنٌ للوطن لأنني اخترت نجاحي؟
هل خذلان أوطاننا لنا وشعورنا بالغربة فيه لن يزول حتى باختيار أوطان جديدة تقدم لنا ما لم نجده في بلداننا الأصلية؟ ماذا استحضر إمبولو في رأسه في تلك اللحظة، وماذا تذكر عن أول خمس سنواتٍ في عمره، وهل لنا أن نشعر بالانتماء لمكانٍ قضينا فيه خمس سنوات فقط ونطلق عليه وطننا الأصلي؟
تجنيس المواهب الإفريقية وحرمان الماما أفريكا من أولادها
منذ فترة قصيرة خرج العراب جوزيه مورينيو بتصريحٍ اعتادت عليه الشخصية المثيرة للجدل الصريحة عندما قال إنه على الفيفا منع تجنيس اللاعبين الأفارقة للمنتخبات الأوروبية.
وقبل أن نتحدث عن المنع والقبول فلنتحدث عن الأسباب التي تجعل اللاعبين يوافقون على التجنيس فلا بد أنهم ليسوا مكرهين.
الإجابة عن هذا السؤال هي نعم ولا، نعم لديهم حرية الاختيار بين تمثيل بلدانهم الأصلية وبين بلدانهم الجديدة، أو بأنه ليس لديهم رفاهية الاختيار بأمانٍ معتمدين على عواطفهم فقط، فاللاعبون يجدون في بلدانهم الجديدة فرصة للظهور، لا يجدونها في مسقط رؤوسهم، ولا ننسى الظروف الاقتصادية التي تجعل أطفال إفريقيا يحلمون بشهرةٍ تمكنهم من إخراج عائلاتهم من مستنقع الفقر إلى جنة أوروبا، ولطالما اعتدنا على التواجد العائلي حول اللاعبين من الأصول الإفريقية والعربية وهو ما لم نعتد عليه من اللاعب الأوروبي.
فحتى لو أعلن فيفا في وقتٍ من الأوقات "وهو ما يستحيل حدوثه" عن وقف تجنيس اللاعبين فلن يكون الأمر كما يحلم الناس بتواجد مبابي مع الكاميرون وبنزيما مع الجزائر وبوغبا مع غينيا وكانتي مع مالي، فمع بغضنا لاستغلال هؤلاء الأوروبيين لمواهبنا إلا أنه لولا ما حصل عليه هؤلاء من إعداد جيدٍ وصقلٍ لمواهبهم لما أصبحوا ما هم عليه في الوقت الحالي، فليس الحلُّ في المنع وفقط بل على فيفا ضخ الأموال وبدء مشاريع لاكتشاف مواهبٍ كرة القدم في إفريقيا ليس لضمها للخارج بل لإقامة مسابقاتٍ داخليةٍ تثري كرة القدم الإفريقية وتخرج مواهب تحمل الانتماء لبلدانها بنسبة 100% ليس عليها أن تحترق داخلياً عندما تفوز على بلدانها.
وليس الحلُّ أبداً في تقنين التجنيس حتى لو كان حلاً مؤقتاً ناجحاً بلا شك لسد ثغراتٍ في قائمة المنتخبات بلاعبين ربما ليست لديهم الفرصة أصلاً في تمثيل بلدانهم الأصلية لوجود عناصر بمستوى أعلى، لكن وعلى المدار الطويل سيتسبب هذا في إعدام كل المواهب الإفريقية في الأعوام القادمة والإنهاء على الكرة الإفريقية وأمجادها التي لطالما خشى الأوروبيون أن تحرجهم في كأس العالم.
وفي نهاية الأمر، فمهما أجبرتك الظروف على تغيير الوطن وتغيير المسار فلا يمكن لأحدٍ نسيان وطنه والشعور بانتماءٍ جديد بنسبة 100%، وعلى الرغم من الاعتراف بأن وطنك هو المكان الذي سيقدم لك الفرص ويعينك على النهوض لا من يحاربك، فأينما وجدت فرصةً لتقديم العون لوطنك الأصلي وأن تصنع فرصة لأولاد بلادك لكي يعيشوا حياةً أفضل منك ويحصلوا على فرصٍ داخل بلادهم فلن تتردد لحظةً لتثبت أن بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.