في تحدٍّ للإعلام الغربي والمناخ.. كيف استطاعت “قطر” أن تنظم أفضل نسخة من كأس العالم؟

عدد القراءات
1,729
عربي بوست
تم النشر: 2022/11/22 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/22 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
نجاح مبهر رغم الصعوبات /مواقع التواصل الاجتماعي

لقد أثبتت قطر بنجاحها الباهر في تنظيم كأس العالم أن دولنا وشعوبنا تستطيع أن تلتحق بالتطور وتكون أفضل من الدول الغربية. إن كأس العالم الذي تم تنظيمه في البلدان الغربية يعدُّ مقارنة بتنظيمه في قطر متخلفاً بعشرات السنين.

وهذه ليست سوى إشارة أمل حاملة للمستقبل عن قدرتنا أن نكون إذا ما أحسَنَّا استغلال الموارد وعرفنا كيف نستفيد من كل ما هو متاح اليوم من أسباب التقدم مشرقاً ومغرباً.

هنيئاً لك دولة قطر بهذا الانتصار الكبير، ونحن سعداء بانتصارك، غير مبالين بما تكتبه "تايم" أو يصرح به أصحاب القلوب المريضة من الغيورين أو الحاقدين.

قطر عاصمة كرة القدم العالمية

من بين كل أصناف الرياضات الفردية والجماعية الممارسة المعروفة، استطاعت رياضة كرة القدم أن تأسر قلوب الملايين من الناس، وأن تستولي على ألبابهم منذ اللحظات الأولى لظهورها، وأن تكون اللعبة المحبوبة والأكثر شعبية في العالم، والأقوى جذباً لاهتمام المتابعين من الجنسين وفي مختلف الأعمار، وأن تستقطب أنظار مختلف الطبقات الاجتماعية الميسورة وحتى المحرومة.

وقد يكون من أبرز الأسباب التي منحتها هذه المكانة هو كونها رياضة تمارس بتنافس فني حاد تسود فيه القوة الجسمية والذكاء والسرعة، وتثير الحماس والحمية والمتعة عند المشجعين، خاصة لما تتقابل فيها منتخبات الدول.

وأن ملاعبها تتسع لعشرات الآلاف من المتابعين والمناصرين الذين لا تهدأ لهواتهم من ترديد أهازيج المناصرة والتأييد لشحذ عزيمة المتنافسين. ولأن متابعة مقابلاتها على وجه البساط الأخضر هي فسحة للفرجة والتنفيس والتلطيف وطرد كروب الحياة.

قطر وشرف استضافة كأس العالم 

منذ أن تمكنت دولة قطر من إحراز تنظيم كأس العالم في طبعتها الثانية والعشرين، وتقدمها على عدة دول في كل مراحل التصويت ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، قبلت رفع التحدي رغم ثقله، وشمّرت عن سواعد الجد، وشرعت مبكراً في تهيئة وتجهيز البنى التحتية التي تناسب هذه المنافسة العالمية من ملاعب وطرق مواصلات حديثة وفنادق ومطاعم وتوسيع مطارها الأول ومد شبكة الاتصالات إلى كل زوايا العالم. 

كما استطاعت في ظرف زمن قياسي أن تشيّد سبعة ملاعب فتحت فيها المنافسة لرسم هياكلها أمام معماريين من ذوي السمعة العالمية أفرغوا كل ما يملكون في جعب مخيلاتهم من قدرات إبداعية ومهارات تفكير عالية، وصاغوا تشييدها على معايير مضبوطة حتى أخرجتها في أزياء شبيهة بالتحف المعمارية النادرة والاستثنائية.

 وجهزتها بكل الأسباب المساعدة للمتبارين والمتفرجين والإعلاميين من تكييف وإضاءة وتهوية ومنافذ وأجهزة تبريد ذكية ومعدات لمقاومة التلوث الجوي والحماية من الرياح الساخنة والأتربة الناعمة، وزودت بعضها بأسقف قابلة للطي.

أحد الملاعب بالعاصمة القطرية الدوحة/ shutterstock
أحد الملاعب بالعاصمة القطرية الدوحة/ shutterstock

 كما عملت على تجديد وتطوير أحد ملاعبها القديمة وتهيئته تهيئة لائقة. وبذلك أصبح في حصيلتها ثمانية ملاعب يتفوق بعضها على الملاعب العالمية المعروفة. 

أوصلت خمسة منها بشبكة النقل بواسطة المترو لتخفيف الزحام، ووفرت للثلاثة الباقية ما يكفيها من النقل بواسطة الحافلات والسيارات. وقدر حجم النفقات المالية التي صرفتها بأزيد من مائتي مليار دولار.

كما وضعت قطر في حساباتها بعث تراثها المحلي والإرث العربي الإسلامي أثناء تصميم ملاعبها الجديدة، واستلهمت من عمارتها القديمة البسيطة ومن أشكالها وألوانها مبتكرات صاغتها بلمسة حداثية حتى تقرن بين حاضرها وماضيها، وتعاشر بينهما في ديمومة مستمرة. وستقع عين زائرها مثلاً على ملعب في هيئة خيمة عملاقة، وعلى آخر في صورة صَدَفة تحيله أن يكتشف من خلالها العلاقة الوطيدة التي ربطت بين المواطن القطري والبحر على امتداد عصور.

الحملات الإعلامية القطرية قبيل كأس العالم 

أرفقت دولة قطر ما سعت إلى تجسيده بإرادة فولاذية في الجانب المادي بحملة إعلامية ناعمة ومهذبة المقاصد، وخالية من كل انحياز أو تشدد لكي يكون عرسها فضاء التقاء عالمي.

 وتدرجت منابرها الإعلامية مع هذه الحملة تدرجاً تعريفياً مدروساً ومتزايداً مع اقتراب حلول موعد انطلاق البطولة. ويكفي أن مجلتها المعروفة "الدوحة"، وهي مجلة فكرية وثقافية في أساسها، وفي عددها الثمانين بعد المائة الصادر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري عمدت إلى توظيف بعض صفحاتها لمواكبة هذا الحدث العالمي برؤى فلسفية مستحدثة ونظرات سوسيولوجية عميقة.

 وأبرزت على غلافها الأول صورة رمزية للاعب يستعد لقذف كرة تسبقه قليلاً. وجعلت العنوان الطاغي على موادها المنشورة، هو: "فكر كرة القدم" في محاولة منها لإدخال لعبة كرة القدم إلى باحة البحث الرصين والتداول الأكاديمي. 

ومن إحدى مقالاتها المترجمة التي حوتها أقتبس السطور الموالية؛ لذلك كانت النظرة الأقرب إلى الدُّنو من ماهية الظاهرة الرياضية، هي المُقاربة مُتعدِّدة التخصُّصات والعابرة لها في آنٍ، لأجل إحاطة تكون أقربَ إلى الشمول بما يطبعها من تعقيد وتركيب يجعل منها تحدياً مرفوعاً للعلوم الاجتماعية. 

لكن كيف السبيل إلى تحقيق هذه الغاية وعلاقة هذه العلوم بالرياضة عامة وبكرة القدم خاصة، تنطوي على ضرب من المُفارقة، يتجلى في أن كرة القدم التي تتربع، دون منازع، على عرش الرياضة الأكثر شعبية في العَالَم بأسره، سواء ارتبط الأمر بممارسيها أو بجمهورها أو بمَنْ يتابعونها عبر الشاشات. 

فهذه اللعبة التي شهدت ميلادها في إنجلترا أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، كما يُشير إلى ذلك اسمها، سرعان ما انتشرت في أوروبا وأمريكا اللاتينية، ثمَّ غزت إفريقيا قبل أن تلج إلى آسيا حديثاً، خاصة الصين. 

ووحدها الولايات المُتحدة الأمريكية لا زالت تُظهر نوعاً من المُقاومة تجاهها. ولم تشفع لها أهميَّتُها بوصفها "واقعة اجتماعية" تمتلك كل المظاهر المُميزة لـ"الواقعة الاجتماعية الكلية"، إن شئنا الحديث بعبارات مارسيل موس، وظلّت تشغل مكانة هامشية داخل حقل العلوم الاجتماعية خاصة في فرنسا، لاسيما السوسيولوجيا. فكيف لنا بتفسير هذه الفجوة بين ممارسة شعبية جداً وبين التردُّد القوي للسوسيولوجيا الفرنسية في تناولها كموضوع والعمل لأجل الإحاطة بها؟

من تمام النبل أن ترتفع الدعوات الداخلية لحث القطريين المضيافين والأسخياء على فتح بيوتهم لينزل فيها ضيوف وطنهم في أمن وسلام في مبادرة لم تكن مألوفة من قبل في الدول التي احتضنت نهائيات كأس العالم. 

وقد بدأت بوادرُ الإعجاب التي تصنع الفرق تتعالى في كلمات الضيوف التي منها كلمة قالها أحد الإعلاميين في الوفد البرازيلي، ومؤداها: "كم أدهشني صوتُ الأذان الذي يرتفع ممزِّقا الهدوء بين كل مرة وأخرى".

الإعلام الغربي ومحاولة تشويه التنظيم القطري 

عندما عجزت ألسنة السوء من النيل من الإنشاءات البنائية التي أقامتها دولة قطر بما يشبه المعجزة، انعطفت صوب فكرة خبيثة وماكرة عجنت فيها الرياضة بالسياسة عجناً دنساً. 

وما يكاد الحاقدون يفتحون ملف قضية تافهة حتى يتبعوها بأخرى أكثر تفاهة لتكسير عزمها، وتشويه سمعتها، وتعطيل جهدها لصناعة الحدث بغرض حجب الثناء والإعجاب عنها وهي تعيش كدولة عربية أزهى لحظات البروز للتعبير عن قدرة أبناء الأمة العربية من الدخول في مجال المنافسة الجدي والإعداد للبطولات العالمية وتنظيمها وانتزاع الاعتراف والإشادة، والإظهار أنهم يقفون على ذخائر تراثية فكرية وثقافية تغذي إرادتهم وتدفعهم إلى أعلى درجات الرقي.

ومع تنامي حلقة الحاقدين، انغمست بعض الصحف العالمية في نفس المستنقع العفن بعد أن تحللت من مصداقيتها، وأثارت قضايا هامشية أبعدتها تماماً عن موضوع هذه المنافسة. 

ورأت أن تنتقد الدولة المضيفة في سلاطة بمجرد أن طالبت ضيوفها باحترام تقاليد البلد وعاداته الجميلة، والالتزام بما يحفظ سلامة العقد الأخلاقي الذي تعارف عليه المواطنون القطريون، وارتضوا وتشبثوا به، توارثها جيلاً عقب جيل. 

ولم يتورعوا حتى من إثارة موقف دولة قطر من موضوع هو محل خلاف بينهم، وهو موضوع حضور المثليين ورفع رايتهم! ومن المؤسف أن يرتد السويسري "جوزيف سيف بلاتير" الذي كان رئيساً للفيفا سابقاً وينام على ملف فضيحة احتيال وفساد مالي حينما فازت دولة قطر باحتضان هذه البطولة العالمية، ويصرح في خبث يقول فيه بعبارة واضحة: "إن فوز قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم كان خطأ!". 

ما إن سجّلت قطر خطوة مبهرة في سبيل التجهيز القاعدي استعداداً للعرس العالمي حتى تحركت كوامن الحسد وانفجرت براكين الحقد في قلوب كثيرين من أهل الغرب الذين لم يكونوا يتوقعون وصول قطر إلى إقامة إنجازات مُبهرة على درجة مُثلى من الجودة والكمال اصطفوا أمامها مبهورين مندهشين. 

وصدمت توقعاتهم التي كانت تحدِّثهم بالإخفاق والعجز، وتميل إلى الفشل والخيبة. وشرعوا في تحريك وسائلهم المثبِّطة باختلاق الأفاعيل وزرع القلاقل للطعن في إمكانات قطر وبذر الشائعات ضدها للإساءة والتقزيم.

تستعد قطر، وهو البلد الصغير جغرافياً والكبير بإرادته وطموحه، لاستقبال ضيوفها الذين ترى بعض التوقعات أن عددهم قد يزيد على مليون ونصف المليون فرد. 

وقد استعدت بكل ما يسمو بحُسن الوفادة ومكارم الضيافة. ومن تمام النبل أن ترتفع الدعوات الداخلية لحث القطريين المضيافين والأسخياء على فتح بيوتهم لينزل فيها ضيوف وطنهم في أمن وسلام، في مبادرة لم تكن مألوفة من قبل في الدول التي احتضنت نهائيات كأس العالم. 

وقد بدأت بوادر الإعجاب التي تصنع الفرق تتعالى في كلمات الضيوف التي منها كلمة قالها أحد الإعلاميين في الوفد البرازيلي، ومؤداها: "كم أدهشني صوت الأذان التي يرتفع ممزقاً الهدوء بين كل مرة وأخرى!".

هناك من يرى أن إقدام دولة قطر على احتضان نهائيات كأس العالم في طبعتها الحالية يدخل في صميم رؤيتها النهضوية الشاملة الموسومة باسم: "نهضة قطر الوطنية 2030" التي تطمع من خلال مخططها المرسوم إلى الوصول بالمجتمع القطري إلى مستوى معايير العالمية في التقدم، ووضعه على عتبات الدرجة المعيشية التنموية الراقية. 

وأتمنى أن تحذو الدول العربية المستطيعة حذوها، وأن تضع أقدامها على آثار قدمها حتى تخرج من دائرة الانكماش والتخبط والظلام التي طال ليلها.

قطر والنجاح المبهر 

هناك بعض الاختبارات في الحياة، التي ينجح فيها المُمتحَن قبل أن يجتازها، وواضحٌ أن دولة قطر، قد نجحت بتحدّيها العالم والظروف المناخية وكل المشوّشين.

 حققت نجاحاً تاريخياً قبل ساعات من بداية منافسة كأس العالم، فقد كان الفوز باحتضان المنافسة في أواخر 2010، انتصاراً مبهراً؛ لأنه تحقق أمام أوزان ثقيلة في الكرة الأرضية، وهي اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية. 

تواصل قطر الفوز على مدار اثنتي عشرة سنة، من خلال الإنجازات الرياضية والفندقية والبيئية التي جعلت قطر أشبه بالجنة على وجه الأرض، ولم يتبقَّ سوى مباريات كرة وحماس مناصرين وتغطية إعلاميين ليكتمل النجاح، في بلد أجبر العالم على أن يختاره بجغرافيته ومناخه وتقاليده، وسيتابع تحدّيه ويستشرف رفعه لسقف رقيّ التنظيم إلى درجة إعجاز من سينظمونها في المستقبل القريب والبعيد.

عندما نجحت جنوب إفريقيا في سنة 2010 في تنظيم كأس العالم، فتحت البابَ لدول إفريقية أخرى نجحت في تنظيم تظاهرات في رياضات أخرى مثل كرة اليد، وطمعت في تنظيم كأس العالم لكرة القدم.

وبنجاح قطر، بإمكان دول خليجية وعربية أخرى، أن تطمع في الحصول على نفس الشرف، مدعّمة بما تحقق في قطر التي ستخرج من "المونديال" وهي بلاد حُلم بالنسبة لكل من زارها وتابع عبر شاشات التلفزيون ما بلغته من رقيّ يجعلها لا تختلف عن أي بلد اسكندنافي إن لم تكن أحسن منه.

ما حقق نجاحَ قطر، هو أنها لم تنسلخ من روحها من أجل أن تستنسخ الآخرين في ذاتها، فرفضت أن يكون مونديالها نسخة من كأس العالم 2006 في ألمانيا أو 2018 في روسيا، فاستقبلت ضيوفها وهي قطر العربية المسلمة، بكرمٍ من قيم الأمة، وبإجبار الآخر أن يكون ضيفاً محترِماً لمضيِّفه، وبملاعب وفنادق ومطاعم ومتنزهات بهندسة وخدمات عربية من وحي المكان والزمان، وسط رمال صحراء ساحرة وخضرة متحدية لقسوة الطبيعة، وتوفير الظروف لبعث شهية اللعب والعمل الصحفي والسياحة والتشجيع، إلى درجة أن الناس صاروا على يقين بأن دورة كأس العالم في قطر، هي الأحسن في التاريخ، بالرغم من أن هذا التاريخ، لم يبلغ بعد حفل الافتتاح ولا نقول حفل الاختتام.

باسم الحرية والديمقراطية وغيرها من المفردات التقليدية القديمة التي يُراد بها معنى آخر، حاول بعض المغرّدين خارج السرب، من ساسة ورياضيين وفنانين من الذين منحتهم الحياة بعض الشهرة، أن يطعنوا في مقدرة قطر على إرضاء جميع الأذواق، وحتى النزوات، فكانت كلما انطلقت تغريدة، إلا وتبخَّرت في الهواء.

إلى أن بلغت على مشارف حفل الافتتاح شكل الفقاعة، فما عاد المغرِّد نفسه يستمع إلى نفسه، وما عاد المنتقِد يمتلك القدرة على أن يُكمل انتقاده إلى آخر السطر، بعد أن أوقفته الصور القادمة من الدوحة عند قناعة: ونجحت قطر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حيدرة حمزة
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد