بنيا بيتهما وتعلما نسج لباسهما.. كيف بدأ آدم وحواء حياتهما بعد النزول إلى الأرض؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/13 الساعة 07:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/13 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش

تكلمنا في المقال السابق عن بداية الحضارة الإنسانية على الأرض عندما أهبط الله -تعالى- آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، وذكرنا فيه بداية حياة الإنسان وكيف حافظ على النسل البشري من خلال الزواج بحواء.

 وعرضنا بعض ما ذكره القرآن الكريم حول مسألة التزاوج والتناسل البشري الأول المتمثل بهما. وفي هذا المقال نسلط الضوء على الأسباب التي أخذوا بها لإبقاء الحياة واستمرارها آمنة مستقرة لتحقيق الغاية التي أنزل آدم لأجلها وهي الخلافة في الأرض.

انطلق الأبوان العزيزان في تحقيق مهمة الخلافة في الأرض بالتناسل والتكاثر والزواج، وبدآ يتأقلمان مع الواقع الجديد واجتهد آدم في عمله في الأرض وساعده أبناؤه لما كبروا وتفننوا في الزراعة والصناعة وتربية الحيوانات، وطوروا أسلوب حياتهم، لأنهم يملكون العقل الواعي الذكي الذي يستطيعون به اكتشاف أسرار الكون ومصادر الرزق، وأساليب الطبخ والأكل من النباتات ولحوم الحيوانات والطيور… إلخ وثمار الأشجار وفواكهها المتعددة الكثيرة من فضل الله ونعمته عليهم.

وبدأ يبني البيوت ليستتر فيها من كل ما يسوؤه، ويحمي نفسه فيها من تقلبات الطقس ويتفنن في هندسة بنائها وزينتها، وتطور اللباس، فقد كان أول لباس مستقل لبسه "آدم وحواء" من ورق الجنة وتمت صناعته بطريقة الخصيف مثل الخرز، ويشبه الخياطة ويعني ضم أطراف الشيء بعضها إلى بعض، شبكها بعود أو نحوه؛ وبهذا أصبح اللباس ستراً يواري عورة الإنسان ويعينه على احتشامه حتى من نفسه وزوجه إذا لم يكن ثمّ حاجة تدعو إلى ذلك، وكان آدم وحواء يستتران من بعضهما بهذا الورق المخصوف.

وكشف العورة بين الزوجين من غير داعٍ مستهجن، واللباس يحقق الحشمة والستر ويحقق الجمال والزينة والجاذبية في الوقت نفسه، وبهذا أصبح اللباس رمزاً للفطرة الإنسانية منذ نشأتها الأولى، فهو كان مع آدم وحواء أول ما تفتّقت فيهما روح الاجتماع والوصال واشتياق بعضهم لبعض، وتمّ التوازن بين الروح الأرضي والروح العلوي، وبهذا أصبح اللباس جمالاً وزينة ويكفي أنه من ورق الجنة.

وفي الأرض كانت ثيابهم من شعر الضأن؛ جَزُّوه، ثم غزلوه فنسج آدم جُبَّة، ونسجت حواء درعاً وخماراً، وكانت بداية الصناعة ومباشرة العمل باليد، لتدبير أمر اللبس فهو من ضرورات الحياة والصحبة والتعبد، وقد يجوز أن يكون ما نسجوا ولبسوا غير هذا ولكنه من جنسه.

وتوارث الأنبياء حب اللباس الجميل، حتى لبس خاتمهم -صلى الله عليه وسلم- الجُبَّة والحُلّة والإزار والرداء، والقميص، وكان أصحابه يحبون أن تكون ثيابهم حسنة ونعالهم حسنة، وخافوا أن يكون هذا من الكِبر فقال لهم: إن الله جميل يحب الجمال [مسلم: رقم 91 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].

وقد أصبح للباس وظيفة معنوية تشعر الإنسان بهويته البشرية وميزته الإنسانية وتذكّره بالعهد والميثاق الإلهي: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾، فثمّ لباس ظاهر من الثياب الخاصة الشخصية أو العامة، التي هي الريش ولباس باطن من الحب والمودة والرحمة كما سمّى الله الزوجين: لباساً: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ ولباس الطيبة والخير والصلاح والتقوى.

وإنزال اللباس قد يعنى إنزال المادة التي يُصنع منها أو المطر الذي ينبته أو إنزال الامتنان به وإباحته وتشريعه للبشر، وبعض الناس يلبس أفخر الثياب للتجمعات ويذهب للصلاة في ثياب النوم، وهذه غفلة عن وظيفة اللباس: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.

واللباس الجميل فضل ونعمة، والاعتدال فضيلة، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وهو لا يحب المسرفين ولا يحب المتشدّدين المحرِّمين بغير علم، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32].

كانت الحياة الإنسانية الأولى تشق طريقها على هذه الأرض، وعرف الأبوان وأولادهما وأحفادهما كيف يوفرون لقمة العيش واحتياجاتهم الحيوانية والنباتية والصناعية والسكنية … إلخ. فاستصلحوا الأراضي للزراعة، وكان الماء متوفراً من الأمطار المحجوزة في أغوار من التلال، وقد تمكنوا من صنع رحى لطحن القمح وكذلك محراث حجري وقطعوا أخشاب الأشجار العتيقة وبنوا كانوناً لطهي الطعام، وتعلموا استخراج النار من قدح الأحجار الصخرية. وكان الله عز وجل يلهم آدم مما علمه من أسماء الأشياء ووظائفها، فهيأ لعائلته حياة طيبة رغدة، واستجابت له الأرض ومطر السماء بإذن الله عز وجل فأعطت من خيراتها الكثير والكثير وهذا من تسخير الله مخلوقاته للإنسان.

وبدأت تتشكل الأسر الإنسانية الأولى بتوجيهات نبي الله آدم -عليه السلام- التي نزلت عليه من الله -عز وجل- عن طريق الوحي، ومن تلك الأسر انطلقت الحضارة الإنسانية الأولى.

وبهذا يكون قد تم الأمر الرباني الذي أعلن في الملأ الأعلى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أي كل ما جرى من أحداث في قصة آدم عليه السلام وزوجه لتكوين الجنس البشري خليفة في الأرض، ولكي يستمر في وجوده على هذه البسيطة لا بد أن يأكل ويشرب ويتناسل وينجب الأولاد، ولكي يحدث ذلك ركب الله فيه دوافع للطعام والشراب.. إلخ، وهذه الرغبات والشهوات جعلها الله سبباً في استمرار الحياة البشرية على الأرض، ومن الطبيعي لكي يحصل الإنسان على ما يشتهي من طعام وشراب… إلخ، أن يستمر في العيش على سطح هذه الأرض بكل سعادة ويتمتع بهاتين الشهوتين، ولا بد أن يعمل ويجد ويجتهد من أجل الحصول على ما يشتهي، ولهذا السبب وغيره مما هيأه الله قام بعمارة الأرض وبالغ في ذلك حتى وصل الإنسان إلى ما وصل إليه. وكل ذلك بجهده وتفكيره وتوفيق الله لبني الإنسان ليحصل على ما نراه من التطور الحضاري الحاصل الآن، والذي هو في أشد حاجة لهدايات السماء ووحي الله عز وجل والرسالة الخاتمة المحمدية والتي فيها سعادة الإنسان المادية والروحية والعقلية والنفسية والوجدانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي
تحميل المزيد