“الجاسوس النبيل 3”..اغتيال الفلسطيني علي حسن سلامة، ومقتل الضابط الأمريكي إيميز

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/11 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/12 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
الضابط الأمريكي روبرت أيمز / تويتر

استكمالاً لمقالنا السابق من سلسلة حلقات، حول قراءة كتاب "الجاسوس النبيل" للصحفي والمؤرخ الأمريكي، كاي بيرد، نواصل سرد قصتنا في ثالث مقالاتنا حولها.

زار الضابط الأمريكي إيميز بيروت مرتين عامي 1977 و1978، والتقى سلامة عدة مرات، وسرت أحاديث حينها عن لقائه بالرئيس الراحل ياسر عرفات، ويمكن القول إن شيئاً من الثقة قد نما بين أمريكا والمنظمة الفلسطينية.

 فهم الأمريكان أن الإسرائيليين يرتبون لاغتيال سلامة، وأبلغوا سلامة، فرفض سلامة بشدة أن يبلغ الأمريكان نظراءهم الإسرائيليين بأنه يتلقى أموالاً منهم…

 رتب الأمريكان زيارة ثانية يقوم بها سلامة إلى أمريكا، في رسالة إلى الصهاينة أنه في حمايتهم، كذلك أرسل بشير الجميل رسالة تحذير إلى سلامة، وقد كان الصهاينة حينها يريدون قطع الاتصالات الناشئة بين منظمة التحرير وأمريكا.

    وفي تلك الأيام قامت عميلة إسرائيلية باستئجار شقة تطل على الطريق الذي يسير فيه موكب سلامة إلى منزل والدته، وتظاهرت بأنها سائحة غريبة الأطوار تعيش مع قططها، وكانت تطل من شرفتها على الطريق.

 وفي يوم من الأيام، وأثناء استقلال سلامة سيارته، أوصل إليه مرافقه جمال رسالة ثانية من بشير الجميل، تفيد بأن محاولة الاغتيال ستقع اليوم أو غداً. 

موكب سلامة يمر من تحت الشرفة، سيارة مجهولة تعطل الموكب حتى تعطي الفرصة للعميلة الصهيونية بالضغط على الزناد، حدث انفجار هائل، قُتل سلامة وآخرون، وشيّعه 20 ألفاً يتقدمهم عرفات وبشير الجميل، وأطلق رجال بشير لحظة زخات رصاص تحية المقاتل الذي خر صريعاً مضرجاً بالدماء.

 علق رئيس الوكالة الأمريكية رداً على اتهامات بالتقصير في حماية سلامة: لقد فقدنا القدرة على دفع عملية السلام، إن عرفات بالمقارنة مع سلامة كان رجلاً ضعيفاً جداً.

 وعلق السفير الأمريكي في مصر بأنه يعتبر اغتيال سلامة خسارة كبرى.

 أما في إسرائيل، فقد تم الاحتفال بقتل سلامة احتفالاً كبيراً، وعلق بعضهم: أن فكرة وجود تعاون مخابراتي بين أمريكا والأمير الأحمر مسألة بغيضة لعينة. 

أما إيميز، فكان يسفح الدموع غزيرة على صاحبه، وفيما بعد قام إيميز بالتواصل مع عرفات لأكثر من سبب عن طريق مصطفى الزين، تواصل الطرفان مراراً، القصص التي يوردها الكتاب مدهشة، نجحت القناة في تحفيز المنظمة للتحول إلى تنظيم سياسي سلمي كما نرى حالياً، لكن الضغوط الأمريكية على إسرائيل بقيت عاجزة عن أن تغيرها.

وفي إحدى المناسبات قام إيميز بتسريب خطة أمريكية إلى عرفات، جهزها وزير الخارجية الأمريكي شولتز، وصلت الخطة إلى عرفات.

مقارنة تلك الخطة بالوضع الحالي تُظهر أنه رغم أنها ترفض الاعتراف بمنظمة التحرير، فإنها تؤكد أن القدس منطقة محتلة، وتعتبر كل التغييرات التي أجرتها إسرائيل على القدس بعد احتلالها في 1967 غير قانونية.

 كما أنها تقضي بإلغاء الحكم العسكري، والإداري الإسرائيلي في الضفة، وغزة وتستبدل به حكومة استقلال ذاتي منتخبة. 

وهذا يعني أنه في اللحظة التي كان فيها الفلسطينيون في أضعف حالاتهم، يوم خروجهم من لبنان كان الموقف الأمريكي متقدماً كثيراً بالنسبة لحقوق الفلسطينيين، مقارنة بما بعد أوسلو.

 الأسوأ ما زال قادماً، خرج عرفات ورجاله من بيروت في أغسطس/آب 1982، وتلا خروجهم مجموعة من الأحداث الجسام، حيث دخلت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية ونفذ أبناء حزب الكتائب بقيادة إيلي حقيقة مذبحة صبرا وشاتيلا، التي قُتل فيها 2600  فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.

 كان المفروض أن ينفذ تعهد الدبلوماسي الأمريكي، فيليب حبيب، المسؤول عن اتفاق الإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية ببيروت 1982 بحماية المخيمات، لكن جنود المارينز كانوا قد انسحبوا قبل ذلك.

 تعاطفت الإدارة الأمريكية، خاصة موظفي الوكالة، مع الضحايا وشعر الجميع بالمسؤولية. 

وفي أبريل/نيسان من العام 1983 قُتل الضابط الأمريكي روبرت إيميز في حادثة تفجير السفارة الأمريكية ببيروت، وقُتل معه 17 أمريكياً و32 لبنانياً.

وأثبتت الحادثة هشاشة الوضع الأمريكي في المنطقة، حيث ذهبت الاتهامات باتجاه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

 خاصة نحو عماد مغنية، الذي كان من حراس ياسر عرفات، وشهد بعينيه مجزرة صبرا وشاتيلا، بعدها انتقل إلى العمل مع حزب الله.

   كلما راجعت الكتاب أحس وكأنني أقرأ رواية لا أحداثاً واقعية، ولكن نسبة كبيرة مما كتب حدثت فعلاً، وهنا نرى أن دوائر الاستخبارات الأمريكية تغولت على وزارات الخارجية ومراكز الدراسات، وما زال الكثير يُحاك في الخفاء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد