مونديال 2022.. إلى أين تصل فرنسا في حملاتها ضد قطر؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/17 الساعة 10:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/17 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
محاربة فرنسا لتنظيم قطر لكأس العالم 2022 /مواقع التواصل الاجتماعي

قبل أسابيع قليلة من بداية مونديال قطر 2022 لكرة القدم شُنَّت بأوروبا حملات مناهضة لاستضافة قطر للمونديال، وقد تعالت أصوات فرنسية داعية إلى مقاطعة كأس العالم، هذه المقاطعة لا يعنون بها المقاطعة الرياضية، أي عدم مشاركة المنتخبات الاثنين والثلاثين في المونديال.

 لكنهم يخططون لثلاثة أصناف من المقاطعة ألا وهي المقاطعة السياحية "عدم ذهاب المشجعين إلى قطر للمونديال"، والمقاطعة السياسية "عدم حضور السياسيين الفرنسيين في كأس العالم"، والمقاطعة البصرية أو المرئية "عدم مشاهدة المباريات عبر التلفزيون".

 في هذا السياق، اتخذت بلديات مدن فرنسية كبيرة كمدينة باريس ومدينة ليل ومارسيليا وستراسبورغ وليون  قرار عدم بث مباريات كأس العالم في الساحات العامة لهذه المدن كما كانت تفعل سابقاً.

 فهذه الحملة يقف وراءها كتاب وصحفيون وسياسيون وبرلمانيون ونجوم كرة قدم سابقون ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم. 

قطر تنظم كأس العالم 2022/Shutterstock
قطر تنظم كأس العالم 2022/Shutterstock

هناك أفراد ومنظمات قليلة تريد استخدام المونديال كوسيلة للضغط على دولة قطر للإسراع في عملية تحسين أوضاع العمال المهاجرين، لكن غالبية من يؤيدون حملة مقاطعة المونديال يرفضون ضمنياً فكرة إقامة بطولة كأس العالم في بلد عربي مسلم لكنهم لا يفصحون عنها.

هؤلاء النشطاء بدأوا التحرك منذ أن نالت دولة قطر شرف استضافة المونديال، وشككوا أولاً في نزاهة عملية اختيار قطر لهذا الحدث الرياضي العالمي،  وثانياً ذكروا أن قطر لا يجوز لها أن تستضيف المونديال بسبب عدم وجود تاريخ عريق لها في كرة القدم، ثم تشككوا في وجود بنى تحتية قطرية قادرة على استضافة المباريات.

بعد أن تيقنوا أنه تم إنجاز جميع الموافق اللازمة للمونديال دعوا أخيراً إلى مقاطعة كأس العالم دون الإفصاح عن السبب الحقيقي لموقفهم المعارض لإقامة المونديال في دولة عربية مسلمة، بل عللوا مواقفهم بدوافع إنسانية وأخلاقية ودينية وبيئية والتي قد يكون لها صدى في المجتمع الفرنسي كأوضاع العمال المهاجرين في قطر.

واتهام قطر بأنها دولة وهابية أو بوجود مكيفات في ملاعب كرة القدم التي قد تسبب الاحتباس الحراري في العالم وغيرها من الاتهامات والانتقادات التي قد تخيف المشجع الفرنسي من الذهاب إلى الدوحة.  

جدير بالذكر أن الحملات المناهضة لاستضافة المونديال من قبل بعض الدول غير الأوروبية ليست ظاهرة جديدة، فقد تعالت صيحات ضد استضافة الولايات المتحدة الأمريكية للمونديال في عام 1994.

وضد استضافة كل من اليابان وكوريا الجنوبية لكأس العالم في عام ٢٠٠٢، وضد استضافة جنوب إفريقيا للمونديال في عام ٢٠١٠ بحجة أن هذه الدول ليس لها تاريخ عريق في كرة القدم، لكن في النهاية استضافت هذه الدول كأس العالم ونجحت في تنظيمه.  

فرنسا تحاول مقاطعة المونديال / shutterstock
فرنسا تحاول مقاطعة المونديال / shutterstock

والدعوة إلى مقاطعة المونديال ليست ظاهرة جديدة أيضاً فهناك دعوات متكررة لمقاطعته من أوساط فرنسية تكره هذه المباريات، لكن الجديد في حملة مقاطعة المونديال في قطر هو شدتها و زخمها الكبيران، فقد تم إصدار كتب بسببها وعقدت مقابلات تلفزيونية وندوات فكرية في مراكز بحثية فرنسية مرموقة بعنوان ملفت: "هل تجب مقاطعة المونديال في قطر؟" مع تركيز أكثر المشاركين على الدوافع المذكورة أعلاه والتي تؤثر على المتلقي الفرنسي العادي.

ورواد هذه الحملة في معظمها أشخاص لا يحبون الرياضة ولا العرب ولا المسلمين، ويرون أن قطر دولة عربية ومسلمة ولا ينبغي أن تستضيف المونديال وبالتالي يجب مقاطعته من قبل المشجعين والمشاهدين في الأماكن العامة وحتى في بيوتهم!

وأسباب رفض هؤلاء الفرنسيين فكرة استضافة المونديال من قبل بلد عربي مسلم ترجع إلى الذاكرة التاريخية الفرنسية وإلى ثقافتها وواقعها المحلي. فقد عانى المستعمرون الفرنسيون من ويلات حرب الاستقلال الجزائرية والتي دامت ثماني سنوات (1954- 1962) وانتهت بخسارة فرنسية مروّعة أدت إلى استقلال الجزائر وفرار آلاف الفرنسيين منها رغم أنفهم.

وخسارة فرنسا لهذه الحرب مثلت في الواقع نهاية الإمبراطورية الفرنسية ولا تزال في مخيلة الفرنسيين إلى وقتنا الحاضر والذي شكل بالتالي موقفاً معادياً لكل ما يمت للعرب والإسلام بصلة.

ولهذا تصدرت فرنسا مواقف معادية لنمط حياة المسلمين في الغرب وسنت قوانين كثيرة لمضايقتهم كقانون حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية في عام 2004، و حظر ارتداء النقاب والبرقع خارج البيت في عام 2010.

 وهناك مشروع قانون فرنسي يحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المسابقات والأحداث التي تنظمها الاتحادات الرياضية الفرنسية. 

أضف إلى ذلك أن الفرنسيين يتغنون بالحرية والمساواة والعدالة لكن ثقافتهم مستعلية إلى أبعد الحدود، فهي مبنية على عقدة التفوق على الثقافات الأخرى واحتقار لغاتها ودياناتها وسبل عيشها. 

كأس العالم لكرة القدم /shutterstock
كأس العالم لكرة القدم /shutterstock

ويظهر ذلك جلياً في إنتاجهم الأدبي والفكري وفي طريقة تعاملهم مع الآخر، ولهذا يعارض الكثير من الفرنسيين فكرة إقامة المونديال في بلد عربي مسلم. وقد استغرب كثير من الفرنسيين المقاطعين أن يتم استضافة كأس العالم 2022 في قطر وانعقاد الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 في المملكة العربية السعودية.  

من جهة أخرى، يعيش في فرنسا أكثر من أربعة ملايين فرنسي من أصول عربية ومسلمة وغالباً ما يتم هضم أبسط حقوقهم مع أنهم ولدوا وترعرعوا في فرنسا ودرسوا فيها، لكن الكثير منهم لا يستطيع الحصول على وظائف في مجال تخصصاتهم رغم تفوقهم في دراساتهم الجامعية بسبب العنصرية الممنهجة في سوق العمل الفرنسي ، والتي خلقت ظاهرة فقر الفرنسيين من أصول عربية الذين يعيش معظمهم في أحياء سكنية رثة وفقيرة؛ مما أدى إلى هجرة الكثير منهم إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وكذلك إلى دولة قطر.

 وخلال مقابلة تلفزيونية عن مقاطعة مونديال قطر، دافع أحد المؤيدين الفرنسيين لفكرة المقاطعة بحجة أن قطر توظف الفرنسيين من أصول عربية وتعطيهم فرصة الحصول على مناصب مهمة! 

وأخيراً، لا بد من تجاهل مقاطعة بعض الفرنسيين للمونديال فهم لا يشكلون نسبة كبيرة ولا يمكن إرضاؤهم ويجب التركيز على مشجعي الدول الأخرى الذين يحترمون الثقافات الأخرى ويرون أن إقامة كأس العالم في قطر فرصة كبيرة لزيارة دولة عربية والتعرف على ثقافتها وتاريخها والتمتع بمشاهدة المونديال في ملاعب كرة القدم.

ويمكن التركيز على الجيل الجديد المثقف من المشجعين الغربيين وغيرهم كلاعبي ومشجعي فرق كرة القدم في الجامعات ذكوراً وإناثاً الذين هم أكثر هدوءاً وأكثر قابلية لفهم الثقافة المغايرة لثقافتهم وأكثر قابلية لاكتشاف دولة قطر ومتاحفها وتاريخها وطريقة عيش العرب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالعزيز غي
أستاذ في جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية
كندي الجنسية، حاصل على الليسانس والماجستير والدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف بسويسرا، وعلى دبلوم عالٍ في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وشهادة الليسانس في اللغة العربية. عاش 5 سنوات في الشرق الأوسط، و12 سنة في أوروبا، وأكثر من نصف عقد في أمريكا الشمالية. مهتم بحوار الأديان والثقافات والشعوب، وحالياً يعمل أستاذاً لدراسات الأديان واللغة العربية في جامعة ولاية بنسلفانيا وفي كلية نازاريث في أمريكا.
تحميل المزيد