ماذا يعني طرح السيسي شركات الجيش المصري في البورصة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/17 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/17 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

في عام 2018 أعلن الرئيس المصري عن اعتزامه  طرح نسبة من شركة للأسمنت يملكها الجيش بالبورصة، ولم يعقب ذلك أية إجراءات عملية للشركة حتى الآن، وبرر الخبراء ذلك التصريح وقتها بأنه كان موجهاً للمؤسسات الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

اللذان قد طلبا خلال الاتفاق مع مصر أواخر عام 2016، إتاحة دور أكبر للقطاع الخاص، وذلك لكي يستمر الصندوق في استكمال إعطاء مصر باقي أقساط القرض البالغ 12 مليار دولار، والذي كانت أقساطه مرتبطة بالتنفيذ المرحلي لمطالب الصندوق، والتي تحددها نتائج الزيارة الدورية لمصر من قبل خبراء الصندوق.

وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، وخلال افتتاحه مصنعين جديدين للكيماويات، تابعَين للجيش بمنطقة أبو رواش الصناعية، صرّح الرئيس بأنه سيتم طرح نسبة من بعض شركات الجيش بالبورصة، وفسّر المراقبون ذلك بأنه يأتي في إطار الرد على ما يثار من هيمنة للجيش على المجال الاقتصادى، كما جاء في أعقاب الحملة التي شنّها المقاول الفنان محمد علي عن مشروعات الجيش، والتي ترتب عليها خروج مظاهرات محدودة في سبتمبر/أيلول 2019.

ورأى كثير من الخبراء أن أمر بيع شركات تابعة للجيش ليس سهلاً من عدة نواحٍ، أولها اعتبار قادة بالجيش أن تلك الشركات تمثل ثمرة عرق جبينهم، وهو أمر سمعته بنفسي خلال لقاء عقده رئيس الشؤون المالية بالجيش، لنخبة من الإعلاميين في مارس/آذار 2012، بفندق الماسة بمدينة نصر، والمملوك للجيش، عندما ألمح أحد الحضور إلى مدى إمكانية ضم بعض تلك الشركات للدولة، ليجيء الرد الحاسم بأنه لا يمكن التفريط في تلك الشركات التي أسسها الجيش باعتبارها ثمرة لجهده.

الطبيعة العسكرية لا تناسب الجمعيات العمومية للشركات

الأمر الثاني أن الجيش لا يملك فنياً وسائل تحويل تلك الشركات للعمل تحت مظلة قوانين الاستثمار وسوق رأس المال، وهي أمور تتوافر لشركات خاصة بالسوق، ومن الصعب بحكم طبيعة التعامل العسكري إطلاع أحد على بيانات تلك الشركات، باعتبارها من الأسرار التي لا يمكن البوح بها.

السبب الثالث أن القيد بالبورصة يعني إصدار قوائم مالية ربع سنوية لأداء الشركة، والإفصاح عن أي متغير بالشركة يمكن أن يؤثر على أداء الشركة سلباً أو إيجاباً، وكذلك حضور المساهمين مهما كانت طبيعة أعمالهم اجتماعات الجمعية العمومية للشركة، وإمكانية مناقشتهم لقيادات الشركة فيما يخص الأداء المالي والإداري، والاعتراض على ما يرونه من تقصير من وجهة نظرهم،إلى حدِّ طلب إقصاء مجلس الإدارة.

وهي أمور لا تتسق مع ما تعوّد عليه القادة العسكريون من إلقاء الأوامر وعلى الآخرين تنفيذها دون نقاش، ومن الصعب عملياً أن يقبل رئيس الشركة الذي سيكون برتبة عسكرية عالية، أن يناقشه مستثمر بسيط يملك 10 أسهم بالشركة على الملأ، فما بالنا بأن يوجّه هذا المستثمر نقداً إلى هذا القائد أمام الحضور!

شركات الجيش المصري
المشاريع الاقتصادية للجيش المصري / الشبكات الاجتماعية

ولهذا مضى أكثر من عام ولم يتحقق شيء، وكان مبرر الصمت أن الحكومة لم تستطع تنفيذ ما وعدت به من بيع حصص من 23 شركة حكومية، والتي أعلنت عنه في مارس/آذار 2018، بحجة أن أوضاع البورصة السلبية لا تساعد على ذلك، لكنه تم توقيع بروتوكول بين صندوق مصر السيادي وجهاز الخدمة الوطنية، لتجهيز تلك التي سيتم طرحها لذلك من خلال الخبرات الموجودة بالصندوق.

حتى صرحت وزيرة التخطيط، التي ترأس في نفس الوقت صندوق مصر السيادي، والتي تحظى بمكانة خاصة بالرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2020، بأنه سيتم طرح نسبة من شركة الوطنية للبترول التي تدير عدداً كبيراً من محطات الإمداد بالوقود للسيارات، وشركة الوطنية لإنتاج المياه الطبيعية – صافي -.

وذكرت أن النسبة يمكن أن تكون ما بين 10% إلى 100%، وحددت موعد الطرح بأنه سيكون خلال الربع الأول من عام 2021، وذلك لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، كما أعلنت أن هناك 3 شركات أخرى تابعة للجيش جارٍ دراستها لنفس الغرض.

الصندوق السيادي جهّز الشركتين للطرح

وظل المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي يصرح بأنه جارٍ إعداد الشركتين للطرح أكثر من مرة، دون تحديد موعد محدد أو تحديد أسلوب الطرح، هل سيكون من خلال البورصة للجمهور، أم لمستثمرين استراتيجيين، حتى كانت مشكلة ارتفاع معدلات التضخم العالمي عام 2021، والأزمة الروسية الأوكرانية خلال العام الحالي، وخروج القدر الأكبر من الأموال الساخنة من مصر.

مما أسفر عن عجز بالموارد الدولارية واللجوء لدول خليجية للحصول على إمدادات دولارية لسد العجز، خاصة بعد عودة السوق السوداء، وتسبب القيود على الواردات في تعثر الصناعة وتراجع قيمة الصادرات والتي تعتمد على نحو 60% مكونات مستوردة.

الأمر الذي دفع الإدارة المصرية للدعوة باستبدال القروض والودائع الدولارية التي أمدت دول الخليج بها  مصر بمشاركات في شركات مصرية، وهو ما قامت به الإمارات بالفعل بشراء حصص من بعض الشركات المصرية خلال شهر أبريل/نيسان من العام الحالي، وتلتها السعودية بشراء حصص في شركات مصرية في أغسطس/آب الماضي، وتلتها مفاوضات مع قطر لشراء حصص في شركات مصرية، وهي الدول الـ3 التي قدمت دعماً لمصر خلال العام الحالي.

لكن مشتريات الدول الخليجية لـ3 تكاد لا تكفي تمويل قيمة واردات شهر واحد، فما بالنا بسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي والتي تزيد قيمتها بالعام الحالي عن 40 مليار دولار، ونفس القيمة بالعام المقبل، بخلاف عجز دولاري بالجهاز المصري بلغ حتى شهر سبتمبر/أيلول الماضي 22.6 مليار دولار، ولا يتوقع علاجه قبل مرورعدة شهور، حيث إن العجز الماثل بالجهاز المصرفي عام 2016 استمر لنحو 6 أشهر بعد قرار التعويم حينذاك.

ولهذا لجأت الحكومة إلى اتباع عدة أساليب للحصول على موارد دولارية، منها السماح للمغتربين باستيراد سيارات من الخارج دون دفع رسوم أو ضرائب جمركية، مقابل إيداع قيمة الرسوم بالدولار فى بنك مصري لمدة 5 سنوات بلا عائد، وردّها بالجنيه المصري، وبيع وحدات سكنية وأراضٍ للمصريين بالخارج بالدولار.

وكذلك رفع فائدة الودائع الدولارية لجذب الودائع، والإعلان عن تسهيلات للمستثمرين الأجانب القائمين بإدخال دولارات، بمزايا إعفاءات ضريبة تصل إلى 55% من ضريبة الدخل، والتي وافق عليها مجلس الشورى مؤخراً.

قرض الصندوق المحدود أحد أسباب البيع

إلا أن تلك الإجراءات لن تكفي لسد الفجوة الدولارية، وجاءت قيمة قرض صندوق النقد الدولي الجديد والبالغ قيمته 3 مليارات دولار يتم الحصول عليه خلال 46 شهراً، بالإضافة لقرض بقيمة مليار دولار من صندوق تابع له، وقروض من دول ومؤسسات إقليمية ودولية بنحو 4 مليارات دولار حتى منتصف العام القادم.

وبما يعني الحصول بشكل إجمالي على 9 مليارات دولار، في حين بلغت قيمة الواردات السلعية خلال شهر أغسطس/آب الماضي 7.5 مليار دولار، رغم تقييد الاستيراد، وهو الرقم المرشح للزيادة خلال الفترة المقبلة بعد إلغاء قيود الاستيراد، كما وعد محافظ البنك المركزي.

ومن هنا كان اللجوء لبيع حصص من شركات الجيش، خاصة بعد تلميح خبراء بصندوق مصر السيادي بأن البيع سيكون لمستثمرين استراتيجيين للتغلب على مبرر عدم استعداد البورصة للطرح حالياً، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع الخاص المصري نتيجة نقص الدولار وقيود الاستيراد والتعويم الجديد للجنيه وضعف القوي الشرائية عموماً، وعدم عودة الأجانب للبورصة بنفس الدرجة التي حدثت مع تعويم عام 2016.

ولهذا نتوقع أن البيع لتلك الحصص من الشركتين التابعتين للجيش سيكون  لصناديق سيادية خليجية، خاصة من الإمارات، والتي تمتلك شركة لتوزيع الوقود بمصر، وذلك للحصول على قدر من الدولارات، أو تخفيف أعباء الديون والاستفادة من الموارد المتدفقة على دول الخليج حالياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي.

بيع حصة بشركتين واستمرار تكوين شركات جديدة

وشهدت الفترة الأخيرة تداول أقاويل عن رفض قيادات بالجيش ذلك البيع، حفاظاً على الأمن القومي، خاصة فيما يخص شركة توزيع الوقود، وعززوا أسانيدهم بما نشر عن تعويض الرئيس لهم ذلك البيع المرتقب بمنح القوات المسلحة 70 فداناً بمدينة القاهرة الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و56 فداناً أخرى بناحية العين السخنة بمحافظة السويس بنفس التوقيت.

إلا أن تلك الأقاويل عن اعتراض قيادات بالجيش على البيع ليس لها سند مؤكد، كما جاءت في سياق الجو الذي صاحب الدعوات للتظاهر يوم 11/11 الماضي، كما أن النظام العسكري قائم على تنفيذ الأوامر من القيادات العليا دون نقاش.

بالإضافة إلى أن البيع سيكون لنسبة من الشركتين وليس لهما بالكامل، كما أن شركتين من نحو أكثر من 30 شركة – حسب البيانات المعلنة بالموقع الإلكتروني لوزارة الدافع – تابعة للجيش، لا يمثل حصة كبيرة، خاصة أن هناك استمراراً في إقامة شركات جديدة تابعة للجيش، بخلاف ما لدى الإنتاج الحربي من شركات، وشركات الهيئة العربية للتصنيع، وشركات تابعة لجهات أخرى داخل الجيش بخلاف جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

كذلك لا نتوقع أن يتم بيع تلك الحصص إلى الجهات الحكومية التي لديها محافظ استثمارية كبيرة، مثل البنوك العامة وهيئة الأوقاف وهيئة البريد وصناديق التأمينات والمعاشات، لأن المطلوب تدفقات دولارية، وهو ما لا تملكه تلك الجهات حالياً، كذلك يمكن للحكومة استثمار ذلك البيع في إطار حملتها الدعائية بتقليل هيمنة الجيش على الاقتصاد، سواء محلياً أو خارجياً وأمام صناديق التمويل الدولية.

ورغم أن الحديث عن بيع حصص من شركات الجيش بالبورصة يدور منذ 4 سنوات، فإن الأوضاع الحالية للنقص الشديد في الموارد الدولارية سيكون دافعاً أكبر للتنفيذ، ولعل حضور رئيسي الشركتين الوطنية للبترول وصافي، الاجتماع الذي حضره رئيس هيئة الشؤون المالية بالجيش، ومدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة مع الرئيس مؤخراً، أحد الشواهد لذلك.

إلى جانب تهيؤ الظروف بالنسبة للصناديق السيادية الخليجية التي كانت تنتظر تعويم قيمة الجنيه المصري، للإقدام على الشراء بعد استقرار سعر الصرف، أو بمعنى آخر الحصول على نسب من تلك  الشركات بقيمة دولارية أقل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد