المجتمع في مواجهة السلطة.. هل نجحت سياسة “الضغط القصوى” الأمريكية في ضرب النظام الإيراني؟

تم النشر: 2022/11/10 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/10 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
شرطة الأخلاق الإيرانية أو "كشت ارشاد" تأسست عام 2005 بموجب قرار قضائي/ Fars

في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر من العام الجاري، قام جهاز شرطة الأخلاق في إيران باحتجاز الشابة الكردية مهسا أميني بسبب عدم التزامها في ارتداء الحجاب الإسلامي، لتتعرّض أثناء احتجازها إلى ضرب عنيف أدى إلى وفاتها، وتندلع على إثر ذلك احتجاجات واسعة ما زالت مستمرة إلى اليوم في مختلف المدن الإيرانية. 

الأمر الذي دفع سلطات البلاد لاتخاذ إجراءات استثنائية، من بينها استعمال العنف لتفريق المحتجين واعتقالهم وحجب شبكات الإنترنت، لإخماد هذه الاحتجاجات العفوية قبل أن يتم تأطيرها سياسياً، وتتحول إلى ثورة تُقلق النظام على مصيره.

تكمن أهمية هذه الحادثة، وما أدت إليه من تفاعلات شعبية غاضبة، في أنها وضعت صلاحيات السلطة في إيران وعلاقتها في المجتمع تحت المجهر، ذلك أن نظام الحكم الثيوقراطي الذي نشأ في أعقاب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، لم يزهد في حقوق الأفراد وحرياتهم، على غرار حكم الشاه الذي شهد الإيرانيون في عهده انفتاحاً ثقافياً وحضارياً تجسّد في مستوى الحريات الفردية آنذاك على الرغم من نزعته الاستبدادية.

بل إن هذا النظام الثوري صادَر تلك الحقوق والحريات، وألزم أفراد المجتمع باختيار نمط حياة موحّد لتأسيس ما سُمِّي في الدستور "المجتمع الإسلامي"، واستعمل على هذه الغاية أدوات قهرية، من بينها على سبيل المثال، لا الحصر، جهاز شرطة الأخلاق الذي يعدُّ قوة تنظيمية ذات طابع ديني، ينتشر عناصرها في كل مكان للتأكد من مدى التزام المواطنين في قواعد اللباس الصارمة التي فُرضت عليهم منذ أن أُعلن قيام الجمهورية الإسلامية في  إيران.
ويزداد نشاط هذا الجهاز عندما يتسلَّم التيار الأصولي مفاتيح السلطة، إذ يرفض هذا التيار أن تتعامل السلطة مع المجتمع على أساس العقد الاجتماعي، كما أنه يركّز على واجبات الأفراد أكثر من حقوقهم، ويحرص أن تسيطر الدولة على مختلف مناحي الحياة، وألّا يُترك هامش لا تنفذ إليه سلطة الدولة، وعلى الرغم من اتّسام المجتمع الإيراني بالانفتاح الثقافي والحضاري في حقبة الشاه الملكية، فقد سعى النظام الثوري إلى التخلص من الموروثات الاجتماعية والثقافية من تلك الحقبة، عبر إجراء تحولات جذرية، ذات طابع ثقافي واجتماعي واقتصادي، مُنسجمة مع فلسفة الثورة الإسلامية التي قادها روح الله الخميني.

فبدأت الحريات الفردية في إيران تتقلص مع مرور الوقت، مقابل توسّع صلاحيات السلطة التي بدأت ترسم ملامحها قسراً في ثقافة المجتمع وتفاصيل حياة أفراده اليومية، دون أن تدرك أن استمرار هذه الهيمنة الثقافية على المجتمع سيؤدي تدريجياً إلى حدوث نزيف في شرعية السلطة.

ولا يمكن لهذا النزيف أن يتوقّف ما لم تُسارع إلى تصويب علاقتها في المجتمع، ذلك أن أي سلطة في أي بلد قد توضع شرعيتها على المحك، إن لم تكن قِيمُها التي تُلهم عمل الدولة متطابقة نسبياً مع القيم التي تُحرِّك المجتمع، بصفته فاعل مؤسس ومحرِّك للدولة، إضافة إلى أن مُصادرة حق المجتمع في بناء المنظومة الأخلاقية والثقافية التي يرتضيها لنفسه، سيجعل منه مجتمعاً ضعيفاً وهشّاً، يسهُل اختراقه واقتياده. 

لقد أدّت سياسات السلطة التدخليّة في المجتمع إلى صناعة أزمة اجتماعية حقيقية في إيران. لكن هذه السلطة ترفض إجراء مُراجعة لطريقة إدارتها العلاقة مع المجتمع الذي سئم أفراده من العيش تحت وصاية أخلاقية سلطوية.
وعلى الرغم من تبعثُر الاحتجاجات الشعبية المستمرة في إيران، وعدم تأطيرها سياسياً، لا نستطيع خفض سقف التوقعات بمدى قدرة تلك الاحتجاجات على إجبار السلطة على التنازل عن بعض صلاحياتها لاحتواء الغضب الشعبي العارم، والذي عبّر عنه المحتجون في مهاجمة عناصر الأمن الإيراني ومؤسسات الدولة، وإغلاق الشوارع والطرقات، وطرح عمائم رجال الدين، وهي إشارة كافية لإدراك مستوى الحنق الشعبي على المؤسسة الدينية التي تتحكم في المجتمع والسياسة، وعلى الرغم من وعود السلطة بفتح تحقيق جدي بوفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها، إلّا أن الاحتجاجات الغاضبة ما زالت مستمرة منذ حوالي شهر ونصف، ذلك أن العامل الاقتصادي أعطى زخماً لتلك الاحتجاجات.

سياسة الضغوط القصوى التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لمعاقبة إيران على تمسّكها بالعودة المشروطة إلى الاتفاق النووي، بدأت أعراضها بالظهور على الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، بدليل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وزيادة التضخم، وهبوط الريال الإيراني أمام الدولار، وهو ما تؤكده التقارير العالمية المختلفة، فيما تستمر السلطات في إنكار وجود هذه المشكلات البارزة، والنظر إلى الاحتجاجات الشعبية كاستجابة لمؤامرة خارجية وتدخل أجنبي، وتستعمل العنف المفرط لقمعها، دون أن تُبادر حتى الآن، للوقوف على أسباب تلك المشكلات، والاعتراف بأن سياساتها الداخلية والخارجية هي المقدمة التي أدت إلى هذه النتائج المنطقية

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبدالحافظ الضرابعة
كاتب وناشط مدني أردني
كاتب وناشط مدني، مهتم بالشأن الإقليمي والدولي، ومساعد بحثي في مجلس الأمة الأردني