مونديال قطر.. هل تعود أمجاد العرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/24 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/24 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
المنتخب السعودي بعد فوزه على الأرجنتين / تويتر

بشغف كبير يتابع الملايين مباريات كأس العالم في قطر، وبشوق ينتظر كل بلد مشارك مباريات منتخبه، مع تمنيات وأحلام وآمال لا تنتهي بتحقيق الفوز، فلذَّة الفوز في الكأس العالم لا تشبهها لذة، فقد تنسى المشاركة في كأس آسيا أو إفريقيا لكن المشاركة في حفل المونديال بامتيازات خاصة، ليس للمنتخبات العربية ولا الإفريقية بل لكل العالم.

بدأنا المونديال بافتتاح رائع حمل معاني الأخوة والتسامح، وجال بنا بين عروق الصحراء العربية وثقافة قطر، وبعبق من الماضي نسج خيوط تطور هذا البلد العربي الأصيل، كما لم يكن له أن يتجاوز النقطة الأهم وهي التعايش بين الأمم وخاصة بين الشرق والغرب، فالشرق الذي مثله الطفل غانم والغرب ممثلاً بالممثل العالمي مورغان فريمان.

ومع أن الفرحة لم تكتمل بسبب هزيمة المنتخب القطري، إلا أن المونديال العربي أبى إلا أن يمنحنا جرعة من الحماسة تمثلت في هدفين في مرمى منتخب التانجو، من أقدام سعودية، أطلقت الأفراح والأمداح.

رغم توفره على أفضل لاعب في العالم ورغم تقدمه في النتيجة، إلا أنه استسلم للعنفوان والقتالية السعودية، ولم يستطع رفقاء ميسي مجاراة الأخضر، وحقق هيرفي رونار أول ثلاث نقاط له في المونديال بعد مشاركة أولى حاز فيها النقطة اليتيمة مع المنتخب المغربي، وحاز رجاله الإشادة".

كما عمت الأفراح في الوطن العربي، عمَّ الحزن والكرب قلوب البعض من بني جلدتنا، هؤلاء الذين ألفوا أن يسخروا من العرب ومن كل ما هو شرقي، وعلى منوال المستشرقين القدامى سخّر هؤلاء ملكة الإبداع فيهم فكل يوم قصة جديدة عن تخلفنا وتقدم الغرب، ولا تكاد تمر حادثة فيها ما يمكن أن يؤكد طرحهم إلا وقفوا عليها كما يقف العربي على الأطلال.

يعتقد البعض في قرارة نفسه بتفوق فطري في الغرب، ليس من الغربيين كما قلنا وحسب بل من بني جلدتنا، وحتى في كرة القدم يحاول هؤلاء إدماج معتقداتهم، فلك أن تتابع صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لتجد تشفيهم مثلاً في هزيمة قطر، فيكتب أحدهم "بناء الإنسان قبل الجدران"، ويقصد أن تقدم قطر في البنيان المنتخب أولى بها!

هو لم يقصد المنتخب لكنه أشار بشكل مبطن للشعب القطري، مع إدراكه أن الشعب قطري شعب راقٍ، وأن قطر رائدة في التنمية البشرية وتحتل المراتب الأولى في مؤشرات التعليم والصحة والدخل والاستثمار.. إلخ، إلا أن الرجل مع حقده ومع حسده لم تستطع نفسه أن تستسيغ التهاني والأمداح التي تلقتها قطر، فما كان له سوى محاولة الانتقاص منها بمنشور ساخر، والعجيب أن منشوره هذا وجد الحبور في قلوب فئة لا بأس بها، أيدته ودعمت طرحه وتوقعت هزائم المنتخبات العربية، وتبين لي وأنا أقرأ التعليق ومدى النشوة التي تخالجهم بعد هزيمة قطر، وكم هم سعداء أكثر من الإكوادور!

يجب أن أشير إلى أن هؤلاء المستشرقين الجدد نوعان: النوع الأول قومي متعصب، والثاني مطبل وفي.

فالثاني هم أوفياء لحكومة بلدهم ورئيسها والانتقاد والتحليل الذي يسخرونه لدولة قطر لا نرى ربعه إذا ما تعلق بحكومتهم، والسر في محاولة إظهار العرب بمظهر التخلف والهوان هو أن نجاح البلد الآخر يعني فشل حكومتهم، فكيف سيهضم مطبل ما ذاك التقدم الذي تعيشه قطر وهو يرى بلده تعيش أزمة اقتصادية مثلاً، فبالتالي منشوراته هدفها التقليل من كفاءة قطر والبلدان العربية، كي لا يطرح أحد سؤالاً: "لماذا قطر متقدمة ونحن لا؟"، والحقيقة أن هذا السؤال طُرح في صفحات كثيرة بعد الافتتاح.

أما النوع الأول فكارهٌ لكل ما هو عربي في المقام الأول وإسلامي في المقام الثاني، فالعرب أمة هدمت حضارة أجداده وسيطرت على أراضيها، فهو لا يزال يرى فيهم تلك الجيوش الغازية، ولم يفهم أن الفتح جاء بالخير ونقل المناطق التي فتحها إلى الحضارة ونموذج الأندلس خير مثال، فلولا العرب ما انبثقت تلك العقول ولا تفجرت تلك المواهب التي ملأت الدنيا علماً وفناً.

يعتقد هذا النوع أن أي تفوق للعرب والإسلام هو نظير شؤوم، فهو يزيد من تشبث المسلمين بدينهم واعتزازهم بأنفسهم ويبعدهم أكثر عن القومية التي يدافع هو عنها، ويسقط في قلوب كثير منهم صنم الغرب الذي يتفوق علينا بالفطرة بل الإرادة الإلهية، ولهذا يحلم بأن يكون الحظ السيئ والنتائج المخيبة رفيقة كل ما هو عربي وإسلامي، بل وبالأخص خليجي وتركي، فمن الحجاز انطلق العرب ومن الأناضول انطلق العثمانيون، وفيها هذا الصدد وجدناهم ينتقصون من التجربة التركية ويحاولون ربطها بالنفوذ الأمريكي وتشبث الأتراك بالقومية والعلمانية لا بالعمل والأيدي النزيهة التي لم تهرب المدخرات إلى أوروبا.

يرانا هؤلاء كخاسرين في كل المجالات، كأمة لم تحفل بها الأمم، وكمنتخبات لا يتوقع منها إلا أن تنهزم وبفارق كبير، لهذا فهم ينتظرون بفارغ الصبر أن تقصى كل المنتخبات العربية والإفريقية حتى يصدق كلامهم.

من السياسة والاقتصاد انتقلوا للرياضة، فحتى فرحة الانتصار في مباراة كرة القدم أو الفوز بميدالية ذهبية تعتبر في نظر هؤلاء من المستحيلات، حتى أن كل انتصار لا يردونه للعمل الجاد والمثابرة وإيمان الناس بأن كل إنسان قادر على المنافسة؛ بل لعوامل شتى كضعف الفرق الأخرى أو إصابة أحد المتسابقين المرشحين للفوز، والمهم أن إنسان العالم الثالث والعالم العربي خاصة، إنسان فاشل وحياته تترنح بين الخسارة والخسارة.

لكن لأننا آمنا بأن كرة القدم لعبة لا تعترف بالسفسطة والكلام، إنما بالأداء والعرق الذي يتصبب من اللاعبين، والروح العالية والأمل الذي لا ينتهي حتى صافرة النهاية، وقد كتبنا تاريخنا بأحرف من ذهب في المشاركات العربية والإفريقية، وتأهلنا للدور الثاني في أكثر من مناسبة وفزنا على الكبار وكدنا نصل لنصف النهائي لولا إضاعة "جيان أسموا" لركلة جزاء غانا الشهيرة، في آخر عمر مباراتهم ضد الأوروغواي.

وها قد فازت السعودية وقدمت تونس والمغرب مباريات رائعة، وكل فوز سيأتي وكل نتيجة إيجابية هي ثمرة عمل دؤوب، وليست بمسألة صدفة، وقد يقال مجرد حظ، ونقول: "إن الحظ مع الشجعان يسير حذو النعل بالنعل". وكما صنعت البرازيل والأرجنتين وألمانيا أفراحها، ستصنع منتخباتنا أفراحها، وستلعب أمام الكبار باحترام وشجاعة، وكما حقق السعودية فوزاً ستحقق المنتخبات الأخرى نتائج مشرفة إن شاء الله.

فلدينا منتخبات شابة وبأسماء واعدة، ومدربين متميزين، وكل المؤشرات في صالحنا.

وليس للفوز معنى رياضي فقط، فإن إنجازاتنا تتجاوز الرياضي لتمس الثقافي والاجتماعي، وتعانق روح الشعوب، لتدفع بها نحو العمل ولا شيء غير العمل، إذا أرادت أن تتوفق على نفسها أولاً وعلى الآخرين.

كما أن هذه الانتصارات فيها إلجام لأولئك الساخرين الذين ينتظرون سقوطنا، إنها رسالة لهم وللعالم الأول، أن الأفارقة وسكان العالم الثالث والعرب خاصة أمامهم المستقبل الواعد، لا في المجال الرياضي الذي بات جلياً تطوره، لكن في كل الميادين، وما هي إلا سنوات حتى نعود كما كنا قادة للأمم في العلم والسياسة والاقتصاد، فلا ينقصنا من مقومات القيادة شيء اللهم إلا الثقة بالنفس وسد الآذان عن المنهزمين ثقافياً والداعين إلى الانهزام.

أمام منتخباتنا طريق شاق للدور الثاني، لكني بكل ثقة أتوقع أن نمر جميعاً، وأن تكون هذه البطولة المنظمة في أراضٍ عربية، بطولة استثنائية للعالم بأسره وللعرب بخاصة، فكل الدعم وكل التوفيق للمنتخبات العربية والإفريقية.

مع تمنياتنا بأن نشهد وصول منتخب عربي أو إفريقي إلى مربع الذهب كما حدث ووصلت كوريا وتركيا في مونديال 2002، ولم لا إلى النهائي كما فعلت كرواتيا في مونديال روسيا، فلنأمل ذلك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد