رعب غرف الفنادق.. هل نجح صناع مسلسل “الغرفة 207” في تقديم عمل يليق برواية “أحمد خالد توفيق”؟!

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/19 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/19 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش

"هُنا دق جرس الهاتف، هُرعت إلى الكاونتر، يا رب لتنتهِ هذه الليلة، لتنتهِ بأي شكل! إنها نزيلة الغرفة 207 تطلبني! الجميل في الموضوع؛ هو أنه لا يوجد نزلاء في الغرفة 207!"

 رواية سر الغرفة 207 للكاتب أحمد خالد توفيق 

في 31 أكتوبر من هذا العام بدأ عرض أولى حلقات مسلسل الغرفة 207 على منصة شاهد الرقمية، ومنذ طرح الإعلان الترويجي شعر الجمهور بالحماس الشديد، خاصة أن أحداث المسلسل بُنيت بالأساس على رواية الرعب والإثارة "سر الغرفة 207" للكاتب المصري الكبير أحمد خالد توفيق، والحقيقة أن هذا الحماس لم يدم طويلاً وخفّت حدّته بمجرد عرض الحلقات الأولى من المسلسل، لماذا حدث ذلك، سوف أخبركم بالتفاصيل من خلال هذا المقال:

قصة المسلسل: أحداث مرعبة وغير مفهومة تحدث في إحدى غرف الفندق 

من داخل فندق لونا بمدينة مرسى مطروح، وخلال عام 1968 تبدأ أحداث المسلسل بمشهد انتحار عامل الاستقبال في الفندق، ينقطع المشهد فجأة ليظهر لنا بعد ذلك جمال الصواف؛ عامل الاستقبال الجديد الذي جاء ليحل محل العامل المنتحر، بعد ذلك تبدأ أحداث غامضة في الظهور لنزلاء الغرفة 207، وبطريقة ما يجد جمال الصواف نفسه منخرطاً في تلك الأحداث، المسلسل من بطولة محمد فراج ريهام عبد الغفور، ناردين فرج، يوسف عثمان ومن إخراج محمد بكير وإنتاج استوديوهات MBC.

مسلسل الغرفة 207

ومن المفترض أن تكون حلقات هذا المسلسل 10 حلقات، وحتى كتابة هذه السطور تم عرض 5 حلقات؛ كل حلقة منفصلة وتحمل عنواناً وقصة مختلفة حدثت في الغرفة 207؛ وقد جاء عنوان الحلقات على الترتيب التالي: "فتاة وحيدة"، "لعب عيال"، "زوجان" "ذات ليلة"، و"تلفزيون الواقع"، والرابط بين كل زوار الغرفة هو الهشاشة النفسية؛ تختار الغرفة فرائسها باحترافية شديدة تلعب على صدمات الطفولة وتتلاعب بالمضطربين نفسياً، تلتقط أفظع أفكارهم، وتجعلها تطفو على سطح الواقع.

بين الرواية الأدبية والعمل الدرامي: هل كانت هناك الكثير من الفروق؟

قبل سنوات قليلة انتهيت من قراءة رواية سر الغرفة 207، ومع بداية عرض المسلسل قمت بإعادة قراءتها مرة أخرى؛ وفي المرتين لم أشعر بالملل للحظة واحدة، بالعكس فقد عكفت على الرواية حتى انتهيت منها في جلسة واحدة، وذلك لأنها مشوقة للغاية وتجعلك تلتهم الصفحات حتى تعرف ماذا سيحدث لاحقاً، حين عرفت أن الرواية ستتحول إلى عمل درامي شعرت بفرحة عارمة، ولكن كل ذلك تبدل بعد عرض المسلسل الذي كان بعيداً بعض الشيء عن الرواية.

مسلسل الغرفة 207

في الرواية؛ كان جمال الصواف هو عامل الاستقبال في الفندق، وكان يحكي فقط ما يحدث مع الزوار، تورطه في الحكاية كان ليخدم فكرة العمل، ولكن ظلت الغرفة هي البطل الرئيسي والأوحد للعمل، وكل الحكايات تدور في فلكها، أما المسلسل فكان مختلفاً؛ فالبطل هنا هو جمال الصواف نفسه، وهو صاحب القصة الرئيسية، أما زوار الغرفة فهم الأبطال الفرعيون، وكل حكاية تحدث في الغرفة يجب أن تكون ذات صلة بجمال الصواف نفسه؛ على سبيل المثال في الحلقة الأولى من المسلسل رأينا قصة سوسن طليقة جمال، وكيف عاملها، وكيف انتهت قصتهما، وهذا لم يرد في الرواية أصلاً، حتى أننا لم نكن نعلم اسمها.

والحقيقة أن التغيير الذي أحدثه المسلسل لم يكن سيئاً، ولكنه لم يُوظف جيداً، فآخر شعور يجب أن تحسه وأنت تشاهد مسلسلاً تدور أحداثه في إحدى غرف الفندق هو الملل، هذا عمل درامي يجب أن يتسم بالغموض والإثارة والرعب، ولا يجب أن يتسلل الملل ولا لدقيقة واحدة، ولكن هذا لم يحدث، فطوال الحلقات الخمس لم أشعر بالإثارة سوى لدقائق معدودة فقط طوال مدة عرض الحلقة، وباقي الوقت كان شديد الملل، أضف إلى ذلك أن الأداء كان في بعض الأحيان يتسم بالمبالغة، أنا لم أشعر بالخوف من الغرفة، شعرت به من نظرات الأبطال الذين ينظرون مشدوهين من الخوف دون أي مبرر للخوف.

والرواية رغم أنها عمل مكتوب، فإن إحساس الخوف والإثارة تملكني طوال القراءة؛ اندمجت بشدة مع وصف أحمد خالد توفيق لعوالم الشخصيات، وحتى الردهة التي كانت فيها الغرفة والمدخل وشكل الحوائط كان مؤثراً في العمل المكتوب أكثر من العمل البصري، وهذه بلا شك تعد نقطة ضعف كبيرة في حق المسلسل.

هل القصة المتماسكة والأداء المحترف لبعض الأبطال كان كافياً؟

لم تكن كل جوانب المسلسل سيئة؛ فعلى سبيل المثال أداء محمد فراج لدور جمال الصواف كان مبهراً، وكذلك شخصية ريهام عبد الغفور، وكونها تجسد صوت الغرفة كان بارعاً، ولكن ناردين فراج، التي أدت دور سارة كانت سيئة للغاية ومفتعلة، وفي كثير من الأحيان طغى الافتعال على مشاهد المسلسل، حتى أن الروائي والسيناريست عمر طاهر كتب على صفحته عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلاً "مع كل التقدير لجهد فريق عمل غرفة 207 اللي كل عنصر فيه له قيمته الفنية، بس المرة دي وكأن خطة العمل كانت احنا كلنا هنفتعل يا جماعة، كلمة السر fake عايزك لما تتخض تبرق فيك، ونور لي من برة الشبابيك فيك، وقولي كلام غامض بطريقة فيك، وحلي اللغز بعمق بس فيك، حط لي هنا ستاير فيك، وهات لي واحد رفعت إسماعيل بس نقيه فيك، أنا آسف لو غلست عليكم بس الحقيقة جت لي كرشة نفس محبطة في 3 حلقات؛ لأني أصلاً من جمهور المحبين لمعظم عناصر العمل".

الافتعال لم يكن مشكلة العمل الوحيدة، فالرواية على سبيل المثال قدمت للكاتب عملاً على طبق من ذهب، ولكن المسلسل اختزل الكثير من المشاهد؛ في الرواية على سبيل المثال سوف نرى الكثير من القصص التاريخية تحدث في الغرفة مثل قصة كليوباترا وقطز وغيرهما، وهذا الجانب من القصص لم يظهر حتى الآن، واكتفى المسلسل بجوانب أحادية من القصص ليأتي المسلسل مختزلاً ويغلب عليه الطابع الغربي التقليدي في رسم مشاهد الخوف والإثارة، والحقيقة أن تلك المشاهد كانت متوقعة، ولم تكن تحمل أي قدر من الإثارة.

غموض غرف الفنادق: الفكرة المتجددة دوماً عبر العصور

يقول ستيفن كينج، كاتب أدب الرعب الأمريكي الشهير "بالإضافة إلى قصص دفن الأحياء، على كل كاتب رعب أن يقدم قصة واحدة على الأقل عن غرف الفنادق المسكونة، لأن غرف الفنادق أماكن مخيفة بطبعها، تخيل كم من الناس نام في الفراش قبلك؟ كم منهم كان مريضاً؟ كم منهم كان يفقد عقله؟ كم منهم كان يفكر في قراءة بضع آيات أخيرة من الكتاب المقدس الموضوع في درج الكومود بجوار الفراش قبل أن يشنق نفسه في خزانة الملابس بجوار التليفزيون؟"

وفي السياق نفسه يقول المخرج الكندي براندون كروننبرغ "غرفة الفندق هي مساحة غريبة وحميمية في الوقت نفسه، فالفندق يشبه متاهة من التاريخ السري، هناك شيء لذيذ حول فكرة أن لحظة دنيئة من ذلك التاريخ قد تطفو على السطح في الوقت الحاضر، ربما حرفياً في حالة قصة خارقة للطبيعة" ومن هنا يمكننا القول أن غرف الفنادق أغرت دوماً الكتاب والمبدعين وأخرجت الكثير من المواد الإبداعية التي لا يمكن نسيانها؛ الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي كتبت عن رعب غرف الفنادق في أعمالها "جريمة الفندق" ورواية "في فندق بيرترام". 

ستيفن كينج كتب رواية "الغرفة رقم 1408" وهي عمل قريب الشبه جداً برواية "سر الغرفة 207" والحقيقة أن الأمر لم يقتصر على الروايات، فهناك الكثير من الأفلام والمسلسلات التي تناولت فكرة رعب وغموض غرف الفنادق، مثل المسلسل التركي الشهير "منتصف الليل في بيرا بالاس"، وما يميز هذا المسلسل تحديداً أنه كان شديد التشويق والإثارة، وجمع بين الغموض والتاريخ، حيث إن غرفة الفندق 411 كانت تجعل الزوار يسافرون عبر الزمن، وذلك تحديداً في منتصف الليل، وبطلة المسلسل عادت بالزمن إلى عام 1919 لتنقذ مصطفى كمال أتاتورك من محاولة اغتيال.

في النهاية أنت لديك غرفة فندق يمكن أن تجعلها موطناً رائعاً للكثير من الأشياء؛ يمكن أن تتعثر ليلاً وتنزل إلى العالم السفلي، ويمكن أن ترى في المرآة كل ماضيك، وممكن أن تُحاط بجيران من أزمنة تاريخية مختلفة، الأمر كان دوماً مثيراً ومن الممكن أن يحمل الكثير من الألغاز والإثارة، وهذا تحديداً لم يحدث أبداً في مسلسل الغرفة 207، ولهذا فالعمل جاء محبطاً للغاية؛ لأنه انبثق من رحم فكرة رائعة كان يمكن أن تنتج عملاً مميزاً وليس عملاً مملاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء رمضان
كاتبة مصرية
تحميل المزيد