كثُر الحديث عن جماعة العدل والإحسان هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعد أكبر تنظيم سياسي ومجتمعي في المغرب، وواحدة من أبرز الحركات الإسلامية المعاصرة، التي تميزت بجماهيريتها وقدرتها على الحشد، وكذا بتصورها الذي اختطّ خطاً متفرداً في التغيير، وسط الحلول البسيطة المباشرة التي سادت التيار الإسلامي، المتأرجحة بين خطين متنافرين، بين تطرف في تكفير كل شيء، أو التطبيع مع الظواهر المجتمعية المختلة، وصولاً إلى الارتماء في حضن السلطة.
استحضار الجماعة حالياً مناسبته تخليدها الافتراضي لذكرى تأسيسها الأربعين، واللافت هنا أن جل الاهتمام بهذا الموضوع استرعى أبناء الدار الذين نقلوا ما كان يُناقش في دوائر مغلقة داخلياً إلى الخارج، والذين انخرط قطاع منهم في النقد اللاذع لقيادة التنظيم ولتوجهاته الحالية، بدل الاحتفاء بذكراه التأسيسية.
حضور خافت وفقدان القدرة على التأثير
خلافاً للشعار الذي رفعته قيادة الجماعة بالمناسبة الأربعينية لتأسيسها، فإن الحضور لم يعد دائماً، فالعدل والإحسان منذ مدة أصبحت غير قادرة على لفت الانتباه بخطوات على الأرض، سواء تعلق الأمر بمبادرة ذاتية مثل سعيها للاعتكاف الرمضاني في المساجد، أو تنظيمها لعدد من الخطوات الجريئة كاعتصام 8 مايو/أيار 1990، أو الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 2000، أو معركة الشواطئ في الفترة نفسها، أو تنظيم الأبواب المفتوحة في 2006، أو بانخراطها في فعل مشترك كما كانت عليه الحال، في 20 فبراير/شباط، وفي نضال التنسيقيات.
لقد أضحت العدل والإحسان أقليةً غير فاعلة، وهي اليوم تعاني من عسر في التواصل مع أطياف المجتمع المتعددة، بمن فيها الأجيال الجديدة، ولننظر إلى عجزها البيّن عن التصدي لكل المخططات المخزنية التي تضرب في الصميم مبادئها، فلا هي تمكنت من إيقافها ولا حتى من تقليص حدتها، مثلما هي الحال بالنسبة لاستهداف الهوية الإسلامية، الذي بلغ ذروته زمن كورونا، بالإغلاق المطول للمساجد، وصولاً إلى منع صلاة التراويح، الشيء الذي لم تجد معه الجماعة غير الشكوى العاجزة، واستدرار عطف من بيده القرار.
كذلك الحال مع ملف التطبيع مع الصهاينة، الذي انتقل من اعتبار الكيان الصهيوني دولة كباقي دول العالم، إلى الشراكة معه، بل قُل استباحة للدولة المغربية، واختراق لمجتمعها الذي لم يُبدِ ممانعةً حقيقيةً أمام هذا التغول، ولا يختلف الأمر في موضوع الحريات السياسية، أو في ضرب القدرة الشرائية للمغاربة، حيث تكتسح السلطوية كل المجالات، دون أن تلقي بالاً لا للجماعة ولا لغيرها، ومسؤولية العدل والإحسان في مواجهتها أكبر من مسؤولية غيرها، باعتبار حجمها التنظيمي وحضورها المجتمعي، الذي تآكل بشكل كبير بفعل سلبيتها، وإلا فما الجدوى من وجودها أصلاً؟
الحوار أولاً.. الحوار أخيراً
أمام الواقع المأزوم الذي تعيشه العدل والإحسان تفتّقت عبقرية صانع القرار داخل الجماعة عن الحل الأمثل الذي سيخرجها مما هي فيه، ألا وهو الحوار ولا شيء غير الحوار، مع مَن؟ ليس مهماً حتى وإن تجاهلها الآخر الذي تطرق بابه، والذي يصرّ على إحكام إغلاقه أمامها، مُصدراً كمّاً هائلاً من الإهانات التي تتلقاها حتى من الشخصيات التي تستجيب لدعوات حوارها، حتى تحولت الجماعة إلى تلميذ نجيب يحرص على إرضاء أساتذته.
فمنذ أول دعوة للحوار، التي دشنها قطاع الجماعة الطلابي سنة 2009 إلى اليوم، ما زالت الحصيلة هزيلة للغاية، وما زالت جل الأحزاب والتكتلات التنظيمية ترفض التعاطي مع الجماعة بصفتها الرسمية، وفي أحسن الأحوال كانت تدفع ببعض أفرادها للتواصل معها، هذا في الوقت الذي تنزل فيه العدل والإحسان بكامل ثقلها التنظيمي للتواصل مع أولئك الأفراد، وهي معادلة مختلة من الأساس، فباستثناء الانفتاح المحدود للنهج الديمقراطي على الجماعة فلا شيء يذكر.
المشكلة ليست مع اليسار وحده، الذي يجمع العدل والإحسان مع بعض أطرافه هَمّ تغيير الأوضاع القائمة، وإن تناقض معه في التصورات البديلة، المشكلة أن وداعة الجماعة تنسحب على الجميع، حتى مع الطيف الإسلامي المتعدد الذي مال جُله نحو الانغلاق دعوياً عبر الانخراط في المجالس العلمية، أو سياسياً مع تجربة العدالة والتنمية الحكومية، حيث لم يُظهر مسؤولو الجماعة تمايزاً كافياً بينهم وبين الحزب المذكور، من أجل الحفاظ على المشروع الإسلامي من أن يكتوي بنيران تجربته الكارثية، فقد ظلت مفردات من قبيل "إخواننا" المتداولة عند قيادات الجماعة في الحديث عن العدالة والتنمية مستفزة، وكذا نقدها الناعم له، الذي لم يتناسب مع الفظائع التي مُررت باسم حكومتَيْه.
على أن طامة الطوام هي الانفتاح على المخزن، حيث عمل الناطق الرسمي للجماعة فتح الله أرسلان على التواصل المباشر مع زعماء الأحزاب المخزنية الممقوتة شعبياً، وصولاً إلى اللقاء المباشر مع أحد أبرز رجالات النظام، إدريس جطو، وهو ما يترجم مقولة الحوار مع الجميع التي أعلن عنها عبد الواحد متوكل، رئيس الدائرة السياسية، التي لم يَستثن فيها المجاهرين بالعداء للإسلام، وكذا اللصوص المفسدين، وناهبي المال العام.
الواقع أن العدل والإحسان بسلوك قيادييها تُعمّق العزلة على نفسها من حيث تريد أن تنفتح على الآخر، وهي بتركيزها على الحوار النخبوي تفقد مصداقيتها أمام الشعب بتنازلاتها التي لا تستند إلى أي منطق، ولنعد إلى كلام الدكتور عبد الواحد متوكل، وهو يستعرض خيباته في ذلك الحوار العقيم المبتذل، الذي تعاطى فيه بمنطق التاجر الذي يفاصل في المبادئ والأفكار، كما يتعاطى التاجر مع بيع وشراء السلع، وليته كان مفلحاً، فقد قدم لمحاوريه كل شيء دون أي التزام من طرفهم. إن هذه التنازلات تعطي انطباعاً سلبياً عن الجماعة، فهي إما ترسخ السذاجة السياسية، وإما تثير الريبة، ولا تسقط تهمة التقية عنها، فما من طرف سياسي يحترم نفسه وتاريخه يفعل بنفسه ما يفعله مسؤولو التنظيم الجديد.
لسنا ضد الحوار من ناحية المبدأ، لكن شروطه لم تنضج بعد، أمام المزاج المتطرف السائد في أوساط من يعرقلون أي تقارب، والذين يسعون لتغيير جلد الجماعة عبره، ويبقى المطلوب من مختلف الفرقاء أن يتحلوا بأخلاق الفرسان فيما بينهم، لعل العمل في الميدان والاستجابة لهموم الشعب وتطلعاته قد تدفع إلى إيجاد أرضية مشتركة حقيقية. كما أن قيادة الجماعة مُلزَمة بالتخلص من وهم إرضاء الجميع، وإن أرادت أن تتجنب كَدر التدافُع السياسي فلتُبقِ أعضاءَها أحلاس بيوتهم، أمَّا واجب قول الحق فلا يحتمل ذلك التمييع الذي تمارسه للأساليب التربوية التي تستحضر جزءاً منها في غير سياقها.
المنحرفون الذين يلوثون صفاء الجماعة
للوهلة الأولى قد يظن من يسمع هذا التصريح لعبد الله الشيباني، عضو مجلس الإرشاد، في قناة سمر نبوي الإلكترونية، أن الكلام الذي تفوّه به موجَّه لأشخاص يطعنون في ثوابت الإسلام، أو لمتهتّكين يروجون للشذوذ أو للفوضى الجنسية، أو يدافعون عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، وليس موجهاً لإخوان كانوا إلى وقت قريب فاعلين، وقد كان الكثير منهم محمودي السيرة، إلى أن بدر منهم ما يُخالف توجهات القيادة، فنالت منهم الألسن اللاذعة والأقلام الحادة الموالية لها.
السؤال الذي يحير الكثيرين هو: كيف للقلب المنشرح وللعقل المنفتح على المخالفين من كافة الأصناف أن يضيقا بالصوت الداخلي، إن لم يكن بنية الاستجابة لمطالبه فبنية احتوائه واحتضان أصحابه؟ بعيداً عن مقصلة الفصل أو التوقيف، أو مقصلة الحرمان من الآخرة، لكنها الفِرقة الناجية، التي تُعاقب من لم يقتنع بتخريجاتها الهجينة لمنهاج الجماعة الأصلي.
الحقيقة هي أن تلك الممارسات القاسية هي تعبير عن عقلية لا ترى لعضو الجماعة الحق في الاعتراض، بل إن حقه في المعلومة غير متاح في حالات عديدة كما في حالة تجديد ولاية الأمين العام، أو في قرار الانسحاب من 20 فبراير، الذي لم يعرفه كثير من نشطاء الحراك العشريني المنتسبين للعدل والإحسان إلا من وسائل الإعلام، أو من زملائهم من تيارات منافسة؛ ما سبّب لهم إحراجاً بالغاً.
الازدواجية الحاصلة هي تكريس لعقدة الآخر، التي يعاني منها الإسلاميون المعاصرون عموماً، حيث يحتقر الإسلامي ذاته مقابل تمجيد مَن هم خارج الصفّ، والعمل على محاكاتهم، وأي حديث يصدر من الداخل يُذكّر بالماضي يقمع أو يتجاهل، فالقوم يحتاجون لمن يُنزلهم من شجرة المبادئ التي عمروا فيها طويلاً وما عادت نفوسهم وأهواؤهم تطيق المكوث فيها.
مات المرشد.. عاش مجلس الإرشاد
يكاد يُختزل الصراع الدائر اليوم بين التيار السائد داخل التنظيم والتيار المعارض له في مقولتين، هما مات المرشد عاش مجلس الإرشاد، أو مات المصحوب عاش المصحوب، كما هي الحال عند التيار الثاني، وفي كلتا الحالتين فإننا أمام ارتباط بالأشخاص وليس بالأفكار والمبادئ، التي أصّلها مؤسس العدل والإحسان ومرشدها وواضع منهاجها.
الفكرة التي يروّجون لها أن الأستاذ ياسين رحمه الله ربّى رجالاً وهم الأدرى بتصريف شؤون الجماعة من غيرهم، باعتبار سابقتهم، وباعتبار تضحياتهم في تشييد بناء التنظيم، وعليه لا يجوز نقاش قناعاتهم الحالية، كأنهم لا يتعبون، لا يملون، لا يمرضون، لا يشيخون، والأهم لا تتجاوزهم الأحداث، كما لا يجوز الاعتراض على مواقفهم المستجدة، حتى وإن بدا منها ما يصادم توجهات الإمام المؤسس.
الشيك على بياض الممنوح لمجلس الإرشاد يصطدم بإرث الإمام المكتوب الذي خلّفه، والذي يضع المفاهيم المنهاجية الكبرى المؤطرة لعمل العدل والإحسان، الذي لا يمكن التصرف فيه على هوى القيادة الجديدة، وإلا لَما كلّف الأستاذ ياسين نفسه عناء التأليف، ولاكتفى بترك توجيهات عامة لمن يخلفه، سواء أكان فرداً أو مجموعة أفراد، وهو ليس طلاسم تحتاج لمن يترجمها، فبإمكان أي مراقب أن يتفحص مدى وفاء القيادة لمرشدها بسهولة، وعليه فالوقائع على الأرض ومواقف الجماعة بعد وفاة الأستاذ ياسين هي من تحدد ذلك الوفاء من عدمه، وليس الحكم انطلاقاً من رصيد مضى عليه ردح من الزمن. ولنتذكر أن المقاصد التي وضعها مرشد الجماعة، والتي جعلته يخوض غمار التأليف، كانت وضع منهاج واضح المعالم، وذلك بغية سد ثغرات تجارب إسلامية سابقة، على رأسها تجربة الإمام حسن البنا في جماعة الإخوان المسلمين.
أيهما انتهت صلاحيته، مبادئ الجماعة أم مسؤولوها التنظيميون؟
أربعون سنة أم خمسون سنة مدة ليست قصيرة في تاريخ التنظيمات المجتمعية، تستدعي في كل مرة تجديد الأدوات والوسائل من أجل تلافي أي قصور، ومن أجل ضخ دماء جديدة على بنائها، أما بخصوص مبادئها الكبرى فلا تقبل النسخ أو التحريف، وإلا فسنصبح أمام كيان غير الكيان الذي نعرفه، ويوم يشعر فيه التنظيم بعدم صلاحية أفكاره فلينسحب بهدوء، حتى لا يتحول إلى رقم من الأرقام، وإلى حركة تلفيقية تؤمن بالمبدأ ونقيضه، كالكيانات التي تعج بها الساحة.
ما يحدث اليوم ليس هو التجديد المطلوب، والذي يتجاوز تفريغ مفاهيم منهاجية من مضمونها إلى تغييبها من الأصل، حيث إن مفاهيم مثل الملك الجبري، والقوامة، والخلافة انقرضت من التداول في خطاب مسؤولي الجماعة، وحتى في مجالسها الداخلية، وفي الوقت ذاته ما زالت الجماعة تحتفظ بنفس الوجوه على رأس مؤسساتها المركزية، وحتى الإقليمية، والتي تدبر شؤون التنظيم بنفس المنهجية التقليدية، رغم تعاقب الأجيال، وهذا أمر يعوزه الانسجام، فإن إقحام أفكار دخيلة على البناء يستلزم بالضرورة القطع مع القيادة القديمة، وهو الشيء غير الحاصل، ذلك أن المشكلة عند القيادي الإسلامي في حديثه عن الثابت والمتغير أنه يعتبر كل المبادئ عرضة للنسخ، إلا مبدأً واحداً هو السمع والطاعة له.
وحدهم الإسلاميون المغرمون بالنيل من رموزهم، خلافاً لتنظيمات انتقلت من النقيض إلى النقيض، ومع ذلك ما زالت تحتفظ لآبائها المؤسسين بمكانتهم، وترفض الحديث عن تجاوزها إياهم عكس من ينتقصون من إمامهم، ويدّعون قدرتهم على القطع معه، رغم هزالة بضاعتهم الفكرية والتربوية، وقد كان الأولى بهم التجرؤ على نقد من عمّر في المسؤوليات والمطالبة بإزاحتهم عن مناصبهم بعد ذلك، يمكن اختبار صلاحية الأفكار المؤسِّسة للمشروع المنهاجي بأجيال أكثر حيوية وفهماً لمقتضيات العصر.
ماذا تبقى من العدل والإحسان؟
بعد عشر سنوات على وفاة الإمام عبد السلام ياسين أصبحت هناك مسافة شاسعة بين العدل والإحسان بالأمس وما آلت إليه اليوم كأننا أمام جماعة أخرى تحرص على مهادنة الفرقاء السياسيين والمجتمعيين وعدم استفزازهم بالتمايز عنهم مما أفقدها تفردها. فعلى المستوى التربوي عملت على إزاحة مفهوم الصحبة وتفريغه من محتواه حتى تحول التنظيم إلى نسخة مشابهة لحركة التوحيد والإصلاح وباقي الحركات الإسلامية، وعلى المستوى السياسي فقد شهدنا انقلابا حقيقيا على مبادئ وتوجهات العدل والإحسان بالقبول بالنظام الملكي كما أقر بذلك محمد عبادي الأمين العام للجماعة في تصريح سابق له لموقع الجزيرة نت، وقد اعتبر فتح الله أرسلان الناطق الرسمي "إمارة المؤمنين" مسألة فقهية في حوار أجرته معه جريدة القدس العربي، كما تناسلت تصريحات قياداتها التي تهون من شكل النظام المنشود وتفتح الباب أمام العمل من داخل النسق الرسمي في خرجات هجينة تنسف مشروع الجماعة العدلي من الأساس، لتصبح المشكلة مع تيار داخل النظام وليس مع كل النظام، فتحول من كانوا يوصفون في أدبيات العدل والإحسان بالثعالب العجوزة إلى عقلاء الذين يكثر الاستنجاد بهم هذه الأيام دون استجابة من طرفهم.
النتيجة انعكست على التفاعل مع التدبير السلطوي اليومي للبلاد والتي أفرزت بيان التثمين لقرارات السلطة في جائحة كورونا في سلوك غريب سيصبح عادة دأب عليها مسؤولو الأمانة العامة للدائرة السياسية مثل منير الجوري ومحمد سلمي الذين باركوا عددا من الخطوات الرسمية من خلال الاستقواء بمواقع التواصل الاجتماعي من أجل توجيه أبناء العدل والإحسان للخط الجديد، وهو ما جسده بنسالم باهشام أحد أبرز رموز الجماعة الدعوية الذي زعم أن الأستاذ ياسين "كان محبا لوطنه ولملكه"، كل هذا يتم في الوقت الذي يتعرض فيه من لا ينصاع إلى التوجيهات للتوبيخ الدائم وللإبعاد من دوائر التأثير داخل التنظيم.
الحفاظ على بيضة التنظيم
عندما تكون قويا فإنك لا ترى عيوبك وجوانب القصور لديك، هكذا كان حال الحركات الإسلامية عموما وجماعة العدل والإحسان تحديدا حيث تسيطر النزعة المثالية على المنتسبين إليها، وحتى إن ظهرت تلك الثغرات التنظيمية فإن العضو يتحرج من أن يجرح صورة الكمال المطلق التي رسمها لتنظيمه، وإن اضطر للاعتراف بها فإنه يمني نفسه بأن الزمن كفيل بتصحيحها وتجاوزها، وما يجعله يفكر ألف مرة قبل أن ينتقد الجماعة هي الحرب السلطوية عليها والخوف من أن يتسبب في خدمة مجانية للمخزن فيكون الحفاظ على بيضة التنظيم أهم من إصلاحه.
هذا الوضع تساء قراءته من طرف قيادة العدل والإحسان التي تظن أن الأوضاع بخير فتتمادى في أخطائها، وحين تواجه بجانب من جوانب الضعف في عمل التنظيم فهي تلقي باللائمة على الشعب أو على الإكراهات الإقليمية أو الخارجية وأنه ليس في الوسع أكثر مما كان، فحتى في معالجة ظاهرة فتور الأعضاء فإنها ترد المشكلة إلى العضو وإلى ضعف همته، وقد يكون الأمر صائبا إن تعلق بالأفراد أما أن يتحول إلى ظاهرة فهو شكل من أشكال التمرد الخفي الذي يجب البحث عن مسبباته.
لم يعد الحفاظ على بيضة التنظيم مقبولا بعد أن تسببت قيادة الجماعة في تشتيت ما سعى مؤسسها إلى لم شمله، ولم تعد إخافة الأعضاء بشق عصا الجماعة مجدية بعد أن شقت القيادة عصا المنهاج النبوي الذي يؤطر عمل الجماعة والذي أسفر عن زخم جماهيري تحسد مختلف التيارات والنخب العدل والإحسان عليه. ولم تعد تهمة ارتباط معارضي القيادة بالمخزن مقنعة بعد أن تم نسخ مواقف الإمام ياسين الممانعة وبعد أن تم تدجين صفها.
تواصل الاستهداف لكن ..
يستهدف المخزن القوى المعارضة في البداية حتى يردعها فإن أظهرت له الضعف يستهدفها مرة ثانية وثالثة وعاشرة حتى يذلها ويطوعها إلى أن تنصاع له انصياعا تاما ويخفت صوت الاحتجاج لديها ليتحول إلى استعطاف وتوسل له، ومع ذلك لن تضمن النجاة من نقمته إن أساءت الأدب معه حينئذ تدخل حظيرته رسميا وتصبح أسيرة رضاه وسخطه.
هكذا صنع المخزن مع العدل والإحسان حين بدأت تهادنه قيادتها والتي كافأ حملتها المؤيدة لقراراته زمن كورونا باعتقال ياسر عبادي نجل أمينها العام، واليوم يفعل الشيء نفسه باعتقال القيادي محمد باعسو رغم كل جهودها لمهادنته والغاية هي ترويضها.
هناك فرق كبير بين أن تواجه الظلم بعنفوان وصلابة حتى لو لم تتمكن من دفع العدوان عنك وبين أن تتلقى الضربات ممن تسعى لنيل رضاه، وقد كانت الجماعة تخرج منتصرة على المخزن بعدم إعطائها الدنية في مواقفها وبالشعبية التي كانت تحظى بها نتيجة لذلك.
فهل تراجع العدل والإحسان مسارها بعد هذه الضربة الغادرة وتستعيد أصالتها ومقومات صمودها؟ أم أنها ستبلع الإهانة لتكون لقمة سائغة للأفعى المخزنية شأنها شأن من سبقها من القوى والأحزاب المغربية؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]